من الذى لا يحب «مصر»

من الذى لا يحب «مصر»؟!

من الذى لا يحب «مصر»؟!

 تونس اليوم -

من الذى لا يحب «مصر»

مصطفي الفقي

دولة فريدة لا هى كبيرة جدًا ولا صغيرة أبدًا، ورد ذكرها فى العهدين «القديم» و«الجديد» وذكرها «القرآن» عدة مرات صراحة وأكثر من ذلك بالإشارة إليها دون ذكر اسمها الذى اشتقت منه كلمة «الأمصار» أى الدول وأيضًا كلمة «المصارى» أى النقود، إنها «مصر» واسطة العقد وعمود الخيمة ورفيقة التاريخ وشاهدة العصور، ليست هذه «شيفونية» عمياء لأن هوى الأوطان يشد الإنسان نحو المكان فلا يكاد يرى غيره ولكن ما نقوله اليوم لم نقله وحدنا بل تقوله الدنيا كلها، المحب والكاره، الغيور والعاشق، العدو والصديق، بل إن «مصر» من فرط ما لديها من مقومات تاريخية وجغرافية وإنسانية تثير الأحقاد لدى البعض وتحرك الغيرة لدى البعض الآخر وقد يستوى فى ذلك الأمر بين الأصدقاء والأشقاء أيضًا، إننى أكتب هذه السطور فى لحظات حاسمة من تاريخ «الكنانة» وهى فى مفترق الطرق تنظر أمامها أكثر مما تنظر وراءها وتقلق من المشهد الراهن إلا أن ثقتها فى ذاتها أقوى دائمًا من كل الخطوب والمحن، ولعلى ــــ أطرح الآن نمطًا من التفكير بصوت مرتفع ــ أوجزه فيما يلى:

أولًا: إن التكوين الإنسانى للشعب المصرى مازال يفتقد حتى الآن التربية السياسية اللازمة لصنع الكوادر القادرة على العمل العام والوعى بالظروف المحيطة والتى تسمح بالانطلاق نحو المستقبل الأفضل، والذين يتوهمون أن «مصر» تعيش على تاريخها فقط ويكفيها التغنى بأمجادها هم واهمون، فالفتى ليس من يقول كان أبى ولكن من يقول ها أنا ذا، والملاحظ فى المشهد المصرى المعاصر أن جزءًا كبيرًا من مشكلاتنا قد نجم عن غياب التربية السياسية والوعى الاجتماعى والإبداع الثقافى فى بلد يملك من القوة الناعمة ما لا يملكه سواه، ومع ذلك فإن ذلك البلد العظيم يبدو أحيانًا فريسة للإهمال وعبدًا للروتين وضحية للامبالاة وتلك كلها أمراض لابد أن نقاومها بكل ما أوتينا من رصيد طويل من التجربة والمعاناة والخبرة المتراكمة.

ثانيًا: إن الاقتصاد المصرى يتميز بتركيبة خاصة تجعل نسبة الاقتصاد الموازى - المعروف باقتصاد «بئر السلم» - يمثل نسبة كبيرة من مجموع النشاط الاقتصادى فى البلاد وهو بالضرورة اقتصاد غير مسجل ضرائبيًا أو جمركيًا وربما تدخل فيه عناصر غير أخلاقية مثل تجارة المخدرات والسلاح وعمليات التهريب، لذلك فإن الخزانة المصرية تفقد سنويًا مليارات من ذلك النشاط الاقتصادى الغامض والذى لا توجد له سجلات واضحة أو إحصائيات معروفة، بل إننى أضيف إلى ذلك أن الدخل القومى المصرى أكبر بكثير من الأرقام المعروفة كما أن الدخل الفردى هو أيضًا ليس بالتدنى الذى تطرحه الأرقام المعروفة لدينا جميعًا، فلكل مواطن مصرى حتى ولو كان بسيطًا مصادر غير منظورة لدخل هامشى لا يعرفه سواه، فالفلاحة التى تربى «الدواجن» والفلاح الذى يرعى «الماشية» لا يندرجان فى إطار النشاط الاقتصادى المتاح، ويؤكد الاقتصاديون الدوليون أن نسبة الاقتصاد غير المنظور إلى مجمل الاقتصاد المصرى هى من أعلى النسب بين دول العالم المختلفة وذلك مؤشر فساد لا يمكن تجاهله.

ثالثًا: إن السياسة الخارجية المصرية هى امتداد للواقع الداخلى تتأثر به وتؤثر فيه ولم نشهد عبر تاريخنا الحديث مرحلة تستجيب فيها سياستنا الخارجية لواقعنا الداخلى مثلما هو الأمر الآن، ونحن نعترف أن السياسة الخارجية المصرية الحالية قد أحدثت اختراقات واضحة فى اتجاهات مختلفة ولكنها لم تتمكن حتى الآن من احتواء دائرة الشر التى تحيط بنا، وفى ظنى أن القوى الإقليمية الأكثر تأثيرًا فى «الشرق الأوسط» وهى «إيران» و«تركيا» و«إسرائيل» يجب أن تواجه بمحور «مصرى خليجى» يمكن أن يكون مدعومًا فى مرحلة معينة من قوى عربية أخرى نتمكن من خلاله من المضى إلى الأمام لاحتواء «الأجندات» الإقليمية والصراعات حول المنطقة والتى تستهدف «مصر» فى النهاية باعتبارها «الجائزة الكبرى»، ولا يخفى على أحد أن «مصر» كانت دائمًا هى القائدة فى الحرب والرائدة فى السلام وأنها تملك من خلال قوتها الناعمة بـ«أزهرها الشريف» و«كنيستها الوطنية» القدرة على تصدير أغلى سلعة وهى السلعة الثقافية التى دخلت بها إلى قلوب الملايين قبل عقولهم فى العالمين العربى والإسلامى وفى الدائرة الأفريقية التى نعتز بالانتماء إليها.

رابعًا: إذا كنا نناقش قضية حب الوطن ونتساءل عمن لا يحب «مصر» فإننا نعترف هنا بأننا شعب يسرف فى التغنى بحب «مصر» وينظم الأشعار والأذكار والأزجال فى عشق الوطن والغرام به ولكن ذلك يقف عند حدود المشاعر العامة ولا يتحول إلى دافع حقيقى للتشييد والتعمير والبناء، وهنا تكون الكارثة الحقيقية للمسافة الكبيرة بين ما نقول وما نفعل خصوصًا وأننا ننتمى إلى أمة توهمنا ذات يوم أنها «خير أمة أخرجت للناس» فإذا هى الآن ظاهرة صوتية لـ«عرب» يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون، وإذا كنا نبحث فى عناصر القوة نتيجة الالتقاء بين محورى «التاريخ» و«الجغرافيا» أى «الزمان» و«المكان» فإن علينا أن نبحث فى أسباب الضعف الناجم عن التدهور الملموس فى الدافع الوطنى والذى لا يظهر إلا عند الشدائد وفى اللحظات الحاسمة مثلما حدث مؤخرًا فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013.

خامسًا: إن نظرتنا إلى المستقبل لابد من تغليفها دائمًا بالتفاؤل والأمل وقديمًا قالوا: (تفاءلوا بالخير تجدوه) ذلك أنه من الصعب أن نسمح باليأس أن يحيط بنا أو بالإحباط أن يستبد بشبابنا خصوصًا أن هناك قوى لا تخفى على أحد وتسعى حثيثًا لنشر روح سلبية لإجهاض جذوة الوطنية وإضعاف الشعور بالانتماء والقضاء على الأمل فى المستقبل.

هذه ملاحظات نسوقها حتى يدرك الجميع من الذى لا يحب مصر!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الذى لا يحب «مصر» من الذى لا يحب «مصر»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia