احتضان الشباب

احتضان الشباب

احتضان الشباب

 تونس اليوم -

احتضان الشباب

مصطفى الفقي

لم يغفل محبو كوكب الشرق «أم كلثوم» عن الاحتفال بذكرى رحيلها بحلول عامه الأربعين، حتى فى ظل أحلك الظروف السياسية التى يمرون بها، ففى لبنان، شاركت السفارة المصرية مساء الثلاثاء فى رعاية احتفالية فى قصر الأونيسكو ببيروت بمناسبة مرور أربعين عاما، على رحيل كوكب الشرق، حضرها عدد كبير من المسؤولين من بينهم حسين الحسينى، رئيس مجلس النواب السابق، وفؤاد السنيورة رئيس الوزراء الأسبق، وعدد من الوزراء والسياسيين والمثقفين، وقامت وسائل الإعلام بتغطية الحدث الكبير. بدأت الاحتفالية التى أقيمت على شرف الفنانة المصرية الراحلة، بوقوف الحضور دقيقة حدادا على أرواح شهداء الجيش المصرى فى الهجوم الإرهابى الآثم فى سيناء الأسبوع الماضى.

وقال السفير المصرى: «إن الثقافة تمثل دوماً جسراً للتواصل بين الشعوب العربية»،

من جانبه، وصف وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أم كلثوم بأنها ضمير العرب، وأن الإقبال الكبير من الجمهور اللبنانى يدل على أن مصر تُعرف بفن «أم كلثوم» وليس إرهاب المجرمين. وفى القاهرة، أحيت جمعية التجمع الوطنى للمرأة المصرية، ذكرى أم كلثوم، بمقر الجمعية، إلا أن الذكرى غاب عنها صوت كوكب الشرق، إذ أقيمت بتلاوة القرآن منذ الحادية عشرة صباحاً وحتى الثانية والنصف بعد ظهر الثلاثاء، الموافق 3 فبراير.

Twitter:DrMostafaElFeky

لم تكن الجبهة المصرية فى حاجة إلى التماسك مثلما هى الآن، فالإرهاب يطل بوجهه القبيح كما لم يحدث من قبل ويقتل خيرة شبابنا ويغتال استقرار وطن ويحاول إيقاف مسيرة شعب، إنه إرهاب مدعوم من قوى شيطانية تسعى لخنق «مصر» إن استطاعت، وذلك يدعونا إلى التطلع نحو شبابنا الذى هو رصيدنا الحقيقى للاتجاه إلى الأمام، وهو الذى يحمل تأشيرة دخولنا إلى المستقبل، ولعلنا نلاحظ أن قطاعاً من الشباب المصرى رافض لماضيه، محتج على حاضره، قلق تجاه مستقبله، ونورد هنا الملاحظات الآتية:

أولاً: إن الشباب شريحة من العمر شديدة الحساسية لما حولها وتتأثر بما يدور فى محيطها لأنها تكون مفعمة بالأمل مثقلة بالقيم تتطلع إلى القدوة وتشعر أنها فى النهاية صاحبة المستقبل، لذلك يجب أن تكون شريكاً رئيساً فى بنائه، كذلك فإن مرحلة الشباب محاطة بإغراءات كثيرة، بعضها فكرى وبعضها جسدى، فعلى المستوى الفكرى هناك التيارات المتطرفة والأيديولوجيات المهجورة التى تحاول أن تستقطب الشباب وتجذبهم إليها، لذلك نجد بعض الشباب يهاجر زمانياً أو مكانياً فإما أن يبحث عن فرصة عمل فى الخارج أو يهجر العصر بكل ما فيه، ولكى تستريح نفسيته لا يتورع عن تكفير المجتمع المسؤول ـ من وجهة نظره ـ عن كل السلبيات التى عرفها والمشكلات التى واجهها، أما عن الجانب الجسدى فإنه قد يسقط صريع «الإدمان» وتلتهمه انحرافات متعددة من كل اتجاه، وهنا تكون السقطة الكبرى لأن الشباب هم بحق مستقبل الأمة ورصيد الوطن.

ثانياً: لابد أن نعترف بأن الأجيال التى سبقت قد ابتلعت جزءاً من حقوق الأجيال الجديدة بدعوى الحرص عليها فى نوع من الوصاية الدائمة مع شيوع منطق الجيل الأب الذى يقمع حركة الأجيال التالية ويستأثر بمقاليد الأمور متصوراً أنه يحتكر وحده الحكمة ويحوز المعرفة دون غيره فتكونت لدينا مسافة واسعة بين الأجيال تجعلنا نقول بغير تردد إن «مصر» تواجه صراع أجيال مكتوماً يطفو على السطح أحياناً فى صورة حركات تمرد أو اعتصاماتٍ شبابية أو حتى انتفاضاتٍ عامة، لذلك فإننا ندق ناقوس الخطر للمشكلة الشبابية التى تلوح فى الأفق المصرى وتنذر بوجود فجوةٍ كبيرة بين الأجيال!

ثالثاً: إن نظام التعليم المتراجع وغياب دور المدرسة الحقيقى وندرة وجود المدرس القدوة تشكّل فى مجموعها حاجزاً كبيراً يحول دون التقدم ويمنع المسيرة من الانطلاق، لذلك فإننا نشعر أحياناً بأن غياب التعليم المتميز يمثل عقبة حقيقية دون اندماج الشباب فى المجتمع بل يزيد إحساسه بالأبوية المتسلطة دون عطاء، كما يزيد من حدة المشكلة تنوع أنواع التعليم ما بين أجنبى ومصرى، ودينى ومدنى، وعامٍّ وخاص، لذلك أصبحنا نواجه مجتمعاً مشتتاً تنعدم فيه درجة الانسجام بين شبابه بسبب الاختلاف فى نوعية التعليم وفقاً للتفاوت الطبقى والتوجه التعليمى الذى يفرخ نماذج لشبابٍ متطرف أحياناً ومنحرفٍ أحياناً أخرى، ومازلت أذكر تجربة وزير التعليم الأسبق منذ عقدين من الزمان عندما سعى د.حسين كامل بهاء الدين إلى «الحجز عند المنبع» بالتركيز على كليات «التربية» التى يتخرج فيها سنوياً آلاف المعلمين وهم الذين يتحملون مسؤولية تربية الأجيال الناشئة وتعليمها، ومازلت أتذكر أنه بعد ثورة يناير 2011 بأسابيع قليلة وبينما العالم كله مبهور بشبابنا، طلب السفير البريطانى فى «القاهرة» زيارتى فى مكتبى الخاص بوسط المدينة، وهو بالمناسبة حفيد لرئيس وزراء «بريطانيا» الأسبق، وقال لى إننا شديدو الإعجاب بالثورة المصرية والمصريين، فماذا يمكن أن تقدمه بلادى لشباب هذه الثورة؟ فقلت له: التعليم، التعليم، التعليم، فاستوضحنى تفصيلاً، فقلت له: إننى أدعو «المملكة المتحدة» إلى أن تستقبل سنوياً بضعة آلاف من المدرسين المصريين فى فروع العلوم المختلفة للتدريب لمدة ستة أشهر على التوالى، بحيث يعود هؤلاء المعلمون من تلك البعثات وهم أفضل بكثير مما ذهبوا، وأطلب أن تتحمل «بريطانيا» نفقاتها تحية للشعب المصرى وشباب الثورة، ووافقنى السفير يومها ووعد بدراسة الأمر مع المسؤولين فى بلاده بحيث تستطيع «لندن» التقدم بهذا العرض الذى سوف يؤثر بلا شك فى العملية التعليمية المصرية وأساليب التربية وطرائق البحث ومناهج المقررات، ولكنى لم أسمع من الجانب البريطانى شيئاً بعد ذلك.

رابعاً: إننى أدعو إلى دفع الشباب لتصدر المشهد السياسى، فهم أصحاب الحق فى المستقبل، ومن حقهم أن يكونوا الشريك الأساسى فى صنعه، لأن إحساس الشريحة الكبرى من المصريين بالتهميش هو إحساس خطير يسلب من الوطن أغلى ما يملك متمثلاً فى ثروته البشرية، فالشباب الذى يفتقد قيادة وقدوة له لن يتمكن من العطاء لبلده على النحو الذى نرجوه، ولندرك جميعاً أن الثروة البشرية فى «مصر» هى أعز ما نملك وأغلاه، كما أن الموارد الطبيعية لا تبنى التجارب الوطنية فى العالم وحدها، كذلك فإن الاعتماد على الخارج لن يجدى كثيراً، فلن يبنى مصر إلا تجربة ذاتية مثلما فعلت «اليابان» بعد الحرب العالمية الثانية، ومثلما فعلت «ألمانيا» بعد سقوط «النازى»، ويجب أن نتذكر أن دولة مثل «سويسرا» بارتفاع معدل دخل الفرد فيها ورفاهية الحياة لديها هى دولة فقيرة الموارد الطبيعية ولكنها ثرية باليد العاملة فيها والدقة التى اشتهرت بها والخبرات التى توارثتها.

إن الشباب قنبلة موقوتة مثلما هو الفقر أيضاً، والانفجار ليس فى صالح جيل يبنى أو جيل يجنى، إنما هو صدمةٌ للوطن فى مستقبله.. فدعونا نحتو شبابنا وندفع به إلى الصفوف الأولى ونقف وراءه بالمشورة والرأى، بالفكر والحكمة، بالرؤية والنصيحة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

احتضان الشباب احتضان الشباب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia