بقلم : مصطفى الفقي
يأتى العيد لأول مرة هذا العام بعد إجراءات اقتصادية صعبة على الوطن والمواطن، ولكنها كانت ضرورية كالدواء المُرّ، الذى نأمل منه الشفاء، وأصبح المواطن المصرى يعانى من سطوة الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار بمعدلات غير مسبوقة، لأننا ظللنا نستهلك كل ما نريد على (النوتة) إلى أن جاء وقت يتحتم فيه تحديد سعر كل سلعة أو خدمة بتكلفتها الحقيقية، وهو ما اقتضى رفع نسبة من الدعم، فضلًا عن تحرير سعر الصرف، وهى إجراءات سوف تكون لصالح المصريين على المدى الطويل، ولكنها تسبب فى البداية معاناة شديدة خصوصًا بعد التقلبات والاضطرابات التى شهدتها «مصر» منذ اندلاع ثورة يناير 2011 وما تبعها من تغيرات جوهرية فى العقل المصرى وسلوكيات الناس على نحو تجاوز سقوط حاجز الخوف إلى سقوط حاجز الاحترام ذاته، وقد أثرت تلك الأحداث على معدلات الإنتاج واستنفدت معظم الاحتياطى النقدى، وقد حدث ذلك كله فى ظل إرهاب أعمى يحاول أن يضرب فى أنحاء البلاد، بدءًا من الحرب المستعرة فى «سيناء» التى أبلت فيها القوات المسلحة المصرية بلاءً باسلًا بكل المعايير، فضلًا عن الجرائم التى يرتكبها أعداء الله والوطن فى أنحاء البلاد وتقف وراءهم قوى ظلامية تمول الإرهاب وتدعمه وتوفر له الملاذ الآمن وتُسخّر أموالها لحشد الإرهابيين، فى محاولة لإرهاق «مصر» واستنزاف جهودها واستهلاك مواردها، لأنه يعزّ عليهم أن يروا «مصر» صامدة قوية عصية على السقوط بفضل مؤسساتها الراسخة، وفى مقدمتها جيش الشعب صاحب البطولات التاريخية والإنجازات الحالية، ويظل الوطن المصرى يحلم برفاهية سوف تأتيه ولو بعد حين، فبفضل تضحيات شعبه يكون العائد مردودًا إيجابيًا فى النهاية، ولعلى أطرح هنا الملاحظات الثلاث التالية:
أولًا: يظل التعليم هو قضية القضايا، فلا تنمية حقيقية ولا ديمقراطية صحيحة يمكن أن تتحقق ولو بجزء منها دونه، فلننظر إلى التجارب التى سبقتنا والدول التى حققت إنجازات فى هذين المجالين الديمقراطية والتنمية، لنكتشف أن البداية كانت دائمًا هى التعليم، فهو بوابة العصر والطريق إلى المستقبل، وعندما تهاوت العملية التعليمية فى بلادنا وتراجع دورنا الإقليمى وأصبحنا نواجه محنة فى التعليم وأزمة فى الثقافة فضلًا عن تدنى مستوى المعيشة فى ظل انفجار سكانى غير مسبوق، كان طبيعيًا أن تزداد معاناة المصريين، لذلك فالوطن يحلم بتعليم جيد يعيد أمجاد المدرسة المصرية التى يمارس فيها المدرس الوطنى الشريف دورًا يعيد إلى التعليم المصرى جلاله المعتاد ومكانته المعروفة وسمعته الطيبة.
ثانيًا: إن قضية العدالة الاجتماعية كانت ولاتزال وسوف تظل هى قضية القضايا، وتاريخ الثورات المصرية الحديثة يؤكد دائمًا أن المصرى يثور عندما يشعر بغياب العدالة الاجتماعية، ولعل تعلق قطاع كبير من المصريين بالزعيم الراحل «عبدالناصر» بعد ما يقرب من نصف قرن على رحيله سببه أنهم رأوا فيه انحيازًا واضحًا للطبقات الفقيرة وحرصًا شديدًا على تحقيق العدالة الاجتماعية، ورغم بعض أخطاء العصر الناصرى إلا أن معظم المصريين يغفرون له ذلك تحت تأثير اهتمامه الشديد ورعايته الزائدة لقضية العدالة الاجتماعية، وأنا أظن أن ثورة 25 يناير 2011 كانت إشارة واضحة إلى غياب العدالة الاجتماعية وتفاقم حجم البطالة وإهدار الفرص وإغلاق أبواب الأمل أمام ملايين الشباب، وأنا أحسب أن نظام الحكم الحالى يسعى جاهدًا لرعاية الفقراء والمهمشين ومحدودى الدخل من خلال استرداد أراضى الدولة وتعظيم مواردها والبحث فى مصادر جديدة للدخل القومى، خصوصًا أن الحكومة تقتحم مجالات صعبة وتدخل فى (عش الدبابير) دون تردد بعد أن جرى ترحيل مشكلاتنا عبر السنين وتسويف مواجهة الأزمات حتى وصل المواطن المصرى إلى المعاناة التى يدركها حاليًا.
ثالثًا: إن الدور الإقليمى لمصر واحد من الطرق المهمة لصنع الرفاهية التى يحلم بها المواطن، وليس المقصود بالدور الإقليمى هو التورط فى حروب خارج الحدود أو إرسال قوات بعيدًا عن الوطن، ولكن المقصود هو أن تظل «مصر» دولة رائدة وقائدة فى المنطقة، فذلك ما قضت به محكمة التاريخ ومعادلة الجغرافيا ونظرية السكان، كما أننى أغامر فأزعم أن مصر دولة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية ولكنها تعرضت لعقود طويلة من إضاعة الفرص وإهدار الموارد وتجريف الكفاءات، ولقد حان الوقت للقيام بمواجهة تقتحم المشكلات وتخترق الأزمات ولا تكتفى بالشعارات، والدور الإقليمى لنا يجب ألا يكون استنزافا لمواردنا، بل يمكن أن يكون إضافة إليها ودعمًا لها من خلال صنع شبكة مصالح مشتركة بين مصر ودوائر جغرافية ثلاث هى دائرة حوض النيل جنوبًا والدائرة العربية وسطًا ودائرة البحر المتوسط شمالًا، وليس ذلك هدفًا صعب المنال على دولة تملك العقول الواعية وأصحاب الرؤى النيرة والأفكار المبتكرة.
دعونا نحلم للوطن برفاهية قادمة، ولنكسر حاجز التشاؤم وأسوار الإحباط حتى تحلق مصر فى فضاء المنطقة من جديد!
المصدر : صحيفة المصري اليوم