رام الله - ناصر الأسعد
حمل قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية الجديد أنباء سارة للفلسطينيين، لكنه حمل لهم أيضاً أنباء مقلقة. فمن جهة، يُعرّف القانون ويحدد الجرائم الإلكترونية المتنامية في المجتمع الفلسطيني، مثل تزوير البيانات، والسيطرة على الحسابات الإلكترونية والابتزاز وتعطيل الشبكات والحسابات والمواقع الإلكترونية وغيرها، ويضع عقوبات رادعة لها، شأنه في ذلك شأن المجتمعات الأخرى التي تنتشر فيها المعاملات الإلكترونية على نطاق واسع. ومن جهة ثانية، يفتح الباب واسعاً أمام الاعتقالات السياسية بعدما وضع تعريفات عامة لبعض الجرائم الإلكترونية، مثل الإساءة إلى الوحدة الوطنية أو تهديد السلم الاجتماعي وغيرهما.
وأجمعت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية على رفض البنود العامة في القانون، وطالبت بتعديلها، فيما شرع عدد من الصحافيين بجمع مئات التواقيع على عريضة تطالب السلطة بإلغاء هذه المواد. وقال المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) عمار دويك، إن اعتقال 6 صحافيين نهاية الأسبوع الماضي على أساس هذا القانون أظهر أن الهدف من المواد المشار إليها في القانون هو شرعنة الاعتقال على خلفية سياسية أو على خلفية الرأي. وأضاف: رحبنا بالقانون، وهناك ضرورة لوجوده، لكن المواد التي اتسمت بالعمومية أثارت قلقنا منذ اليوم الأول لأنها تفتح الطريق أمام اعتقال أي شخص على خلفية كتاباته على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال عصام عابدين من مؤسسة "الحق" إنه تم إقرار القانون من دون أي نقاش عام، وهذا مبعث قلق كبير... وعادة ما يبدأ تطبيق القوانين بعد 6 أشهر من نشرها في الجريدة الرسمية، لكن هذا القانون دخل حيز التطبيق منذ اليوم الأول من نشره (في الجرائد في 9 الشهر الماضي)، ما يثير المزيد من القلق.
وتعرّض الموظف برتبة مدير في وزارة الصحة عماد المصري للمحاكمة بعد 4 أيام من سريان مفعول القانون بعد أن ادعى عليه زميلان له في العمل بالتشهير بهما عبر موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك". وحكم القاضي عليه بالسجن عامين بموجب المادة الرقم 20 من قانون الجرائم الإلكترونية. وبعدما تنازل المشتكيان عن الحق الشخصي، خفض القاضي الحكم إلى 3 أشهر يحق للمدان استبدالها بغرامة مالية قدرها 130 دولاراً. وقال المصري إن السبب الرئيس لاعتقاله هو انتقاده الدائم لسوء الإدارة والفساد ومواقف عدد من المسؤولين، معتبراً أن محاكمته وسيلة لإسكات صوته الناقد.
ودافعت النيابة العامة بشدة عن القانون، وقال مسؤول وحدة الجرائم الإلكترونية في مكتب النائب العام الأستاذ إبراهيم حمودة، إنه واحد من أكثر القوانين تطوراً في العالم، ويستند إلى المعاهدات والاتفاقات الدولية والمعايير الموضوعة من الجامعة العربية. وعن العبارات العامة لبعض الجرائم الإلكترونية، قال: لا يمكن لقانون الجرائم الإلكترونية تقديم تعريف تفصيلي لكل جريمة فهي مفصلة في القوانين الأخرى، مثل قانوني العقوبات والمطبوعات والنشر وغيرهما.
وشكّلت نقابة الصحافيين و ديوان المظالم، إحدى مؤسسات الدولة، لجنة مشتركة لاقتراح بنود بديلة لما يرد في القانون، وتقديمها إلى مكتب الرئيس محمود عباس الذي أصدر القانون بقرار رئاسي نتيجة غياب البرلمان. لكن أوساطاً قانونية تتوقع عدم تغيير القانون، مشيرة إلى أن البنود المشار إليها تعكس توجهات سلطوية متنامية لدى النظام السياسي الفلسطيني. وقال المدير العام لمؤسسة "الحق" شعوان جبارين: "يتعزز في الأراضي الفلسطينية نظام حكم فردي يقوم على تمركز السلطات في يد السلطة التنفيذية". وأضاف: "هناك صلاحيات واسعة متنامية لأجهزة الأمن في كل ما يتعلق بالشأن العام، من تمويل المنظمات الحكومية إلى تسجيل الأراضي، من دون وجود أي رقابة برلمانية". وأكد أن مؤشرات حقوق الإنسان تتراجع بصورة لافتة.