يبدو أن الولايات المتحدة، التي تلعب على الدوام دور الشرطي العالمي المُدافع عن الحرية وحقوق الإنسان ، أصبحت منغمسة في التجسس، حيث كشفت تقارير إخبارية مؤخرا عن العديد من عمليات التنصت والمراقبة الأمريكية التي تستهدف دولا أخرى من بينها الصين. لا نشعر بدهشة هائلة تجاه أنشطة التجسس الأمريكية ضد الصين التي لا تعتبر الضحية الأولى ، وربما ليست الأخيرة للأفعال الأمريكية الشنيعة، فبدءا من المواطنين الأمريكيين مرورا بالحلفاء ووصولا للشركاء الدوليين، صار الجميع ضحايا للتجسس الأمريكي . يبدو أن الولايات المتحدة أصبحت ماردا تكنولوجيا حيث وسعت عمليات التنصت والمراقبة إلى كل أنحاء العالم، ملقية بالقواعد الدولية والأخلاقية والإنسانية إلى سلة النفايات، فقد وصفت أمريكا وكيلها السابق إدوارد سنودن بـ"الخائن"، لكنها في الحقيقة خانت العالم بأسره. هناك مثل صيني يقول " لن تفرض ما تكرهه على الآخرين "، ولكن هذا المبدأ الأساسي للتعامل مع الآخرين لا ينطبق على الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، تجسست وكالة الأمن القومي الأمريكية على شركة هواوي الصينية العملاقة في مجال الاتصالات ، وسرقت معلومات سرية منها، ومن المثير للسخرية أن الولايات المتحدة لطالما زعمت بصوت عال أن هواوي سرقت أسرارها. يجب ألا تفتخر الإدارة الأمريكية بتكنولوجيا التنصت والمراقبة القوية التي تمتلكها، بل يجب أن تفكر جاهدة في بناء منظومة أخلاقها ، فلو كانت لديها تكنولوجيا مراقبة رائعة، فكيف فقد عدد كبير من الأبرياء حياتهم نتيجة الهجمات الأمريكية العشوائية في أفغانستان؟ يجب ألا تغمس أمريكا نفسها في التجسس والتنصت، بل يجب أن تستمع إلى صوت العالم العادل، فلو كانت قد استمعت بجدية لأي كلمة من ذوي الضمير، فلماذا ما يزال الشعب العراقي غارقا حتى اليوم في مرارة الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضده؟ لا يمكن لأي طرف ضمان مصلحته وأمنه على حساب مصلحة وأمن الآخرين ، هذا أمر بسيط يعرفه الجميع حتى الأطفال ، ولكن يؤسفنا أن الإدارة الأمريكية المبتكرة ظلت تضر بمصلحة الدول الأخرى بحجة صيانة مصلحتها الخاصة. من الصعب أن توقف الولايات المتحدة أعداءها من خلال عمليات التجسس، لكن من المؤكد أنها ستفقد المزيد من الأصدقاء لو استمرت في التمسك بهذه الطريقة البشعة. لقد دخل العالم عصرا متعدد الأقطاب ، ومن الضروري أن تتعلم الولايات المتحدة كيفية الالتزام بالقواعد الدولية واحترام الآخرين بدلا من السعي المفرط إلى مصالحها الخاصة. على الولايات المتحدة أن تتوقف عن أفعال التنصت والمراقبة فورا للخروج من فضيحة التجسس، فهي وإن كانت قوية في ميدان تكنولوجيا التجسس، لكنها في الحقيقة مجرد قزم في أخلاقها هذه .