بقلم : مصطفى الفقي
خلال النصف الثانى من ستينيات القرن الماضى طلب سفير «مصر» فى «نيودلهى» موعداً مع رئيسة الوزراء «أنديرا غاندى»، ولكن الرد جاءه بطيئاً ومتأخراً، إذ لم تكن العلاقات المصرية- الهندية بعد نكسة 1967 بنفس قوتها قبلها، لأن جزءاً من هيبة «مصر» قد تراجع فى غمار تلك الهزيمة، وكان يشاع وقتها أن رئيسة وزراء «الهند» شديدة الإعجاب بمدير مكتب «جامعة الدول العربية» فى العاصمة الهندية، وهو مفكر قومى مرموق وشخصية عربية ودولية رحلت عن عالمنا هذا العام (2016)، ونظراً للعلاقة الوثيقة بين رئيسة الوزراء والمثقف العربى الكبير الذى كان يدير مكتب الجامعة فى العاصمة الهندية، فقد شاعت قصص كثيرة حول تلك العلاقة الفريدة،
ووجدها السفير المصرى فرصة ليوجه لرئيسة الوزراء عتاباً قاسياً عند لقائه بها بعد أن طال الوقت فى طلب الموعد، وعندما دخل السفير المصرى إلى رئيسة الوزراء فى مكتبها صافحها قائلاً: سيدتى لقد تأخر تحديد الموعد لسفير «مصر» على غير المعتاد، وأظن أنه كان من الأفضل لى أن أطلب الموعد من خلال مدير مكتب جامعة الدول العربية، وفهمت فى الحال رئيسة الوزراء أن السفير يلمح إلى ما يشاع عن علاقة تربطها بذلك المسؤول العربى، فأنهت «أنديرا غاندى» اللقاء على الفور قائلة للسفير: إن هذا يكفى ولقاؤنا قد انتهى، ولم يكتم السفير ما حدث له، بل أبرق إلى «القاهرة» فى الحال بما جرى، حيث استدعته وزارة الخارجية المصرية ونقلته من العاصمة الهندية إلى ديوان عام الوزارة فى «مصر»!.
وفى نادرة أخرى، فإن سفيرنا المتميز فى العاصمة المغربية، وكان فى الأصل ضابطاً مرموقاً له مكانة كبيرة لدى الرئيس الراحل «عبدالناصر»، لذلك ظل فى «الرباط» لسنوات طويلة بناءً على طلب من الملك «الحسن الثانى» وعائلته، فقد كان السفير المصرى قريباً منهم ومعروفاً بالأناقة وحسن المظهر وحلاوة الحديث، ولذلك بقى فى موقعه سنوات أخرى حتى بعد رحيل الرئيس «عبدالناصر» وتولى الرئيس «السادات»، الذى استبقاه استجابة لرغبة العرش المغربى وتقديراً للتاريخ المتميز لذلك السفير، وحدث أنه فى يوم انقلاب «الصخيرات» على الملك «الحسن الثانى» وأثناء حفل كبير ضم حشداً من الشخصيات العربية والدولية تألق بينها العندليب المصرى «عبدالحليم حافظ»، فإذا بطلقات الرصاص تنهمر فى أنحاء مختلفة من القصر ويحدث هرج ومرج شديدان وتهرب مجموعات من الزائرين تحت الموائد، ومن بينهم السفير المصرى، وبعد ساعة أو أقل سكت صوت الرصاص لأن الملك المغربى الشجاع خرج للثائرين، وكان معظمهم طلاباً فى كليات عسكرية، فهتفوا باسمه عندما رأوه وجهاً لوجه قائلين: (الله يبارك سيدنا)، ففشل الانقلاب مثلما فشل انقلاب آخر ضد ذلك الملك الراحل بعدما ضُربت طائرته بالصواريخ، ولكن الله كتب له الب
قاء بعدما أخذ «الحسن الثانى» يعلن من جهاز لاسلكى الطائرة أن الملك قد مات فتوقف الضرب عليها، ويومها نزل إلى أرض المطار فى شجاعة، فلاحظ أن الجنرال «أوفقير»، ساعده الأيمن، ليس موجوداً بين مستقبليه، فأدرك الملك أبعاد المؤامرة المدبرة ومن يقف وراءها، وقام بعمليات انتقامية أسرف فيها فى القتل، حتى إن الجنرال «أوفقير» انتحر أمام ولى نعمته بعد أن انكشف أمره وفشل تآمره. نعود مرة أخرى إلى انقلاب «الصخيرات» والسفير المصرى القابع تحت المنضدة مع مجموعة من كبار الضيوف، وبعد أن تصور الجميع أن العملية قد انتهت أومأ السفير المصرى إلى من بجواره فى ظل الظلام الدامس يسأل هل تخلصوا من الملك ونجحت الثورة؟، ولم يجبه ذلك الذى سأله، إذ إنه لسوء حظ السفير المصرى كان ذلك الشخص الذى يجاوره فى الظلام هو مولاى «عبدالله»، شقيق الملك «الحسن الثانى»، وعندما أضيئت الأنوار اكتشف السفير المصرى حجم الكارثة التى وقع فيها، وبعدها نادى الملك السفير قائلاً: إننى سأنفذ أحكام الإعدام فى عدد كبير من المتآمرين، كما أن بعض السفراء الأجانب قد لقوا حتفهم فى أحداث انقلاب «الصخيرات»، وأنا باستطاعتى أن أجعلك واحداً منهم، ولكنك تذكر كيف فعلنا بمد خدمتك لدينا سن
وات طويلة، والآن عليك أن تبرح البلاد أنت وأسرتك خلال ساعات، فرجاه السفير أن يبقى ابنه فقط الذى كان يدرس فى «المغرب» حينذاك، وأظنه قد فعل ذلك وبقى فيها حتى أصبح طبيباً مرموقاً على ما أتذكر، وهكذا نجد أن الذكاء المصرى والتصرف التلقائى قد يكلفان صاحبهما الكثير!.
أما عن النوادر على المستوى الرسمى، الذى قد يصل إلى درجة الحوار بين الملوك والرؤساء، فلقد حدث فى أحد مؤتمرات القمة بـ«القاهرة» أن طلب أحد الملوك كوباً من الماء قائلاً (كوب)، فتصور مندوب دولة «كوبا» أن الملك يناديه، فاتجه نحوه بين ضحكات الحاضرين لهذه الملابسة الطريفة الناجمة عن التشابه اللغوى بين كلمة عربية واسم دولة أجنبية.. ما أكثر النوادر التى قرأنا عنها أو سمعنا بها أو تواترت فى أوساط السلك الدبلوماسى والدوائر السياسية!.