هل تصحو يا وطن

هل تصحو يا وطن؟

هل تصحو يا وطن؟

 تونس اليوم -

هل تصحو يا وطن

بقلم : مصطفى الفقي

إن ما مرت به «مصر» منذ عام 2011 حتى الآن- بكل ما فيه من معاناة وعذابات وصعوبات ومتاعب- هو مخاض لميلاد شعب جديد، فالأمم العظيمة تصنعها الآلام الكبيرة، وإذا كانت معاناة المصريين فى هذه المرحلة قد اشتدت فذلك لأنهم يواجهون الحقائق كما هى دون تجميل أو تسويف أو إرجاء، كما أن «مصر» قد صحَتْ من سباتها لتكتشف أنها قد أضاعت فرصًا كثيرة فى ماضيها القريب، ولم تتمكن من الإمساك بتلابيب التقدم الحقيقى، من خلال تعليم عصرى وبحث علمى مكثف، كان يمكن لهما أن يشدا قاطرة الوطن نحو آفاق يستحقها ومكانة تليق به وبتاريخه الحضارى وتراثه العريق، لقد طافت بذهنى أفكار كثيرة وعبرت أفق خيالى أحلام كبيرة وأنا أستمع إلى كلمة بابا الفاتيكان «فرنسيس»، وهو يتحدث فى احتفال رئاسة الجمهورية إلى صفوة من رجال الدين المسيحى والإسلامى والشخصيات العامة، وفى حضور الرئيس «السيسى»، الذى ألقى خطاباً متميزاً فى هذه المناسبة، وعندما دخل الإمام الأكبر- قبيل دخول الرئيس و«بابا الفاتيكان»- ضجت القاعة بالتصفيق الحاد وقوفًا احترامًا للشيخ الجليل، أستاذ الفلسفة الإسلامية، عَفّ اللسان، هادئ الطبع، والذى يسعى إلى تصويب الخطاب الدينى وتنقية الفقه الإسلامى من شوائب علقت به، والشيخ الصوفى يبذل فى ذلك جهدًا ضخمًا فى مواجهة معارضة متشددة فى كل اتجاه، وإعلام متجاوز بغير مبرر!

وليعلم هؤلاء وأولئك أن الهجوم على «الأزهر الشريف» وشيخه «الطيب» هو ضرب غير مباشر فى أعمدة الهوية المصرية، ومحاولة لتحطيم أحد العمد الرئيسة فى التكوين الثقافى والاجتماعى للشعب المصرى، فـ«الأزهر» و«الكنيسة» يمثلان معًا ركيزتين لهوية الوطن والتعبير عن شخصيته التاريخية وقواه الناعمة على مر العصور، وكذلك عندما بدأ «بابا الفاتيكان» يتحدث وهو يشير إلى استقبال مصر للاجئين عبر التاريخ بدءًا من اللاجئ الأول الطفل «يسوع» وأمه «العذراء مريم» و«يوسف النجار»، فى الرحلة المقدسة التى اخترقت «الدلتا» و«الوادى»، وباركت «مصر»، حتى ذكرها الكتاب المقدس (مبارك شعبى مصر)، وقد استطرد «البابا فرنسيس»، متحدثًا عن اختيار الرب لأرض «مصر» الطيبة ليخاطب «موسى الكليم» من «طور سيناء» حتى استقر الإسلام الحنيف على أرضها، حيث اختلط سكانها من كل الديانات فى سيمفونية رائعة تعزف للإنسان- وله وحده- فى كل زمان ومكان.

ولقد اقشعرّ بدنى و«البابا» المتفتح المستنير يشير إلى «مصر» بعبارة «أم الدنيا» ويكررها باقتناع وإيمان ووعى، ثم كانت الخاتمة مجاملة رائعة لمصر ورئيسها عندما أنهى خطابه بقوله: «تحيا مصر»، ولقد تابعت كلمات الإمام الأكبر فى المؤتمر الكبير، الذى أقامه «الأزهر الشريف» فى توقيت ذكى لكى يكون «بابا الفاتيكان» أحد حضوره وشهوده، ولقد نزلت كلمات الإمام الأكبر بردًا وسلامًا على الإنسانية المعذبة والجماعات المقهورة بفعل الاستبداد والفساد والإرهاب.

أما البابا «تواضروس الثانى» فأنا أظنه هدية الرب لشعب «مصر» فى هذه الظروف، ولا أدرى كيف كان يمكن أن يتصرف أى بديل له، فالرجل وطنى حتى النخاع، مسيحى مخلص «طوباوى» نقى، وهو حبر جليل تحمّل معاناة بغير حدود وآلاما قاسية وتفجيرات إرهابية للكنائس وذبحا للأقباط على يد مجرمى «داعش» فى «ليبيا»، بل مطاردة لهم فى «شمال سيناء»، ولكنه أدرك بحكمته أن المستهدف هو الوطن كله، مسلميه ومسيحييه، فطوفان الغدر لا يفرق بين مصرى وآخر، لأن الكنانة الصامدة هى غُصَّة فى حلق الكثيرين داخل المنطقة وخارجها، إنه البابا الذى قال عبارته الخالدة: «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، لقد كان هذا الأسبوع رسالة بامتياز إلى الشعب المصرى لعله يستيقظ فى صحوة لا غفوة بعدها ليعمل فى جد، ويبتكر برؤية، ويشيد على أرضه دعائم راسخة لمستقبل أفضل، فإذا كانت «مصر» هى أرض الديانات والثقافات والحضارات فهى أيضًا أرض العبقرية الكامنة والذكاء الموروث والفطنة الطبيعية والفطرة السوية، فليمضِ التعليم العصرى والثقافة متعددة الأبعاد والبحث العلمى الواعد على طريق يواكب مسيرة التشييد والبناء فى الدلتا والوادى والصحراء، فالجندى المصرى الذى يقاتل الإرهاب على أرضه المقدسة فى «سيناء» إنما هو امتداد طبيعى لجندى «عين جالوت» و«حطين»، وابن مباشر لمَن أغرقوا المدمرة «إيلات» ومَن عبروا قناة السويس قتالًا فى «حرب التحرير» عام 1973. أيها السادة، ينبغى ألا ننسى تاريخنا، كما يجب ألا نتباكى على ما فاتنا، إذ لابد من حشد وطنى يبدأ من الطفولة إلى الشيخوخة، ويدفع بالشباب نحو الطريق الذى اخترناه رغم صعوبته ومرارته ومعاناته.. ألم أقل لك يا وطن يجب أن تصحو؟!

المصدر : صحيفة المصري اليوم

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تصحو يا وطن هل تصحو يا وطن



GMT 08:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كتاب الشارقة: طبيب الأطباء

GMT 05:36 2019 الجمعة ,10 أيار / مايو

في حضرة العلماء

GMT 07:31 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

تغول السلطة التنفيذية

GMT 04:01 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

حزب الوفد

GMT 01:52 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تكريم السادات

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia