مخاوف المسؤولين لماذا

مخاوف المسؤولين.. لماذا؟

مخاوف المسؤولين.. لماذا؟

 تونس اليوم -

مخاوف المسؤولين لماذا

بقلم : مصطفى الفقي

تحدث الكثيرون- بحق أو بغير حق- عن الحكومات المرتعشة، وعجز القيادات فيها عن اتخاذ القرارات اللازمة فى الوقت المناسب بما يضيع فرصًا على الدولة ومواطنيها، ويؤدى إلى اهتزاز صورة المشهد العام، ويؤثر على حجم الاستثمار الأجنبى والمحلى، ويعطى انطباعًا بتراجع هيبة الدولة، ومازلت أتذكر وزيرًا فى إحدى الحكومات التالية لثورة 2011 والذى كان يرفض التوقيع على معظم الأوراق التى تقدم إليه قائلًا: إن الوزيرين السابقين لى مقيمان فى «ليمان طرة»!. وبذلك أصيبت بعض الأجهزة الحكومية ومؤسسات الدولة بشىء من الشلل الوقتى بل والتوقف عن العمل أحيانًا، فتعطلت مصالح الناس واضطربت إلى حد كبير شؤون البلاد والعباد، ليبقى السؤال مطروحًا: كيف حدث ذلك؟ ولماذا؟

1) لقد حدث ذلك نتيجة شيوع قضايا الفساد وانتشار جرائم السطو على المال العام، وما تبع ذلك من سلسلة محاكمات لأولئك الذين أساءوا إلى الوطن واغتصبوا حقوق الطبقات الفقيرة، كما أن المصريين قد رأوا فى الأعوام الأخيرة رئيسين سابقين للبلاد داخل القفص فى المحكمة ووراء أسوار السجون أيضًا، وبذلك وقر فى ذهن الجميع أنه ليس هناك فى النهاية من هو فوق المساءلة أو من هو أقوى من القانون.

2) لقد حدث ذلك أيضًا لأن كثيرًا من المسؤولين اتخذوا من المنصب الوزارى جانبًا واحدًا وهو «التشريف» وغاب عن معظمهم الجانب الأهم وهو «التكليف»، فلم يدركوا أهمية ما يفعلون، وتصور بعضهم أن منصب وزير سابق الذى سوف يلازمه بقية حياته يكفى لكى يعوضه عن متاعب الوزارة وهمومها.

3) لقد حدث ذلك أيضًا نتيجة رغبة معظم المسؤولين فى النأى بأنفسهم عن طائلة الانتقاد الإعلامى الذى يصل إلى حد التجريح أحيانًا وتوجيه إساءات إلى الأسماء والعائلات، وهنا نطالب بالموازنة الدقيقة بين حق الإعلام- المقروء والمرئى- فى ممارسة حق النقد كاملًا وكشف جيوب الفساد بلا مواربة، على أن تكون معلوماتهم مؤكدة وألا تدفعهم الرغبة فى الإثارة وتحقيق السبق الصحفى على حساب كرامة الأبرياء نتيجة المضى وراء الشائعات أو أخذ الأمور بالظنون والأقوال المرسلة والأخبار غير الموثقة.

4) لقد حدث ذلك أيضًا بسبب غياب الشفافية أحيانًا وعدم تقديم تفسيرات مباشرة بصورة تؤدى إلى خروج المسؤول من موقعه دون أن يقول لنا أحد لماذا جرى ذلك؟ ولا لماذا جاء بديله؟! وهنا تكمن حالة الغموض التى تدفع المسؤول إلى الحرص على الابتعاد عن كل ما قد يسبب له حرجًا حتى ولو كان ذلك يؤثر على المصلحة العامة.

5) لقد حدث ذلك أيضًا بسبب ضعف الحياة الحزبية فى «مصر»، وحالة «الانفصال الشبكى» بين مجلس النواب المنتخب والشارع السياسى، وبذلك انعدمت خطوط الاتصال بين الجانبين بصورة أفرزت حالة الارتجاف لدى المسؤولين فى كل القطاعات، وكلما ارتفعنا إلى أعلى زادت المخاوف واستبدت الشكوك.

إن ما أريد أن أذهب إليه هو التأكيد على أن الثقة المفقودة بين المسؤولين والمواطنين فى جانب، وبين المسؤولين والأجهزة الرقابية فى جانب آخر قد أدت، فى مجملها، إلى حالة من الالتباس التى بدأنا نشعر بها فى السنوات الأخيرة، خصوصًا عندما يأتى المسؤول من القطاع الخاص تلاحقه شائعات حول مصالحه الشخصية وارتباطاته فى عمليات استثمارية ومصالح تجارية، وأنا أدعو هنا مخلصًا إلى التمسك بالملاحظات الثلاث التالية:

أولاً: ضرورة التدقيق فى اختيار المسؤولين، وأن نتوقف عن الدفع بالبعض إلى مواقع ليسوا أهلًا لها بدعوى غياب الكفاءات أو اعتذار أصحاب الخبرات أو التعجل فى التغيير دون مبرر، إذ إن قصر مدة وجود المسؤول فى الموقع قد أدت إلى حالة من الارتباك على جميع الأصعدة، فليس المطلوب أن نمضى بأسلوب ما كنا عليه قبل ثورة 2011 من استمرار الشخص فى موقعه عشرات السنين، وعلى الجانب الآخر أيضًا فإننا لا نتحمس لقصر مدة المسؤولين فى مواقع السلطة بحيث لا يتمكنون من الوفاء بالتزاماتهم، خصوصًا الوزراء منهم.

ثانيًا: إن المسؤول الذى يتمتع بثقة فى ذاته وفى وطنه وفيمن حوله سوف يكون قادرًا على حسن الأداء وتحقيق الإنجاز وترك بصمة تظل دائمة، ولن يتأتى له ذلك إلا برصيد من المعرفة وتراكم الخبرة مع مسحة مطلوبة من الوعى السياسى وفهم طبيعة الحياة العامة وظروف الوطن وما يمكن أن يؤديه وفاءً بالتزام قبوله المهمة التى أوكلت إليه، وسوف يكون مثل هذا المسؤول الواعى اليقظ الذى حظى بحد أدنى من التربية السياسية قادرًا بالضرورة على مواجهة الانتقادات دون حساسية مفرطة ودون فزع لا مبرر له، فالاختلاف فى الرأى ليس مبررًا للانفلات الأخلاقى أو تبادل الإساءات، فالمسؤولون فى كل بلاد الدنيا معرضون للنقد، ولكنهم يدركون أن ذلك جزء من طبيعة عملهم، وأنه لا غرابة أبدًا فى أن توجه إليهم الأسئلة والاستجوابات، وأن تنشر الصحافة، وأن يذيع «المذياع»، وأن يصور «التلفاز»، إذ إن من يتعرض للعمل العام لابد أن يملك جلدًا سميكًا حتى لا يفرط فى الحساسية ولا يقع فريسة التأثر الشديد.

ثالثًا: إن شعور المسؤول بأن الأجهزة الرقابية تتابع ما يدور قد يكون تأمينًا له وتحصينًا لشخصه ضد مذاهب الفساد المحتملة أو التلاعب على حساب الصالح العام، فــ«الرقابة الإدارية» وغيرها من أجهزة تأمين مصالح البلاد يمكن أن تكون عونًا للمسؤول وليست قيدًا عليه، شريطة أن يكون قادرًا على الرد عند اللزوم وحماية مرؤوسيه إن اقتنع بأنهم أبرياء، فالكل يعمل فى النهاية من أجل وطن ينتمى إليه الجميع.

إننى أكتب هذه السطور فى مواجهة واضحة للأيدى المرتعشة، ورغبة حقيقية فى الدعوة إلى مناخ صحى يعمل فيه المسؤول الشريف بثقة وجرأة دون تردد أو خوف، لأنه لا يصح فى النهاية إلا الصحيح.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخاوف المسؤولين لماذا مخاوف المسؤولين لماذا



GMT 08:20 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

كتاب الشارقة: طبيب الأطباء

GMT 05:36 2019 الجمعة ,10 أيار / مايو

في حضرة العلماء

GMT 07:31 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

تغول السلطة التنفيذية

GMT 04:01 2018 الجمعة ,21 أيلول / سبتمبر

حزب الوفد

GMT 01:52 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تكريم السادات

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia