بقلم - منى بوسمرة
الدوحة ومن يحكمها مصرّون على الاستمرار في إدارة أزمتهم بخفة سياسية لا مثيل لها، بدلاً من معالجة جذور الأزمة وتغليب الحكمة وصوت العقل على هذا الهذيان الذي لن يصل بهم إلا إلى المزيد من الانغماس في الفشل والتأزيم.
لقد أثبت العام الأول من المقاطعة أن قطر بدلاً من أن تعترف بخطاياها، وتبادر إلى معالجة أسباب الحالة المزرية التي وصلت إليها، من خلال توقفها عن دعم الإرهاب وتخريب استقرار الدول، لجأت إلى حملات العلاقات العامة، سواء عبر التحريض السياسي والإعلامي في عواصم العالم، ضد الدول التي تصدّت لمخططاتها الهدامة، مروراً بالحملات المكلفة لتحسين سمعتها الرديئة، وصولاً إلى توظيف المؤسسات والمنظمات الدولية من أجل تحقيق مخططها العدواني تجاه المنطقة.
النتيجة الحتمية لكل هذه التصرفات من قِبل قطر كانت صفراً بما تعنيه هذه الكلمة، فلا أحد يصدّق ادعاءاتها، والكل يرصد ولديه الأدلة على ما ارتكبه نظامها، من استضافة للإرهابيين وتسخير ثروة القطريين، من أجل تدمير دول عربية آمنة ومستقرة.
آخر الأفعال في هذا الصدد لجوء الدوحة إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث تقدّمت، وفقاً للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، بطلب لاتخاذ إجراءات وقتية بوقف ما يدّعيه نظامها، من إجراءات تمييزية ضد المواطنين القطريين في دولة الإمارات، متمثلةً في عدم تمكينهم من العلاج والتعليم والتجارة، إضافة إلى قطع الصلات الأسرية، وطلبت من المحكمة وقف تلك الإجراءات التي تدّعيها قطر زوراً وبهتاناً.
المحكمة، التي ستنظر في هذا الطلب القطري، تخضع لمعايير كثيرة على المستوى القانوني، ولا تخضع للأهواء التي توجّه نظام الحمدين أو حملاته المشبوهة، وهي أهواء تسربت إلى الأمم المتحدة ومنظمات دولية مختصة بملفات محددة وموثقة، فلم تحصل قطر على أي نتيجة تتمناها، بل على العكس أثبتت للعالم وللمنطقة أنها مصابة فعلاً بعقدة النقص، ظناً منها أن بإمكانها تجاوز أزماتها بما تدعيه، عبر حملات التشويش وتقديم الشكاوى إلى المنظمات الدولية.
بهذا المنطق ذاته، ينسى حكام قطر أنه يحق للملايين من العرب الذين شُرّدوا وذوي الشهداء والجرحى التقدم بشكاوى ضد هذا النظام في كل محفل عالمي، باعتبار أن الدوحة موّلت تنظيمات إرهابية، ورعت بأموالها وإعلامها عمليات تثوير الجماهير بعضهم ضد بعض وضد دولهم، وهذه هي الجريمة الكبرى التي تستحق العقاب فعلاً، وهؤلاء جميعاً اكتووا بنار رعاية تنظيم الحمدين للإرهاب، خلال فترة ما يسمى الربيع العربي، وما سبقه من تهيئة لمخططات الفوضى، ليطرح السؤال الأهم عن حقوق الإنسان التي تتباكى عليها قطر، وما حصتها من الدوس على هذه الحقوق.
إن لجوء قطر إلى محكمة العدل الدولية لجوء بائس، وهذا يفسّر إصدار بعثة دولة الإمارات في لاهاي بياناً بخصوص هذه الخطوة، اعتبرت فيه أن ما تقوم به قطر من إساءة استخدام المنظمات والجهات الدولية محاولة لصرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية التي اتخذتها الدول الأربع لمقاطعة قطر، بناءً على ممارساتها غير المشروعة بدعم الإرهاب، وإيواء المتطرفين والمطلوبين دولياً، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، ودعم خطاب الكراهية والتحريض، من خلال شبكاتها الإعلامية، وعدم التزامها بالمواثيق والاتفاقيات والتعهدات التي قطعتها الدوحة على نفسها.
أزمة قطر ستبقى أزمتها وحدها، وإن واصلت هربها في أكثر من اتجاه فلا فرق، ولعل الحكمة، إذا بقي منها شيء، تفرض على الدوحة أن تصحو من غفلتها وتراجع حساباتها كلياً.
المصدر" موقع "البيان"
المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع