26 يوليو

26 يوليو

26 يوليو

 تونس اليوم -

26 يوليو

بقلم : مصطفى الفقي

فى مثل هذا اليوم منذ خمس وستين عاما أبحر على ظهر «المحروسة» الملك «فاروق»، حفيد الخديو «إسماعيل» وسليل الأسرة العلوية التى حكمت «مصر» قرابة قرن ونصف، وأسسها «محمد على الكبير» منذ تولى سدة الحكم عام 1805، وجرى توديع الملك السابق بعد توقيع وثيقة تنازله عن العرش لولى عهده الرضيع الأمير «أحمد فؤاد» توديعًا حضاريًا يليق باسم «مصر» وتاريخها العريق، فأطلقت المدفعية واحدًا وعشرين طلقة وحياه قائد الثورة اللواء «محمد نجيب» ورفاقه، الذين وصلوا متأخرين دقائق فاستخدموا زورقًا للوصول إلى «المحروسة» وقد طلب الملك الذى تعود على مظاهر الاحترام والأبهة من قائد الجناح «جمال سالم»، مرافق «محمد نجيب» فى التوديع، أن يخفض عصاه التى يمسك بها احترامًا وإجلالًا لملك حكم «مصر» أكثر من ستة عشر عامًا، وجدير بالذكر أن «جمال سالم» كان من الثوار المتشددين ذوى التصرفات العنيفة، حتى قيل إنه كان من دعاة إعدام الملك وليس مجرد تنازله عن عرشه فى وثيقة وقع عليها «فاروق» مرتين بيد مرتعشة من هول الموقف، وأوصى «محمد نجيب» خيرًا بالجيش المصرى الذى بناه أجداده، على حد قوله، والغريب أن الذى قام على إجراءات توليه العرش كان هو «على ماهر» باشا، رئيس الديوان الملكى حينذاك، وهو نفسه الذى أشرف على إجراءات تنازله عن العرش كرئيس للوزراء اختاره الثوار كأفضل المتاح من السياسيين القدامى، حيث كان سياسيًا مستقلًا ليس له انتماء حزبى.

وقد أشرف على الإجراءات القانونية للتنازل «سليمان حافظ»، نائب رئيس مجلس الدولة، الذى تولى بعد ذلك وزارة الداخلية لفترة قصيرة، إننا نتذكر هذا اليوم باعتباره يومًا فاصلًا فى تاريخ الدولة المصرية والمركز القانونى لحكومتها وانتقالها من مرحلة الشرعية الدستورية إلى مرحلة أخرى جرت تسميتها الشرعية الثورية، وبهذه المناسبة ولأننى قرأت كثيرًا فى تاريخ العائلة المالكة المصرية فإننى أقرر أن «فاروق» رغم فساده الشخصى وولعه بلعب القمار وموائده إلا أنه لم يكن حليفًا للإنجليز ولا حتى صديقًا لهم، بل إن حادث فبراير عام 1942 كان قد ترك لديه ثأرًا مكتومًا جعله أقرب إلى المواقف الوطنية منه إلى الخيارات البريطانية فى السياسة والحكم معًا، بل إننى أزعم- معترفًا بغرامى بالتاريخ السياسى والثقافى والاجتماعى لأسرة «محمد على»- أنه لم يكن فيها إلا عميل واحد هو الخديو «محمد توفيق» الذى عصف بالثورة العرابية وفتح الأبواب لدخول الاحتلال البريطانى إلى «مصر»، وكان معاديًا للحركة الوطنية، وإن كان آخرون من أبناء هذه العائلة لم يتحمسوا للمطالب الوطنية أحيانًا إلا أنهم لم يصلوا إلى درجة الخيانة التى بلغها الخديو «توفيق» بن «إسماعيل»، ولست أنسى التقاليد الرائعة للعلاقة بين حكام تلك الأسرة واحترامهم لمنطق توارث العرش حتى إن الخديو «إسماعيل» عندما جرى إقصاؤه عن الحكم قد انحنى لابنه وخاطبه فورًا بعبارة (جناب الخديو) وتعامل معه كحاكم جديد بكل الاحترام والتوقير، إنها تقاليد كانت مرعية إلى حد كبير فى تاريخ الأسرة العلوية، بل إن منهم من زهد فى ولاية العرش، ولكن لم يكن من بينهم من وصل إلى الحكم غصبًا بالتآمر على أشقائه أو آبائه أو أعمامه، وإذا كان البعض يدين حكم أسرة «محمد على» فإننى أذكرهم بأن الأمير «عباس حليم» تبنى مطالب الحركة العمالية، وأن الأمير «عمر طوسون» كانت له ميوله الوفدية فى إطار الحركة الوطنية، وأن الأمير «يوسف كمال» كان داعية لنشر الفنون الجميلة فى أرقى مراحلها، وأن الأميرات تفرغ معظمهن لإقامة المبرات والمدارس، بل إن الملك «فؤاد»- رغم جهامته وضعف لغته العربية- هو مؤسس «جامعة القاهرة» وأول رئيس لمجلس إدارتها، وإليه يرجع الفضل فى ذلك الانتشار الثقافى الرائع الذى عرفته «مصر» فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى من متاحف فريدة فى وقتها وجمعيات ملكية متميزة فى عصرها.

منها «الجمعية الملكية التاريخية» و«الجمعية الملكية الجغرافية»، بل إن كثيرًا مما نباهى به أحيانًا هو نتاج لذلك العصر الذهبى الذى عاشت فيه «مصر» فى ظل حكومة شبه برلمانية مع حياة حزبية نشطة نسبيًا، حتى إن الفترة ما بين الثورتين 1919- 1952 هى الفترة الليبرالية فى تاريخنا الحديث رغم المنغصات التى سببتها بعض الجماعات الدينية أو الأحزاب الصغيرة، فقد حدد إعلان 28 فبراير 1922 مظاهر الاستقلال التى حظيت بها مصر رغم التحفظات الأربعة، وقد جرى توقيع اتفاقية عام 1936 بين حكومة «الوفد»، برئاسة «النحاس باشا»، والجانب البريطانى، وقد استطاع «النحاس باشا» بصلابته وشعبيته أن يعلن إلغاء المعاهدة فى مارس عام 1950 على اعتبار أن التوقيع والإلغاء كانا معًا (من أجل مصر)، ونعود لمشهد آخر فى ذات اليوم منذ واحد وستين عامًا عندما وقف «جمال عبدالناصر» يعلن من مدينة «الإسكندرية» (تأميم شركة «قناة السويس» شركة مساهمة مصرية مع تعويض حملة الأسهم بسعر بورصة «باريس» فى اليوم السابق على التأميم)، ومهما اختلفت الآراء حول تلك الخطوة التى أثرت تأثيرًا كبيرًا فى مجريات الأحداث على أرض «مصر» إلا أننا نظن أن ذلك اليوم الموعود 26 يوليو- مهما اختلفت السنوات- سوف يظل يومًا غنيًا بالأحداث، ثريًا بالتطورات، يذكره المصريون بمشاعر متناقضة تتفق مع رؤية كل منهم لما جرى، ولكن تبقى «مصر» فى النهاية صامدة شامخة تحصد نتاج الأحداث وتعيش تحت وقر السنين وتسعى جاهدة للخلاص من كل أسباب المعاناة وعوامل التحدى وعاديات الزمن!.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

26 يوليو 26 يوليو



GMT 08:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كتاب الشارقة: طبيب الأطباء

GMT 05:36 2019 الجمعة ,10 أيار / مايو

في حضرة العلماء

GMT 07:31 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

تغول السلطة التنفيذية

GMT 04:01 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

حزب الوفد

GMT 01:52 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تكريم السادات

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia