لندن ـ العرب اليوم
في البداية تحدّى البشر آسار الجاذبية التي شدّتهم آلاف السنوات إلى أسفل، فحلّقوا من مدينة «كيتي هوك» الأميركية بالطائرة، مفتتحين عصر الطيران. وتحدوا واقع أن أقدامهم لم تطأ أرضاً سوى الكرة الأرضية، فساروا على القمر. وتمرّد الإنسان على بقاء تاريخه مربوطاً بكوكب سيّار وحيد (هو الأرض)، فوصل بالروبوت إلى المريخ، وبمركبات الفضاء إلى أجواء المشتري وزحل والزهرة. وأخيراً، جاء الدور لتحدي جاذبية الشمس، وهي أقوى قوى النظام الشمسي، بل تمسك بالكواكب السيّارة كلها. وقبل سنوات، انطلقت مركبتا فضاء في رحلة خُطّط لها أن تكون تاريخاً جديداً، وأن تتحدى جاذبية الشمس، وتخرج من نطاق المجموعة الشمسية كلها، لتحلّق في الفضاء الكوني فعلياً، وللمرة الأولى في تاريخ البشر. وأخيراً، أعلنت «الوكالة الأميركية للفضاء والطيران» («ناسا»)، أن المركبة «فوياجر 1» توشك على الخروج من المجموعة الشمسية، لتصبح أول آلة بشرية تسبح في الفضاء الكوني.وأوضحت «ناسا» أن مركبتها التي انطلقت في العام 1977، باتت على بعد 18.5 بليون كيلومتر من الشمس، ما يعني أنها شارفت على ملامسة الحدود الأخيرة للمجموعة الشمسية. ووصف أحد علماء الفضاء هذا الأمر بأنه يشبه طريقاً مغناطيسياً، بمعنى أن «فوياجر1» على وشك التملّص من الأطراف الضعيفة لجاذبية الشمس، لتتعرض إلى جذب قوي من نجوم المجرّة. وبيّنت «ناسا» أن خروج «فوياجر1» إلى رحاب الكون، بات أمراً متوّقعاً حدوثه ضمن مدى زمني يتراوح بين شهرين وعامين. وفي هذه المرحلة الأخيرة من رحلة «فوياجر1»، لا تسير هذه المركبة بدفع من محرّكاتها، بل بفعل تداخل جاذبية الكواكب السيّارة، مع القوة التي اكتسبتها من دورانها حول بعضها، إضافة إلى تدخّل جاذبية الشمس. مركبة «توأم» في هذا الصدد، ذكّرت «ناسا» بأن المركبة «التوأم»، وهي «فوياجر 2»، أُطلِقت بعد شهر من «فوياجر 1»، ما يعني أنها لن تلبث أن تفارق نظام مجموعتنا الشمسية أيضاً. وغطّت رحلة المركبتين كواكب سيّارة في مجموعتنا الشمسية، هي المشتري وزحل وأورانوس ونبتون.وتحمل المركبتان ما يشبه الرسائل التي تلقى داخل زجاجات في البحر، وهي عبارة عن أسطوانة سُميّت «فوياجر غولدن ريكورد» (ترجمتها حرفياً «أسطوانة فوياجر الذهبية») تحتوي صوراً وتسجيلات تختصر تاريخ البشر، ولوحة توضح موقع الكرة الأرضية في الفضاء، وصورة لجنين، ورسماً لحمض الوراثة «دي إن إيه»، وأصوات حيوانات، ومقطوعات موسيقية، ورسائل صيغت بخمس وخمسين لغة. وساهم عالِم الفلك اللبناني- الأميركي جورج حلو في صوغ قسم من هذه المواد.