عبد الباري عطوان
التّصريح المُفاجِئ الذي ورد على لِسان جون كيربي، المُتحدّث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكيّة (البنتاغون)، وأكّد فيه أنّ القوّات الأمريكيّة الموجودة في سورية لم تَعُد مسؤولةً عن حِماية آبار النفط، وأنّ واجبها الأوحد هو مُكافحة تنظيم “الدولة الإسلاميّة” “داعش”، يُؤكّد أنّ إدارة جو بايدن الديمقراطيّة الجديدة باتت تتعاطى مع محور المُقاومة ككتلة واحدة، وتُريد التخلّص من مُعظم سِياسات إدارة ترامب في الشّرق الأوسط، ليس كرمًا منها، وإنّما اعتِرافًا بفشلها وخُطورة الاستِمرار فيها.
وما يُؤكّد هذا الاستِنتاج امتناع أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي الجديد، عن تأييد اعتِراف إدارة ترامب بسِيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان السّوري المحتلّة رُغم اعتِرافه بأهميّتها بالنّسبة إلى أمن إسرائيل، ووقف إدارته لجميع صفقات بيع الأسلحة والذّخائر إلى المملكة العربيّة السعوديّة، وتجميد صفقة بيع طائِرات “إف 35” للإمارات في إطار مساعيها لوقف الحرب في اليمن التي تحوّلت إلى كارثةٍ إنسانيّةٍ، حسب رأيها.
***
جميع السّياسات التي أقدمت عليها إدارة الرئيس ترامب كانت تَصُب في مصلحة دولة الاحتِلال الإسرائيلي، ابتداءً من ضمّ القدس المحتلّة والجولان، ومُرورًا بنهب الثّروات النفطيّة وتصعيد الحرب في سورية، وانتهاءً بالعُقوبات على إيران، والقاسم المُشترك بينها جميعًا هو الفشل، وانهِيار القِيادة العالميّة الأمريكيّة، وهذا ما يُفَسِّر التّراجع التّدريجي لإدارة بايدن عنها، وفي الأيّام العشرة الأولى من تولّيها الحُكم.
سورية الدّولة والقيادة قاومت جميع هذه السّياسات الأمريكيّة، وحُروبها التدميريّة الدمويّة، ولولا هذه التّضحيات، وهذا الصّمود السّوري، لما حاول الرئيس بايدن غسل يديه من مُعظم سياسات سلفه، والتّراجع عن حِماية آبار النّفط التي تقع تحت سيطرة قوّات سورية الديمقراطيّة الانفصاليّة (قسد) وتُدير عمليّات الإنتاج والتّنقيب فيها شركات إسرائيليّة.
هذه الخطوة الأمريكيّة الجديدة جاءت بعد تواتر المعلومات من شِمال شرق سورية المُحتل، حيث يتواجد 900 جندي أمريكي، حول استِنفار العشائر العربيّة السوريّة للتّصدّي لهذه الهيمنة الأمريكيّة وتنفيذ أعمال مُقاوَمة فدائيّة ضدّها، وقوّات سورية الديمقراطيّة، وما الحديث عن التّركيز على مُقاومة “داعش” إلا ذرّ الرّماد في العُيون، ولا نَستبعِد أن يكون قرار إدارة بايدن المُقبل هو سحب القوّات الأمريكيّة لاحقًا تَجَنُّبًا للخسائر.
محور المُقاومة الذي أسقطت صواريخه أربع مُسيّرات إسرائيليّة اخترقت أجواء قِطاع غزّة وجنوب لبنان في غضون أربعة أيّام، وبات على بُعد أسابيع معدودة من إنتاج رؤوس نوويّة بعد امتِلاك إيران كميّةً من اليورانيوم المُخصّب تزيد عن 3000 كيلوغرام، وتطوير شرائح نوويّة، ومعدن اليورانيوم، خرج المُستفيد الأكبر من العُقوبات وكُل أشكال الحِصار، من حيثُ تطوير أدوات الرّدع العسكريّة الذاتيّة، وقُدرات التّعايش وتحمّل الصّعاب وكُل أشكال المُعاناة من الحِصارات بمُختَلف أنواعها.
***
سورية دفعت ثمن الصّمود غاليًا من دماء أبنائها وقُوتهم، حِفاظًا على وحدتها الترابيّة وهُويّتها العربيّة والإسلاميّة، وستعود قويّةً شامخةً لكُلّ أبنائها دون أيّ تمييز وفي إطار التّعايش والعدالة والتّسامح، مثلما كانت دائمًا على مرّ العُصور، وما تراجع بايدن عن سياسات سلفه التي كلّفت الخزانة الأمريكيّة وحدها أكثر من 90 مِليار دولار إلا البِدايات فقط لقُرب نِهاية السّنوات العِجاف.
الأشقّاء الأكراد في شِمال سرق سورية الذين انخدعوا للمرّة الألف بالوعود الأمريكيّة الإسرائيليّة الكاذبة، ارتموا في أحضان مُخطّطات التّقسيم وطعنوا بلدهم الأُم وحُكومتها وشعبها في الظّهر، سيكونون الخاسر الأكبر كالعادة، لأنّهم آخِر من يستوعب دُروس التّاريخ للأسف، ورُغم ذلك نَجزِم بأنّ حُضن سورية الأُم سيكون مفتوحًا لَهُم، رُغم بعض الأصوات التي تُعارِض ذلك، وتملك الكثير من الأسباب التي تُبَرِّر مرارتها وألمها، ومُعاناتها من هذه الطّعنة المسمومة.
الأيّام المُقبلة ستكون حافلةً بالمُفاجآت، والمُؤشِّر البياني لأمريكا وحُلفائها وعُملائها في هُبوطٍ، وكلمة السّر هي الصّمود والتَّمسُّك بنظريّة “الصّبر الاستراتيجي”.. والأيّام بيننا.