مصر الاشتباك الإقليمى

مصر.. الاشتباك الإقليمى

مصر.. الاشتباك الإقليمى

 تونس اليوم -

مصر الاشتباك الإقليمى

مصطفي الفقي

إن «مصر» دولة فريدة، لا تقبل العزلة بحكم الجغرافيا، ولا تستطيع الانزواء بمنطق التاريخ، إنها بلدٌ مركزى محورى يعطى ويأخذ ويتفاعل مع مجاله الحيوى، خصوصًا أن الحضارة الأخيرة التى وفدت عليها قد سيطرت أيضًا على أكثر من 22 دولة تحيط بها من كل اتجاه، حيث شكلت «العروبة» مع «الإسلام» آخر الرقائق فى تكوين «مصر» الثقافى، لذلك فإن دعاة «مصر» وحدها مع الابتعاد عن غيرها هم واهمون، لأن حركة التطور تحول دون ذلك لأى دولةٍ معاصرة فما بالنا «بمصر» التى يبدو ذلك بالنسبة لها مستحيلاً، ولعلنا نناقش من خلال النقاط التالية مفهوم «الاشتباك السياسى» و«الحوار الدبلوماسى» الذى يجب أن يحكم علاقة «مصر» بالقوى الإقليمية فى «الشرق الأوسط» ونوجز ذلك فيما يلى:

أولاً: إن مصر ليست دولة فقط ولكنها دولة ودور لا تستطيع التخلى عنه أو التضحية به فلقد عرف خبراء «الجغرافيا السياسية» أن «مصر» تقايض بدورها السياسى للحصول على مغنم اقتصادى، ولذلك فإن مسألة «الانفتاح المصرى» ليست قضية قابلة للمساومة أو المقايضة، إن «مصر» بلدٌ يتميز بالاعتدال والوسطية كما أن شعبها اجتماعىٌ بطبعه، متفاعل مع غيره، حريصٌ على أشقائه، كانت أرضها دائمًا ملاذًا لطالبى اللجوء السياسى وملتقى للأحرار وقلعة للمناضلين، لقد خرج منها ـ على سبيل المثال ـ ذات صباح خمسة من قادة حركات التحرير الأفريقية ليقودوا بلادهم منطلقين من الفيلا رقم 5 شارع «أحمد حشمت» بالزمالك حيث مقر «الجمعية الأفريقية» التى كانت تضم عناصر النضال الأفريقى وقتها، أما على المستوى العربى فقد لجأ إليها «السنوسى» من «ليبيا» و«أبورقيبة» من تونس وقادة الثورة الجزائرية فى سنوات النضال الأولى، فضلًا عن استقبالها لملوكٍ عرب وحكامٍ أوروبيين فلقد كانت دائمًا هى الصدر الرحب والمنبر المتاح والقلب الكبير.

ثانيًا: إن موازين القوى ومعايير قيم الدول تقاس بتأثيرها فى محيطها الإقليمى، «فالصين» تقود «شرق آسيا» و«الهند» تتطلع لذلك الدور فى جنوب قارتها، فلكل منطقة من المناطق روحها المختلفة ومزاجها الذى يتشكَّل من العناصر الثلاثة الرئيسية وهى «الزمان» و«المكان» و«السكان»، و«مصر» تحمل فى أعماقها ثقافة «دولة الملتقى» إذ إن عروبتها وأفريقيتها وإسلامها وإطلالتها على شاطئ المتوسط تعطيها جميعًا مذاقًا خاصًا لا يمكن الاستغناء عنه، لذلك كانت «مصر» ولا تزال وسوف تظل مركز ثقلٍ يشتبك دائمًا مع محيطه الإقليمى فى علاقاتٍ استراتيجية تقوم على عناصر مستقرة ومستمرة عبر السنين.

ثالثًا: يتوهم البعض من غلاة الانعزاليين ودعاة التقوقع أن مفهوم «الاشتباك الإقليمى» يعنى الدخول طواعية فى منازعاتٍ وصراعاتٍ بل حروب، وذلك مفهوم يختلف تمامًا عن رؤيتنا لمعنى «الاشتباك الإقليمى» «لمصر»، فنحن لا نريد دولة صدامية مشاكسة يمتد دورها إلى الشؤون الداخلية لغيرها أو العبث باستقرار سواها، إننا لا نريد لها أن تخوض الحروب أو أن ترسل قواتها خارج حدودها إلا لضرورة تتصل بأمنها القومى ومصالحها العليا، فقد انقضى عصر «الذراع الطويلة» «لمحمد على» و«جمال عبد الناصر» وأصبحنا فى عصر الذكاء السياسى والدهاء الدبلوماسى والقدرة على توظيف الدور على أفضل ما يكون وأحسن ما يجب، فعندما نقول مثلاً بضرورة عودة العلاقات بين «القاهرة» و«طهران» ـ رغم المحاذير الأمنية واعترافنا بوجود أجندة «إيرانية» ملتوية فى المنطقة ـ فإننا نريد فتح باب الحوار معها وحرمان «إيران» من الانفراد بالتحدث باسم المنطقة دون غيرها بدعوى أنها تتفاوض مع الغرب حول برنامجها النووى بينما هى تتدخل بشكل مباشر فى رسم صورة مستقبل المنطقة فى غيبة «مصر» بل العرب جميعًا، يشاركها فى ذلك «العثمانيون الجدد» فى «تركيا» الذين يرفعون شعاراتٍ إسلامية تاريخية وإن كان مشروعهم يصطدم ولا يتقاطع مع المشروع الإيرانى الذى يجعل «سوريا» و«حزب الله» وبعض الجيوب فى منطقة «الخليج» جزءًا من أولوياته الكبرى. .. إن «الكنانة» كانت دائمًا هى «الرقم الصعب» فى الشرق الأوسط، واجهت الغزاة ودحرت الطغاة ودافعت عن المنطقة حتى خارج حدودها، لأن «مصر» أدركت دائمًا أن الدور الإقليمى مسؤولية تاريخية لا تستطيع التخلى عنها أو التفريط فيها.. إن «الاشتباك السياسى الدبلوماسى» الذى ندعو إليه هو جزء من شخصية الدولة المصرية عبر تاريخها الطويل.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر الاشتباك الإقليمى مصر الاشتباك الإقليمى



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia