المال السياسى والانتخابات البرلمانية

المال السياسى والانتخابات البرلمانية

المال السياسى والانتخابات البرلمانية

 تونس اليوم -

المال السياسى والانتخابات البرلمانية

مصطفى الفقي

كان الكاتب الصحفى الراحل «إسماعيل النقيب» عندما يريد أن يتحدث عن شخص لا يملك حرية رأيه يقول (سيدى: ليس فى بيتهم «طحين»!) للدلالة على أن من لا يملك قوت يومه لا يملك حرية رأيه، وهذه العبارة العميقة من الكاتب المصرى الراحل تذكرنى دائمًا بمسألة الانتخابات، فإذا كان المال السياسى ينزل إلى الساحة بقوة فمن الطبيعى ألا تكون الانتخابات نزيهة ولا النتائج دقيقة، وحين يكون هناك مرشحان أحدهما أستاذ جامعى مرموق أو سياسى نزيه أو عالم كبير وفى مقابله رجل كون ثروته من طرق كثيرة لا داعى للخوض فيها، وهذا الأخير مستعد لأن يدفع على الأقل ألف جنيه مصرى فى الصوت الواحد ويكون هناك فقير يتضور جوعًا ولا يملك عشاء يومه أى ليس فى بيته «طحين» على حد تعبير الراحل «إسماعيل النقيب» فهل نتوقع من هذا المواطن المسكين أن يعطى صوته لمن يستحقه أم من يقدم له ما يسد رمقه ويرضى حاجته!، إننا أمام معادلة صعبة ذات تركيبة معقدة يجب أن نقف أمامها فى تجرد وموضوعية، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وإذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، ولست بذلك أبرر الفساد الانتخابى أو أوافق على شراء الذمم ولكننى أهبط إلى أرض الواقع لكى أقول الحقيقة عارية مجردة، ولقد قال «عبد الناصر» منذ عدة عقود «إن الحرية السياسية مرتبطة بالحرية الاقتصادية» و«إن تذكرة الانتخاب مقترنة برغيف الخبز»، ولعل جزءًا كبيرًا من الأصوات التى حصدها «الإخوان المسلمون» أيضًا فى الانتخابات السابقة يعتمد على المنح العينية والخدمات اليومية لفقراء «مصر» خصوصًا أن الجماعة ثرية بأموالها فى الداخل وفى الخارج بصورة قد لا يتصورها الكثيرون، من هذا المنطلق كله فإننى أبدى مخاوفى من التأثير المتزايد لما يمكن تسميته المال السياسى على الانتخابات البرلمانية أو حتى المحلية، إننا أمام ظاهرة عرفتها شعوب أخرى فى عالمنا المعاصر وعرفها المصريون عبر تاريخ انتخاباتهم منذ قرن ونصف.

ومازلنا نتذكر تقسيم الجنيه إلى نصفين ثم إلصاقه بعد التصويت، ونتذكر أيضًا «ورقة التصويت الدوارة» أو استخدام «الموبايل» فى تصوير خانة التصويت لصالح المرشح الذى يقوم برشوة الناخبين، إننى أعلم أنه من المستحيل الخلاص من هذا الذى يحدث، ولكن دعنا نحاول تدريجيًا توعية المواطن المصرى بأن تفريطه فى صوته هو ضرر مادى مباشر على حياته ومستقبل أولاده، فـ«الهنود» ـ الذين يملكون أكبر ديمقراطية فى العالم ـ هم أشد فقرًا منا وأكثر حاجة من معظمنا، ولكنَّ وعيهم السياسى وانتماءهم الوطنى يدفعانهم إلى تبنى النزاهة الكاملة عند التصويت فى الانتخابات، ويكفى أن نتذكر أن «أنديرا غاندى» رئيسة وزراء «الهند» قد سقطت فى دائرتها عندما شعر الناخب الهندى أنها لا تحقق له ما يريد أو أنها انحرفت عن المبادئ التى التزمت بها، ثم عادت بعد أقل من عامين بأغلبية كاسحة إلى منصبها، لأن المواطن الهندى المستنير جرب غيرها ورأى أنه من الأفضل العودة إليها «بعد التعديلات»، ليت مواطنينا يمضون على نفس الطريق ويدركون أن الصوت الانتخابى حق لصاحبه، يجب أن يسعى إليه وأن يعمل على الحفاظ عليه، وأن يدرك أن الذين يشترون صوته إنما يمارسون نوعًا من «بلطجة الثراء» و«الفساد السياسى» و«تزييف إرادة الناس» وعليه أن يدرك أيضًا أن اختيار المرشح الأكثر تعليمًا والأعمق تجربة والأكثر خبرة يصب فى النهاية لصالحه كمواطن قبل غيره، كما أن «البرلمان» النزيه القوى هو خير ضمان لمستقبل أجيالنا القادمة، وهو كذلك عنصر التوازن فى حياتنا السياسية، ويمكن أن يكون داعمًا لرئيس الجمهورية وليس خصمًا له مادام الجميع يعملون عبر قنوات وطنية تصب فى المصالح العليا للبلاد ولا يوجد تناقض أو تعارض بين السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، بل إن الكل يعمل فى توافق وانسجام وفى حدود معترف بها، فلا طغيان للسلطة التنفيذية على ما عداها خصوصًا أن تلك هى ظاهرة مصرية صاحبت نظامنا السياسى عبر التاريخ لأن «مصر» تملك جهازًا إداريا «فرعونيًا» صلبًا يقوم على سلطة تنفيذية سيطرت عبر القرون وكانت دائمًا أكثر تأثيرًا من السلطتين التشريعية والقضائية، وربما كان جزء كبير من الانتقادات التى توجه لتاريخ «البوليس» المصرى والشرطة الوطنية بعد ذلك هو أنهما أداة البطش لدى السلطة التنفيذية عند الحاجة، ولذلك فإننى أشعر أننا قد ظلمنا رجال الشرطة بأننا قد حملناهم ما عليهم وما ليس عليهم، بدءًا من مواجهة أزمة «إنفلونزا الطيور» وصولًا إلى مكافحة «الإرهاب» مرورًا بـ«التشريفات الرسمية» ومباريات كرة القدم والانتخابات العامة وغير ذلك من الالتزامات التى وضعناها على كاهل الشرطة المصرية، حيث فرغنا الحياة السياسية من كل مقوماتها ووقفنا نرقب الأجهزة الأمنية فيما تفعل، إن قضية المال السياسى أخطر من أن يتم تناولها باعتبارها ظاهرة عابرة، إذ يجب تناولها كمرض ثقافى واجتماعى يحتاج إلى هزة عنيفة وتغيير عميق ينهى أسطورة شراء الأصوات وتخريب الذمم وضرب الديمقراطية الحقيقية!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المال السياسى والانتخابات البرلمانية المال السياسى والانتخابات البرلمانية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia