بقلم : منى بوسمرة
تهيئ الدوحة بشكل واضح لانفصالها عن مجلس التعاون الخليجي، بل إن الحملات الإعلامية التي تشنّها حالياً لا تقف عند حدود الإمارات والسعودية والبحرين، بل تمتد فعلياً إلى كل دول الخليج العربي، عبر هجوم إعلامها على إنجازات المجلس، بما يمهد لانسحابها عما قريب.
تحليل الحملات الإعلامية لا يترك مطعناً في حق مجلس التعاون الخليجي إلا وتورده، وإذا أردنا أن نقرأ هذا التصرف بأكثر من تفسير، فلن نجد أمامنا إلا أنها إما تحاول تهديد دول الخليج العربي بانسحابها المحتمل من أجل الضغط على الدول المقاطعة، وإما أنها تعتزم اتخاذ خطوة كهذه من جانب واحد.
إذا كان التفسير الأول صحيحاً، أي رغبتها في الضغط على الدول الداعمة لمكافحة الإرهاب، فإن هذا الضغط لا قيمة له، ولن تحاول الدول المقاطعة منعها من ذلك أو إقناعها بالتراجع عن نية الخروج، ولربما دول مجلس التعاون الخليجي بخير أكثر إذا انسحبت، وهذا الأمر يتطابق مع عقيدتها السياسية الجديدة، باعتبارها باتت دويلة تركية أو إيرانية، وليست خليجية عربية.
التفسير الثاني، وهو الأغلب، يكشف نية الدوحة الانقلاب على الجميع، وإصرارها على أن تمضي إلى نهاية الطريق في استعداء شعوب المنطقة ودولها، وهي واهمة إذا ظنت أن انسحابها سيؤدي إلى هز بنية مجلس التعاون الخليجي أو شق صفه أو إضعافه، وغير ذلك من نيات قطرية مبيتة ضد التعاون الخليجي.
الإمارات، في هذا التوقيت بالذات، وعبر تغريدة لوزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش، أكدت التزامها بمجلس التعاون، وتثمين الدولة إنجازاته على مستوى العلاقات والتكامل، وهذا يؤشر إلى أن الإمارات تدرك قيمة العمل الجماعي، ولن تكون يوماً سبباً في التأثير السلبي في وحدة الخليج العربي، على عكس الدوحة التي تغرق يوماً بعد يوم في هذه السياسات المكابرة، التي تعبّر عن مراهقة سياسية.
ما الذي تريده الدوحة من هذه السياسات؟ إذ لم تكتف ببث الفوضى في أغلب الدول العربية، ولم تقف عند حدود إطلاق حملاتها الإعلامية لهدم دول عربية وإثارة مكوناتها ضد بعضها، ولم تشبع من هذا الموت الذي تسببت فيه بكل مكان، وإنفاق ملياراتها على قتل الأبرياء، وها هي إضافة إلى تعنتها تصل إلى السقف الأعلى من العنجهية، حين تظن أنها دولة عظمى فوق دول المنطقة، وتطلق حملة في إعلامها الداخلي تسيء عبرها إلى هويتها الخليجية، وإلى شراكتها المفترضة ضمن دول التعاون الخليجي.
علينا أن نتوقع بعد قليل ما هو أسوأ من جانب الدوحة، ولا بد أن نقول للشعب القطري إن عليهم أن يتنبهوا إلى مغزى هذه الحملات التي تريد فصلهم عن وحدتهم الطبيعية ضمن دول المجلس، فهذا التصرف سيترك أثراً سلبياً على القطريين من حيث هويتهم وحياتهم ومصالحهم، حتى مع الدول التي لم تقاطع قطر، لأن الانسحاب من مجلس التعاون الخليجي سيلغي فعلياً كل الاتفاقات التي يستفيد منها القطريون على كل المستويات، باعتبارهم جزءاً من وحدة المجلس، وهذا يفرض من جهة ثانية على العقلاء في الدوحة وقف هذا الانحدار الذي يتسبب فيه الجناح الحاكم في الدوحة.
إذا أرادت قطر أن تنسحب فهي الخاسرة الوحيدة، وهذا ليس غريباً، فقد اعتادت أن تخسر، ولن تجد في دربها الجديد أي عوض عما ستخسره من جراء انفصالها، ولربما نقول، مع الأسف، إنها ليست موجودة في الأساس حتى نأسف على أي انفصال محتمل، فهو الانفصال المتحقق فعلياً بكل سياساتها التي لا يحتملها أحد.
المصدر : صحيفة البيان