بقلم : منى بوسمرة
هذه أول أزمة سياسية عربية تؤدي إلى خروج أعضاء من العائلة الحاكمة، معلنين أمام الرأي العام في دولتهم وأمام العالم، أنهم يرفضون طريقة إدارة الحكم وسياساته، ويحضون على تصحيح الأوضاع، وبمعنى أدق، وضع حد للتدهور الواضح في تسيير شؤون الدولة.
هذا هو المشهد الذي تواجهه المجموعة الحاكمة في قطر، بأول حالة في النظام السياسي العربي، وغالباً كانت في بعض الدول تخرج أصوات ناقدة من الشعب والنخب، لكن خروج أفراد من العائلة الحاكمة تندد فعلياً بغياب الرأي الرشيد، وضرورة تحرك بقية أفراد العائلة وأعيان الدولة من أجل الإنقاذ قبل الانهيار الكامل، وهو واقع يدل على حالة الغضب التي بلغت مداها.
كان البيان الأول للشيخ عبدالله بن علي آل ثاني الذي حض على عقد اجتماع لكبار رجالات عائلة آل ثاني، وكل الشخصيات الوطنية القطرية من أجل منع وصول الدولة إلى الفوضى، ثم بعد ذلك جاء بيان الشيخ سلطان بن سحيم وعدد من كبار رجالات قطر تساند الشيخ عبدالله آل ثاني، وتحمل ذات الدعوة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكف يد تنظيم الحمدين عن الممارسات التي تورط فيها من دعم للتطرف وصولاً إلى تحويل الدوحة منصة تجمع للإرهابيين.
هذه المؤشرات التي تأتي من شخصيات مؤثرة وكبيرة، تشير إلى أن الحكم في الدوحة يواجه معارضة داخلية من ذات العائلة التي من المفترض أن تدعمه، مثلما يتطابق الأمر مع غضب القطريين الكامن مثل النار تحت الرماد ضد السياسات التي أدت إلى هذا الخراب، وهذا أمر طبيعي جداً لأن الشعب القطري الشقيق ليس مضطراً لأن يحتمل إنفاق ثرواته من أجل إشاعة الفوضى في العالم العربي، ولا تحويل بلاده إلى قاعدة للقتل والإرهاب.
من يحكمون قطر باتوا يواجهون حائطاً مسدوداً ولن يتمكنوا من مواصلة التحدي حتى النهاية، إذ إن قرار المقاطعة الذي اتخذته الدول الأربع، والموقف العربي والعالمي والتعليقات السلبية ضد سياسات الدوحة لم يكن مجرد تعبير سياسي عن أزمة عابرة، بل كان طلباً مباشراً من الدوحة بأن تغير نهجها، وبما أنها لم تستمع.
فعليها إذاً أن تتوقع المزيد من المتغيرات ولن يكون بإمكانها الوقوف في وجهها، خصوصاً مع استمرار حكام الدوحة في تبديد مستقبل الشعب وثرواته واستقراره، وبيع سيادته للطامعين وعلى رأسهم إيران ومشروعها لاحتلال المنطقة.
لقد قيل منذ أكثر من ثلاثة شهور، إن الحل في الرياض وعند خادم الحرمين الشريفين، وقيل إن الحل سهل جداً، فالسعودية والإمارات تريدان من قطر أن تكون منصة سلام وخير، وأن تتخلى عن كل برامجها الإرهابية التي تتسرب عبر الإعلام وبوساطة الدعم المالي والعسكري للجماعات المتطرفة، وأن تتوقف عن تحالفاتها مع خصوم الخليج العربي.
صار واضحاً أن تنظيم الحمدين مستعد للتضحية بآخر قطري، من أجل شعوره المزيف بكونه دولة عظمى تحرك الشعوب العربية وتؤثر في مجريات الأمور في العالم، وهذه المشاعر لن تصمد أمام الواقع وتغيراته التي تؤكد أن الدوحة تنزلق نحو السيناريو الأخطر.
خروج شخصيات من العائلة الحاكمة معلنة الاعتراض على ممارسات نظام الدوحة ستكون له تداعياته المتصاعدة يوماً بعد يوم، وكان يمكن للشيخ تميم ومن يقف خلفه ألا يصلوا إلى هذا المستوى لو اتقوا الله حقاً، وراعوا حرمة شعبهم، وحرمة الجيرة والتاريخ ودماء العرب والمسلمين، ولكل هذا كلفة كبيرة بدأت الدوحة بدفعها فعلياً على مستويات عدة.