فقه الأولويات للوطن العربي

فقه الأولويات للوطن العربي

فقه الأولويات للوطن العربي

 تونس اليوم -

فقه الأولويات للوطن العربي

مصطفى الفقي

يواجه الوطن العربي تحديات غير مسبوقة ويتعــرض لهجمة شرسة تحاول إعادته إلى قرون العصور الوسطى بما فيها من خروق لحقوق الإنسان وعدوان على القيم، لذلك يتعين علينا أن نبحث في الجوانب المختلفة مـــن أولويات الجهد السياسي والعمل الوطني المطروحين على الساحة، ونختار منها أربعة عناصر هي:

أولاً: إن الفارق بين دولة وأخرى وبين زعيم وآخر هو القدرة على ترتيب الأولويات في سلم الاهتمام الوطني مثلما هو الأمر بالنسبة إلى الأفراد، فالفارق بين فرد وآخر هو طريقة التفكير ومنهج البحث وجدولة الذهن، أقول ذلك بمناسبة تطلع عدد من الدول العربية للخروج من أزمتها والتهيؤ للانطلاق نحو المستقبل، مؤكداً أن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحجم الكبير من الأفكار والمبادرات والمقترحات ولكنه يتجاوز ذلك إلى ما يمكن تسميته «فقه الأولويات»، فهناك المهم والأهم ولا يجب أن نأخذ الأمور بمنطق التعميم أو الدراسة الكمية فالتحرك على جبهة عريضة نحو التنمية قد لا يكون هو الأجدى ولكن الأوفق هو التركيز على القضايا الملحة والمسائل التي تملك فيها الدولة ميزة نسبية تسمح لها بالتقدم والانتشار، وقد يقول قائل إن الذي يريد أن يخرج ببلاده من النفق المظلم قد لا يتمكن من التركيز على جوانب معينة في حياة الأمة من دون جوانب أخرى، فلو اتخذنا الدولة المصرية كمثال فإنني أظن أن «التعليم» هو قضيتها الأولى التي تعتبر هي «المتغير المستقل» وما عداها «متغيرات تابعة فلو أمسكنا بتلابيب العملية التعليمية وركزنا على الجانب النوعي فيها في محاولة جديدة لإنقاذ أبرز أعمدة القوة الناعمة لمصر فإننا نكون قد فهمنا جيداً معنى الأولويات التي تجعل من بعض الأمور المهمة رأس حربة نقتحم بها المستقبل ونقوم بعملية اختراق نحوه.

ثانيًا: تتصدر قضية الأمن القومي أولويات العمل الوطني في المنطقة في ظل الظروف التي طرأت أخيراً وتغــــيرت بها ملامح المشهد الراهن بل والمستقبل المقبل، إذ إن تزايد خطر الإرهاب باسم الدين قد أصبح يشكل تحديًا ضخمًا أمام صانع القرار في عواصم المنطقة، إن ظهـــور تنظيم «داعش» يؤكد أن هناك ما جرى إعداده لتطويق العرب والزحف على المدن والعواصم لترويع الآمنين وتخويف الأقليات الدينية واللجوء إلى ممارسات غير آدميـــة كالإعدام الجماعي والقتل العشوائي وذبح الضحايا ذبح الخراف، إننا أمام ممارسات تفوق الخيال. والمؤسف والمحزن أنه يجري ارتكابها بينما أصحابها يرفعون راية الإسلام الحنيف، ويستعيدون بعض شعائره وطقوسه في غير موضعها ويحاولون تأويل النص المقدس للقرآن الكريم في غير ما أنزل من أجله، ولنا أن نتصور كيف يتم تشويه الإسلام برحابته وسماحته ليصبح دين القتل والذبح والرجم أمام من لا يعرفون جوهره ولا يدركون حقيقته. إن ظهور «داعش» سيغير التركيبة الإقليمية الراهنة ويؤدي إلى نوعٍ من «تحالفات الضرورة» التي تجعل الأولويات مختلفة إذ إن هناك خطرًا قائمًا بينما هناك أخطر قـــادم، ولـــعل الموقف من نظام «الأسد» في «سوريا» هو دليل علـــى ذلك فقد بدأت «واشنطن» وغيرها في التعاون معهم من أجل مواجهة الكارثة الإنسانية التي يصنعها تنظيم «داعش»،.

ثالثًا: أصاب خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك «عبد الله بن عبد العزيز» عندما حذر بأقوى لهجة وأوضح عبارة من خطر «الإرهاب الدولي» على الإنسانية كلها باعتباره الكارثة الأولى التي تهدّد حضارة العصر والتي لن ينجو منها أحد، لأنها تستهدف الجميع مسلمين وعرباً وأوروبيين وغيرهم من دول العالم في كل اتجاه. فالارتباط الجغرافي وثيق بين «الشرق الأوسط» و«أوروبا» وقد لعبت «تركيا» دور دولة المعبر في هذا الوضع الأليم، كما أن ثورة الاتصالات والمواصلات والمعلومات قد جعلت من العالم قريةً كونيةً ولعلنا نتذكر أن حادث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 مازال قابعاً في الذاكرة البشرية ليؤكد أنه لا يوجد مكان بمنأى عن يد الإرهاب الغاشمة، كما أن الموجة الجديدة من الإرهاب الدموي والتي يمثلها حاليًا تنظيم «داعش» وتوابعه هي تعبير عن «وحدة الخطر» الذي لا يفرق بين دولة وأخرى أو بين إنسانٍ وآخر، ومن المؤلم للمسلمين تحديدًا أن يتم ذلك بإدعاءات باطلة تستخدم دينهم وتزيف وجهه المشرق والروح الإنسانية التي جاء بها ودعا إليها القرآن الكريم ونبي الإسلام الذي كانت دعوته رحمة للعالمين.

رابعًا: لا بد لنا من أن نتساءل من أين أتت «داعش» بالإمكانات المادية التي وفرت لها ترسانة الأسلحة الحديثة وأعطتها حرية الحركة والقدرة على التدمير والتخريب، حيث تشير أصابع الاتهام إلى أن التمويل جاء من أموالٍ عربية بينما ساعدت دولة أخرى إسلامية هي «تركيا» على أن تكون هي المعبر وجسر الانتقال بمباركة صامتة لذلك التنظيم الإرهابي المشبوه فضلاً عن الخدمات «اللوجيستية» التي حصلت عليها «داعش» لكي تكون فزاعة إرهاب وتخويف لبقية دول الخليج إضافة إلى التلويح باختراق «الأردن» من الحدود السورية والعراقية وصولاً إلى «سيناء» والتسرب إلى «مصر» بعد أن سيطرت قوات «داعش» على مساحاتٍ من دولتي «سوريا» و«العراق». ولكن دعنا نعترف بأن المال هو عصب الحياة وأنه لا يمكن لمجموعات إرهابية أن تحقق ذلك القدر من التسليح والتدريب وأن تستقطب عناصر من دول العالمين العربي والإسلامي فضلاً عن آلافٍ من القادمين من «أوروبا» ومن الغرب عمومًا، ولولاه ما كان يمكن أن نجد مثل هذه العناصر لشبابٍ من مختلف الجنسيات تركوا الحياة الطبيعية لينخرطوا في سلك «الجريمة المنظمة» ويصبحوا جزءاً من عدوان ممنهج على الإنسانية يستهدف بالدرجة الأولى شعوب المشرق العربي والخليح و «مصر» كما يستثمر ظروف الأوضاع في كل من «سورية» و«العراق» من أجل تحقيق مزيدٍ من العدوان تحت مسمياتٍ وشعارات تبدو خارج سياق الدين وتعادي روح العصر وتقوم بعملية تشويه للإسلام الحنيف وترفع رايات سوداء كأنما تشير إلى المستقبل المظلم الذي تريده للمنطقة وشعوبها، ويكفي أن نتذكر أن من بين صفوف «داعش» مئات الأطفال الذين يحملون السلاح بلا وعي ومن دون مسؤولية!

إن أمتنا تمر بظرف قومي صعب، وتواجه تحديات بغير حدود مع أوضاعٍ «كارثية» في عدد من الأقطار العربية، ونحن ندق ناقوس الخطر تنبيهًا وتحذيرًا وندعو كل القوى القومية للاتجاه نحو المستقبل حفاظاً عليه وعلى أجياله المقبلة معه.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فقه الأولويات للوطن العربي فقه الأولويات للوطن العربي



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia