من المعلوم أن «الإرهاب» عبارة عن رسالة عنف عشوائية تتجه إلى هدف معين لا يعرفه إلا من يدفع بهذه الرسالة ولها نتائجها المدمرة، و«الإرهاب» له عدة أشكال منها الاغتيال السياسى، والتفجير عن بعد، واقتحام الأماكن وتدميرها، والعدوان على الآمنين وترويعهم.
أن تقتل من أجل قطعة لحم.. الخوف من الآخر (1)
و«الإرهاب» إحدى الآفات الكبرى التى ابتليت بها الإنسانية فى العصر الحديث، وكان هناك الكثير من الظواهر الإرهابية قديماً، فـ«الإرهاب» يمثل قدرة من ليس لديهم تكافؤ فى القوة مع الطرف الآخر فى أن يزعجوه مثل (الفيل والفأر)، فـ«الفأر» لا يقدر على «الفيل»، ولكن من الممكن أن يلدغه ويجرى.. وهذه هى المشكلة الحقيقية لـ«الإرهاب».
وتتبُّع «الإرهاب» يقتضى جهداً مشتركاً وأيضاً صبراً و«نفساً طويلاً»، ولا يتصور أحد أن «الإرهاب» سيغير شكل الحياة، لن يحدث هذا، إذ إن «الإرهاب» لم يُسقط نظاماً أبداً ولكن «حركة التحرر» تُسقط نظاماً، ثورة شعبية تُسقط نظاماً، إنما «الإرهاب الأسود» الذى نعرفه فى التاريخ وفى السياسة لا يمكن أن يُغير نظاماً قائماً على الإطلاق إنما يحتاج إلى صبر لأنه يزعج ويؤرق ويعطل حركة التطور ليوقف النمو، مما يؤدى إلى كثير من الأحداث السلبية التى يمكن أن يكون لها تأثير سلبى على التنمية وشكل الحياة، لأنه يُحدث نوعاً من الخوف، وليس مثل الخائف اضطراباً وتوتراً، وبيَّن ذلك رب العزة فى آيته الكريمة (الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). فالخوف شىء خطير جداً فعندما يشعر الإنسان بأنه غير آمن على حياته، وأنه مُروَّع فيما هو فيه فالحياة تبدو فى هذه الحالة شديدة الصعوبة شديدة القتامة، ولذلك فالأمن إحدى النعم التى أنعم الله بها على البشر وليس كمثلها أبداً.
كما أن الإرهابى يريد أن يزعج، أن يؤرق، أن يقتحم أمن الآخرين، فحين اصطدمت طائرة فى مبنى فى «وسط نيويورك»، فمَنْ كان وقتها يستطيع أن يدخل «وسط نيويورك»؟!
الحرب على الإرهاب
أرجو ألا أكون صادماً لأصحاب الإشارات المتفائلة فى إمكانية القضاء السريع على الإرهاب الدموى فى المنطقة العربية، إذ إن المسألة أكبر بكثير مما يبدو عليه المشهد حالياً، وأنا أظن أن أسوأ أيام المنطقة لم تبدأ بعد! لأن المتربصين بها كثر، ولأنها تخضع لمخطط له مركز فى المنطقة يقوم بتوظيف علاقاته بالأطراف الدولية الكبرى لخدمة الهدف النهائى، وهو تفتيت الدول العربية وتقطيع أوصالها، بدءاً بنظرية تقويض «الدولة الوطنية»، والذين يظنون أن «داعش» جماعة طارئة فى تاريخ المنطقة لا يدركون ذلك المخطط الخبيث الذى جرى إعداده للعالمين العربى والإسلامى، ويكفى أن نتذكر أن الذين يبتغون تمزيق العالم العربى إنما يفعلون ذلك وهم يرفعون رايات الإسلام ويتصورون أنهم يستعيدون أمجاد دولته الكبرى! بينما هم فى الواقع يوجهون طعناتٍ دامية لصورة الإسلام وتاريخه وحضارته، ويقدمون المنطقة كلها على طبقٍ من فضة لأعدائها وهنا يجدر تسجيل الملاحظات التالية:
أولاً: مازلت أتذكر بالأسف الشديد رحيل زميلى الدبلوماسى د. إيهاب الشريف، الذى كان يعمل مساعداً مباشراً لى عندما كنت مديراً لمعهد الدراسات الدبلوماسية عام 1993، والذى لقى مصرعه ذبحاً على يد «الزرقاوى» وجماعته عندما كان رئيساً للبعثة المصرية فى «بغداد» منذ عدة سنوات، ولقد كان ذلك الدبلوماسى الشهيد واحداً من ألمع الدبلوماسيين وأكثرهم ذكاءً، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه من إحدى جامعات «باريس»، كما كانت له عدة مؤلفات حول الدول التى زارها أو عمل فيها، أتذكر ذلك الآن وأنا موقن أن تنظيم «داعش» هو امتداد لجماعة «القاعدة» فى «العراق» التى كان «الزرقاوى» أحد رموزها قبل مقتله عندما لعبت «إيران» دوراً فى تسليمه للأمريكيين فى «العراق» حينذاك، وذلك يؤكد وحدة المنظمات الإرهابية فى كل مكان، وتشابه أساليبها خلال مراحلها المختلفة، فالإرهاب فى النهاية رسالةٌ عشوائية إجرامية إلى غير عنوان.
ثانياً: مظلوم هو الإسلام الحنيف كما لم يُظلم دينٌ سماوىٌّ آخر، فقد جرى إلصاق «الغلو» و«التطرف» و«العنف» و«الإرهاب» به على غير حقيقته، ورغم أن الإسلام يحفل بالدعوة القوية إلى «التسامح» واحترام الآخر والحفاظ على النفس البشرية فإنهم يحاولون تشويهه لكى يصبح دين «ذبح الرقاب» و«قطع الرؤوس» والعدوان على الآمنين وترويع النساء والأطفال، والغرب يطرب لذلك، وينقل تلك الأحداث الدامية كما لو كانت هى الإسلام الحقيقى فى مواجهة رأى عام دولى لا يعرف الفروق الحقيقية بين صحيح الدين وبين ما يحاولون إلحاقه به، حتى إنهم استبدلوا مؤخراً باسم «داعش» اسم «الدولة الإسلامية» حتى يتم الزج بالدين الإسلامى لدى الذهن الغربى والرأى العام فى كل مكان، استمراراً لمحاولات التشويه المستميتة التى جرى تصديرها فى العقود الأخيرة رداً على أطروحات «الإسلام السياسى» منذ نهاية الربع الأول للقرن العشرين.
ثالثاً: يجب أن نعترف بأنه لم يحدث استغلال لقضية دولية كبرى ذات تأثير إقليمى كاسح مثلما جرى بالنسبة لاستخدام الصراع «العربى الإسرائيلى»، فى محاولة ظالمة للخلط بين المقاومة المشروعة والكفاح المسلّح فى جانب وبين العنف العشوائى والإرهاب الدموى فى جانب آخر، ولقد حاولت جماعاتٌ متطرفة لا تبدو بعيدة عن «الإرهاب» استغلال القضية الفلسطينية- باعتبارها القضية الأولى فى العالمين العربى والإسلامى- من أجل تشويه معالمها والنيل منها، حتى أصبحت بمثابة «قميص عثمان»، يرتديها من يشاء ليحقق أهدافاً هى أبعد ما تكون عن عدالة القضية ومكانتها وحجم التضحيات الحقيقية من أجلها والشهداء الذين سقطوا فى سبيلها، لذلك فإن صناعة «الإرهاب» لا تستهدف فقط تشويه «الإسلام» ولكنها تتجاوز ذلك أيضاً إلى تشويه القضية الفلسطينية والعبث بها. من هنا يبدو جلياً أن «الإرهاب» جناح مزدوج الشعور يسىء إلينا من كل اتجاه.
رابعاً: إن العمل الإرهابى لا تنتهى جرائمه بين يومٍ وليلة، بل هو خطر ممتد يحتاج إلى نَفَسٍ طويل فى مواجهته، لذلك فإنه عندما نقول إن الحرب على «الإرهاب» حربٌ طويلة فإننا لا نجافى الحقيقة، لأن الأمر يحتاج إلى تحول ثقافى ضخم وعملية نوعية كبيرة تؤدى إلى غسيلٍ للعقول وتنقية للأفكار، وهذه كلها تحتاج للاهتمام بالثقافة والتعليم والإعلام والمؤسسات الدينية مثل «الأزهر» و«الأوقاف» و«دار الإفتاء»، ونحن نعوِّل كثيراً على أهمية التعليم للخروج من المأزق الذى نتعرض له، وحتى نتمكن من مواجهة طاعون العصر، وأعنى به ذلك «الإرهاب الأسود».
خامساً: مازالت لدىَّ قناعة شديدة بأن «الإرهاب» صناعة غربية لا تقف «الولايات المتحدة الأمريكية» بعيدة عنها، كما ترصدها الدولة «العبرية» فى رضا وسعادة، وتحصد إيجابياً من كل محاولات إضعاف المنطقة وتقسيم دولها وتفكيك شعوبها، لأن هناك مصلحة مباشرة فى ظهور التنظيمات الإرهابية الجديدة فى المشرق العربى حتى تنشغل الجيوش وشعوبها من ورائها بالخطر الجديد الذى يستهدف استقرار المنطقة وترويع مجتمعاتها وتعطيل نهوضها وتقليص دورها الذى يجب أن يسعى نحو صناعة المستقبل، لذلك فإن الخطر الداهم من الإرهاب إنما يتجه نحو شعوبٍ لها قضاياها العادلة ومواقفها الثابتة وحقوقها المشروعة، وسوف تظل المواجهة بينها وبين جماعات «الإرهاب الدولى» محتدمة ربما لعقدٍ قادم من الزمان أو أكثر.
..هذه قراءةٌ سريعة تدور حول ملف «الإرهاب» وأساليبه ومخاطره، وهى كلها لا تخفى علينا، فنحن جزءٌ من أجندة طويلة المدى تحتاج منّا إلى الصبر الطويل والرؤية الثاقبة مع سرعة المبادرة والقدرة على المناورة، إذ لا يصح أن نكتفى بالإعلام الزاعق والتعبيرات الصارخة مهما بلغ بنا الضعف المرحلى أو التراجع القومى، لأن الهزيمة قرار عقلى، كما أن الانتصار قرار عقلى أيضاً!
الاستبداد والإرهاب!
هل كُتِبَ على الدول المتخلفة سياسياً أن تخضع لدورة شريرة تتأرجح فيها بين «الاستبداد» أو «الإرهاب»؟ لقد سقطت ديكتاتورية «صدام» فضرب «الإرهاب» العراق من كل اتجاه، وسقطت ديكتاتورية «القذافى» فضرب «الإرهاب» ليبيا أيضاً، وحاول السوريون الإطاحة بنظام حكم عائلة «الأسد» فاستبدلوا بهم إرهاباً من نوع خبيث، وعندما قامت «ثورات الربيع العربى» تصور الجميع أنهم يتخلصون من قبضة الفساد والاستبداد فى وقت واحد، ولكن معظم تلك الدول التى تخلصت من قبضة حكم «بوليسى» تعرضت هى الأخرى لموجات إرهابية تحاول تقويض استقرارها، وتسعى لأن تعصف بأمن شعوبها، وكأنما هو قدرنا؛ إما أن نقبل بالاستبداد أو ننتظر «الإرهاب»، وأنا مازلت أتذكر حواراً ثرياً بينى وبين النائب اليسارى الناصرى المخضرم كمال أحمد، عندما كنا زملاء فى «مجلس الشعب» الأسبق، وسافرنا معاً ضمن وفد برلمانى، أتذكر أن الرجل قال لى بحكمته وثقافته: «إننا نعيش فى إطار دائرة محكمة ننتقل فيها من الاستعمار إلى الاستبداد»، وها أنا ذا اليوم أراجع ما قاله ذلك السياسى الحصيف، ولكن أستبدل بالاستعمار «الإرهاب» بصوره وأشكاله المختلفة.
إن الحكام الذين أزيحوا من مقاعدهم يذكرنى معظمهم بـ«حراس الملاهى»، فإما أن يقبل العاملون والعاملات سطوتهم أو يكون البديل عدواناً من خارج المكان عندما يكتشف الآخرون أن البلطجى الكبير قد اختفى، فأصبح من حق آلاف البلطجية الصغار أن يتسللوا فى العمق، يخيفوا المجتمعات ويروعوا الناس، لذلك فإن القضية تدور حول هذه المعضلة الكبيرة أو المعادلة الصعبة التى لا يكون لها حل إلا بالتنمية والديمقراطية فى وقت واحد والفكاك من سطوة الفساد المستبد والقهر الدائم، معتمدين فى هذه الحالة على مناخ جديد لا يصنعه إلا التعليم والثقافة والإعلام والمؤسسات الدينية لأنه يأتى نتيجة وعى مختلف ورؤية جديدة وإيمان بفلسفة التطور وروح العصر، ولعلنا نطرح هنا محاور ثلاثة يدور حولها مفهومنا للخلاص من الدائرة المغلقة والحلقة الشريرة نطرحها فيما يلى:
أولاً: إن «الفقر» قنبلة موقوتة، كما أنه لا حرية مع العوز، ولا ديمقراطية مع الحاجة، لذلك فإن الأخذ بالشعوب على طريق التنمية ورفع مستويات المعيشة من لزوميات الخلاص مما نواجه سلبياً فى هذه المنطقة من العالم، إذ إن الحرية السياسية مرتبطة بالحرية الاقتصادية، فمن لا يملك قوت يومه لا يملك القرار فى غده، لذلك فإن الإصلاح الاقتصادى يمثل مدخلاً طبيعياً للتخلص من المعاناة التى نعيشها والأزمات التى تحيط بنا، كذلك فإن التفاوت الطبقى الكبير وغياب العدالة الاجتماعية عوامل تؤدى إلى تدمير تماسك المجتمعات وتعصف بوحدة الشعوب، وقد يقول قائل: «ولكن هناك ديكتاتوريات تحكم دولاً ثرية، ونظماً تسلطية تقود بلاداً فيها من مصادر الثروة الطبيعية والبشرية ما يمكن أن يجعل الحياة فيها رخاءً سخاءً آمنة». وهنا يكون الرد المباشر أن ذلك لا يتحقق فى النهاية إلا بمناخ سياسى سوى وإحساس مشترك بالمسؤولية بين من يملكون أكثر مما يحتاجون وبين من لا يملكون ما يحتاجون.
ثانياً: إن «الديكتاتورية» ليست بالضرورة عسكرية أو طبقية أو عشائرية، ولكنها يمكن أن تكون «ديكتاتورية دينية»، ولقد شهدنا نماذج لذلك فى عدد من الأقطار العربية بعد «ثورات الربيع العربى» وقبلها، فالدولة الدينية هى تعبير عن مصالح سياسية يجرى فيها استخدام الدين وتوظيف تأثيره لخداع العامة وبسطاء الناس، بحيث تتحول الدعوة الروحية السمحاء إلى مخدر مزمن يسلب الناس عقولهم، والعجيب أن ذلك يأتى حالياً فى ظل «الإسلام» الحنيف، وهو دين العقل قبل النقل.
ثالثاً: إن «الإرهاب» داء العصر، وهو مرض لعين عرفته البشرية فى مراحل مختلفة من تطورها، وهو يحاول اقتلاع الجذور وتقويض الأعمدة وضرب مسيرة الإنسان بأسلوب عشوائى همجى لا يعبر عن دين ولا ينتسب لأمة، لذلك فإن «الإرهاب» ليس جديداً على الإنسانية، ولكن ضعف المجتمعات ونقص المناعة السياسية والثقافية هما مكون رئيس يتسلل به «الإرهاب» إلى صفوف الآمنين، لذلك فإننا نظن أن التعليم فى المقام الأول ثم الثقافة المكملة له، ومعهما مناخ إعلامى وطنى وشريف ومتوازن، مدعومين برجال دين يفهمون صحيحه ودعاة يتقون الله فيما يقولون، خصوصاً فى بلاد ينهشها الفقر، وتعبث بها الأمية، وتنخر فى عظامها الخرافة ومعاداة العلم وإنكار الحقيقة.
إن الأمة العربية، بل الشعوب الإسلامية، تمر بمنعطف خطير يسعى فيها التطرف إلى استخدام العنف فى محاولة لإرهاب الشعوب وتخويف الناس، فإما أن يقتلوهم وإما أن يحكموهم! لذلك فإن البحث العلمى والتقدم التكنولوجى والقضاء على البطالة وفتح النوافذ لاستثمارات جديدة هى كلها عوامل تؤدى إلى ضخ الثقة عند الشباب، وتجديد الأمل لديهم فى مستقبل أفضل وحياة مستقرة بعد طول معاناة فى أهوال المعيشة اليومية ومشكلاتها الطاحنة. إننا نقول إن هناك طريقاً ثالثاً لا هو تحكم ديكتاتورى ولا «إرهاب». إن هذا الطريق الثالث هو الذى يجب أن نسلكه للوصول إلى غاياتنا مهما كانت المصاعب والمتاعب والتحديات.
..لا للإرهاب، ولا للاستبداد، فسوف نفتح الدائرة المغلقة ونكسر الحلقة الشريرة، لأن ذلك هو الأسلوب الوحيد الذى لا بديل عنه!
والسؤال الآن: ماذا نقول عن تنظيمات جديدة كـ«داعش» و«بيت المقدس»؟ هناك مسميات جديدة قد ظهرت، وهؤلاء مواليد جدد لـ«تنظيم القاعدة»، بل أكثر شراسة، فمازلت أتذكر «تنظيم الزرقاوى» فى تسعينيات القرن الماضى، وفى أوائل هذا القرن، وماذا كان يفعل فى «بغداد»، وماذا فعل فى «العراق»..؟ إلى آخره، وأنا أزعم أن دور «الولايات المتحدة الأمريكية» فى تصنيع الجماعات الإرهابية دور قائم، والبعض يؤمن بنظرية أنها فى كل وقت تريد خلق «عفريت» نخافه فتأتى لعرض المساعدة لتتواجد فى المنطقة، فكانت أول مرة فى غزو «العراق» لـ«الكويت» أتت لتصور نفسها الراعى لسيادة واستقلال الدول وتقود التحالف لتحرير «الكويت» وتخويف «العراق»، وبعد ذلك تحدث أزمة إسقاط نظام «صدام» بالكامل فى 2003 فتأتى إلى المنطقة لحمايتها وحماية «منابع البترول» و«دول الخليج»، وهذا هو الظاهر للناس فقط.
والآن بدأ التحالف لمواجهة «داعش»، ويسبق بالحديث أن تلك العملية ستأخذ سنوات طويلة أى (أبشر بطول سلامة يا مربع) – أنا مستمر معك ولن أتركك أبداً – وإنما فى ذهنهم أن يقوموا بضربات جوية على أن يكون الزحف الأرضى على «العرب» و«المسلمين» القيام به، وكانوا يشيرون إلى الجيش المصرى ولكن الرئيس «السيسى» يعلم أن هذا الأمر ليس أمراً سهلاً وله شروط دونها لا يمكن أن يقوم بأى عمل من هذا النوع على الإطلاق.
والسؤال الذى يفرض نفسه الآن هو: هل سينتهى ما يمكن أن نسميه إرهاب جماعة الإخوان المسلمين؟ هل ظاهرة «الإسلام السياسى» المتجذرة منذ بدايات القرن الماضى سوف تكتب لها النهاية سريعاً؟ لا أظن ذلك، ولا أظن أن إفناء فكر «الإخوان المسلمين» سيكون بهذه السهولة، ففكر تراكم وتربى على مدى ما يزيد على ثمانين عاماً- عرف السجون والمعتقلات والزنازين والاغتيالات والتنظيم السرى والعمل المسلح وحرق «القاهرة» وغيرها- لا يمكن أن تنهيه خلال عام أو اثنين؟ إن ما قمنا به هو خطوة أولى، فقد قمنا بالقضاء على الصورة التقليدية والنمطية لجماعة «الإخوان المسلمين» فى ذهن العامة فى مصر لأول مرة منذ عام 1928 حتى الآن، تلك الصورة النمطية التى كانت تستدعى التعاطف وتجعل المسلم يشعر أن هؤلاء من القريبين إلى الله وعلينا أن ندعمهم وأن نتعاطف معهم وأن نصوت لهم فى الانتخابات المختلفة.
وهل الجماعة لا يزال لها مستقبل؟ فى رأيى، إن مشكلة الجماعة فى أنها ليست جماعة محلية إنما جماعة دولية تقوم على الأممية الإسلامية ولها وجود فى كل أقطار الدنيا، وأنا فى أى جولات فى الخارج أشعر بأن الصورة ليست كما نتصورها فى مصر، لا، فمازالت هناك بقايا لفكر «الإخوان المسلمين»، وهناك تعاطف فى بعض الجيوب معهم، فى بعض الدول التى لا تتصور أنه يمكن أن يوجد فيها متعاطفون مع الجماعة تجد متعاطفين هناك حتى هذه اللحظة، بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
ففى زيارة الرئيس «السيسى» لها وآلاف المصريين الطبيعيين هناك كانوا يدعمون وجوده ويهللون لزيارته، وهناك جماعات أخرى تستهدفهم بالعنف والمتابعة، والشرطة الأمريكية كالشرطة فى أى مكان كانت تحاول وقف حالات الصدام بين الفريقين.
وفى رأيى أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة «طويلة النفس»، تحتاج إلى مراجعة سياسية قوية، تحتاج إلى أن تفتح مع نفسها ومع غيرها صفحة جديدة، تحتاج إلى ما نسميه «فقه المراجعة»، وإذا لم يراجع «الإخوان المسلمون» تاريخهم ويعترفوا بأخطائهم ويعتذروا عن جرائمهم فلا يمكن لهم أن يجدوا مكاناً على الأرض المصرية مثلما كان الأمر من قبل، فقد تغيرت الدنيا، ولقد رأيت درجة التعاطف معهم كيف كانت وكيف تحولت هذه الدرجة فيما بعد إلى قدر كبير جداً من الرفض والاستهجان لدور «الإخوان المسلمين» وسياستهم وسنة حكمهم، كأنما أراد الله أن يجعل سنة حكمهم دليلاً على فشلهم وعدم قدرتهم على مواصلة الطريق فى مستقبل هذا البلد الذى يحتضن «الأزهر».
ويكفى علمكم بأنهم كانوا ضد «الأزهر الشريف» وضد إمامه الأكبر، بينما لم يوجد بينهم مبدع واحد، ولا حتى رجل دين أو عالم كبير قد يكون باستثناء «القرضاوى»، وبعض النماذج الباقية، ولكن لا يوجد لديهم علماء و«عبدالرحمن البر» هو الوحيد لديهم يسمى «مفتى الجماعة» وعضو مكتب الإرشاد، والدنيا تغيرت، فالكل ترك مصر، ومعظمهم الآن فى «تركيا»، وبعضهم كان فى «قطر»، والبعض الآخر فر إلى «السودان»، وبعضهم قد يكون مختفياً داخل البلاد – أشك فى هذا كثيراً – ولكن تلقى «الإخوان المسلمون» ضربة لم يتلقوها لا فى عصر «النقراشى» ولا «إبراهيم عبدالهادى» ولا «جمال عبدالناصر» ولا «أنور السادات» ولا «حسنى مبارك»، وهذا يدعونا لنتساءل: ما الطريق إلى المستقبل؟