بقلم : منى بوسمرة
لم تشعر دول الخليج العربي ومصر بأي مفاجأة حين قررت الدوحة إعادة إرسال سفيرها إلى طهران، فهذا يثبت ما كنا نقوله دائماً، وهو الذي كانت الدوحة تنفيه طوال الوقت أيضاً.
منذ البداية، وحين أنكرت الدوحة تصريحات أميرها أمام عسكريين قطريين، الداعية إلى تحسين العلاقات مع طهران، وأصرت على اتهام الآخرين بتزوير هذه التصريحات ونشرها كما تدعي عبر اختراق إلكتروني، كانت جميع الشواهد تؤكد أن تصريحات أمير قطر غير مزورة، ولم تنسب إليه زوراً وبهتاناً منذ البدايات.
أمير قطر إما أنه كان يعمل سراً لمصلحة الإيرانيين طوال السنوات الماضية، عبر دعم الفوضى في الدول العربية لمساعدة الإيرانيين على التمدد، وبهذا يكون الإرهاب وجماعات التطرف والإخوان مجرد جماعات مرتزقة ساعدت على تنفيذ السيناريو لمصلحة طهران، وسوف ترميها الدوحة قريباً في مواقد سياساتها باعتبارها مجرد حطب، وإما أن الأمير قرر بعد فشل كل مؤامراته باسم الربيع العربي، وبشراكة مع تركيا، أن يقفز من المركب الغارق ويتجه نحو طهران، باعتبار أن أوضاع معسكرها قد تكون آمنة قليلاً، مقارنة بالتيار المتأسلم ودوله وجماعاته، ولعلنا نسأل هنا: هل هذه أنظمة حاكمة أم أنها تدير دولها بخفة سياسية لا نظير لها؟
شخصياً لا أستغرب الخطوة القطرية، فقد أكدت ما كنا نشير إليه، وكشفت ما تبقى من القناع أمام أربع جهات تترقب المشهد، الأول يتلخص في دول التعاون الخليجي التي طالما اشتكت من تصرفات الدوحة، وتحالفها سراً مع الإرهاب وإيران، ولم نكن نظلم الدوحة أبداً ولا نتصيد أي خطأ لها.
الجهة الثانية تتعلق بالإسلام السياسي وجماعاته المتطرفة بما فيها الإخوان والقاعدة وداعش، ولنستمع إلى ما سيقولونه بعد أن تم حرقهم في لعبة التحول هذه، وسيتم نبذهم لمصلحة طهران ومشروعها في المنطقة، بعد أن كانوا مجرد أدوات قذرة في مشروع تشظية المنطقة وتخريبها.
أما الجهة الثالثة، فهي الشعوب العربية التي يوجد فيها أعداد مخدوعة بالدوحة، وتظن أنها تناصر الإسلام وتواجه إيران، ولنرى أيضاً ما الذي سيقولونه أمام القفزة البهلوانية، التي قام بها النظام القطري الذي أعاد سفيره إلى الدولة التي تريد احتلال كل المنطقة العربية، والتنكيل بشعوبها وفرض الوصاية عليهم.
ويأتي الشعب القطري رابعاً وهو يراقب أفعال نظامه، الذي يتأرجح تارة بدعم داعش، وتارة يمول الحشد الشعبي في العراق، تارة يتحالف مع تركيا والإخوان، وتارة يفر إلى إيران وحزب الله، مبدداً مليارات الشعب القطري في كل هذه الحروب والمهازل.
ربما يخرج علينا من يقول إن الدوحة اضطرت إلى ذلك من باب رد الفعل وحماية نفسها وبسبب قرار المقاطعة، وهذا كلام ساذج جداً، لأن كلفة التحالف مع إيران علناً أضعاف كلفة مصالحة الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، وفي السياسة فإن البراغماتية تفرض على أي طرف أن يحسب حسابات الربح والخسارة، وهذا يثبت أن تحالف الدوحة مع إيران لم يكن رد فعل، بل كان نتاجاً لتحالف سري ممتد عبر سنين طويلة، ولم يؤسَس بمجرد إعادة السفير أو إرسال مندوب إلى إيران للاحتفال بتنصيب الرئيس الجديد، أو عقد اجتماع ثلاثي إيراني تركي قطري في طهران لتعزيز العلاقات.
هي علاقات لا يمكن من جهة أخرى أن تتساوى فيها تركيا مع إيران، وعين أنقرة بالتأكيد ترقب هذا الانجراف وتتحسب لنتائجه، مثلما عين دول عربية كثيرة والولايات المتحدة ترقب هذا التغير في السياسة القطرية بعين تقرأ المشهد بطريقة خطرة.
هذه الخطوة بمنزلة إتمام لطلاق سياسي بين قطر وجوارها الشقيق، وكل يوم يمر يكشف أن الدوحة تندفع أكثر نحو الهاوية، وهي بالتأكيد التي اختارت مصيرها.