تاريخ ما أهمله التاريخ طقوس اجتماعية

تاريخ ما أهمله التاريخ: طقوس اجتماعية

تاريخ ما أهمله التاريخ: طقوس اجتماعية

 تونس اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ طقوس اجتماعية

بقلم : مصطفى الفقي

كتبت منذ سنوات مقالين أولهما بعنوان (حفلات الزفاف) والثانى بعنوان (صفحة الوفيات)، وعالجت فى المقالين جزءاً كبيراً من تقاليدنا العتيقة وأفكارنا البالية وخلصت من المقالين إلى أننا بحاجة إلى أساليب أفضل للتعبير عن الفرح والحزن، كل منهما فى مناسبته، فضجيج حفلات الزفاف يرهق الأعصاب ويصم الآذان حتى أصبح حضورها عبئاً على كل مدعو لها، أما الوفيات فحدث ولا حرج، فقد أصبحت استعراضاً للثروة والسلطة بشكل يحتوى تجاوزات غير محدودة، ويكفى أن نقول إن كثيراً من مناسبات العزاء يجرى تصويرها بالفيديو والكاميرات الكبيرة على نحو يدعو إلى الدهشة ويثير الاستغراب، ولقد سعيت إلى كلية الحقوق عصر الحادى والعشرين من هذا الشهر، عندما بلغنى نبأ وفاة الدكتور «يحيى الجمل»، أستاذ القانون الراحل، بتاريخه العريض فى ميادين القانون والسياسة والمجتمع، وعندما وصلت إلى كلية الحقوق جامعة القاهرة، حيث تخرج الجنازة من هناك وجدتها قد سبقتنى بدقائق قليلة إلى المدافن للحاق بآخر ضوء قبل غروب شمس ذلك اليوم، وقد كانت تربطنى بذلك الرجل الذى ترك بصمات فى ميادين مختلفة صلات متعددة، لعل أولها وأغربها أننى حضرت مناقشة رسالته للدكتوراه عام 1963، وكان ممتحنوه هم الثلاثى الشهير فى القانون الدولى من جامعات «القاهرة» و«عين شمس» و«الإسكندرية»، الأساتذة «سلطان» و«غانم» و«أبوهيف»، وقد سجل هو فى مذكراته قصة حضورى لمناقشة رسالته وأنا فى السنة الأولى لكلية الاقتصاد التى كانت ضيفة فى مقرها حينذاك على مبنى كلية الحقوق، كما كان رئيساً للصالون الثقافى العربى الذى شاركناه فى تأسيسه منذ عدة سنوات، أعود لوصولى إلى كلية الحقوق للمشاركة فى تشييع جنازته، فإذا بالصحفيين والمصورين موجودون يطاردون الشخصيات الموجودة للتصوير والتسجيل بصورة لم تكن معهودة من قبل، ولعن الله من وضع الكاميرات فى الهواتف المحمولة، فلقد أرهقنا هذا الاختراع وكلفنا الكثير من الجهد والوقت، وإذا انتقلنا إلى صفحات النعى فسوف ندهش لكم المعلومات المتاح من عمود إعلان الوفاة، وقديماً تمكنت استخبارات أجنبية من الحصول على ثروة معلوماتية عن بعض الشخصيات المهمة عسكرياً وأمنياً وسياسياً من خلال تلك الإعلانات التى تسجل شبكة مركبة من الأقارب والأصهار والأنساب والتى يتزين بعضها بلقب (الشريف) الذى يذكرنى بالنظام الإقطاعى فى العصر الأوروبى الوسيط. أما لماذا أكتب ذلك الآن؟، فلأننى أدعو إلى توجه جديد فى طقوسنا الاجتماعية واحتفالاتنا السعيدة والحزينة على حد سواء، ولعلى أطرح بعض التصورات التى تتواءم مع المستقبل وما يحفل به من قضايا وآراء لم تكن مطروحة فى عصور مضت، وذلك من خلال الملاحظات الآتية:

أولاً: إننى أعبر عن دهشتى من المبرر الذى يدفع إلى استمرار المصافحة عند العزاء دخولاً وخروجاً، فأنا أتصور أنه عندما يتقدم شخص نحو أهل الراحل وذويه فإنه يصافحهم مردداً كلمات العزاء والدعاء بالصبر ثم يجلس مستمعاً إلى القرآن، ولكن ليس ثمة مبرر لتكرار المصافحة وترديد ذات العبارات عند الخروج، فمواساة واحدة فى المناسبة الواحدة تكفى، ولقد لاحظت كيف يكون أهل الفقيد مرهقين متعبين ولكنهم مطالبون برؤية نفس الوجوه مرتين فى أقل من ساعة، وعندما تزدحم القاعات ألاحظ تداخل طابور القادمين مع طابور الخارجين، فيصبح من يتلقون العزاء فى وضع لا مبرر لحدوثه وينسحب الأمر ذاته على العزاء أيضاً فى الكنائس كما هو، لأن «جينات» المصريين واحدة.

ثانياً: هناك عادة وفدت علينا ولم تكن متجذرة فينا وأعنى بها التقبيل عند السلام، خصوصاً فى مناسبات الأفراح والعزاء، وهو أمر يشكل بيئة ناقلة لكل الميكروبات والفيروسات، والغريب أن تلك العادة لم تكن بهذا الشيوع منذ عدة عقود، ولكنها انتشرت بعد ذلك بشكل ملحوظ، حتى إن المرء إذا امتنع عن تقبيل شخص آخر كان ذلك دلالة على نقصان الود وضعف المحبة!، وهو تفسير ظالم لأنه يجعل الأحكام شكلية لا تعبر عن الجوهر، فما أكثر من يقبلون ولكنهم لا يحملون فى أعماقهم الود الحقيقى والمحبة الصادقة، وأنا أهيب بالأستاذ الدكتور وزير الصحة بأن تتبنى وزارته حملة ضد المبالغة فى القبلات أثناء المناسبات المختلفة، خصوصاً أننا فى بداية فصل الشتاء، حيث تنمو الفيروسات وتتكاثر الميكروبات وتأتينا «الإنفلونزا» من كل اتجاه وبعضها محلى والآخر مستورد!.

ثالثاً: إننى أتمنى أن نعيد النظر فى منظومة العادات والتقاليد التى نمضى وراءها، فلماذا لا يتحول حفل الزفاف إلى حفل استقبال هادئ لا تمزقه الأصوات العالية ولا تلوثه الموسيقى الصاخبة، بل يقف العروسان معاً ومعهما ذووهما يستقبلون القادمين للمصافحة والتقاط الصور ثم تمضى السهرة بالموسيقى الهادئة مع عشاء مبكر، بحيث تكون هناك فرصة لتبادل الأحاديث وإجراء حوار ودى بين الحاضرين، لأننا حالياً نجلس حول موائد الأفراح ولا يتمكن أحدنا من محادثة جاره، فالأصوات العالية تدمر الأسماع وتحول دون تبادل الأحاديث ويظل الضيف ينظر حوله بائساً ثم يلتهم بعض الطعام ويتسلل منصرفاً، وقد لا يتمكن من رؤية العروسين بسبب الزحام حولهما ودوائر الشباب الراقص تحيط بهما، إننا بحاجة إلى تنظيم هذه المناسبات، ولكننى أعترف بأننا لانزال مزدوجى الشخصية، فالذى يردد هذه الآراء الجديدة يمضى على ذات الطريق وبنفس الأسلوب الصاخب التى يلوث البصر والسمع فى أفراحهم، وأعترف بأننى قد فعلت ذلك فى حفلى زواج ابنتىَّ رغم ترديدى أفكارا عصرية مخالفة ولكنها بعض الأخطاء التى لا نستطيع الخروج عنها أو الإفلات منها.

هذه خواطر أسوقها لعلنا نعيد النظر جادين فى تطوير أساليب الاحتفال بمناسباتنا المختلفة، والتى طرأت عليها عوامل جعلت منها مباريات للتفاخر والمباهاة وسط شعب فقير فى معظمه يرى ذلك ويسمع من يقول له إن بلدك يحتاج إلى مزيد من الصبر وشد الحزام، فأنت بطل الوطن وشهيده الأوحد!.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ ما أهمله التاريخ طقوس اجتماعية تاريخ ما أهمله التاريخ طقوس اجتماعية



GMT 08:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كتاب الشارقة: طبيب الأطباء

GMT 05:36 2019 الجمعة ,10 أيار / مايو

في حضرة العلماء

GMT 07:31 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

تغول السلطة التنفيذية

GMT 04:01 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

حزب الوفد

GMT 01:52 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تكريم السادات

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia