محمود عزب

محمود عزب

محمود عزب

 تونس اليوم -

محمود عزب

مصطفى الفقي

انصرف عن عالمنا دون استئذان، رحل عن دنيانا على غير توقع، عالم أزهرى عصرى جليل، ارتبط بالإمام المستنير «أحمد الطيب» شيخ الأزهر، حيث عاش كل منهما فترة فى «مدينة النور» «باريس»، ولعلى أقول صراحة إن «محمود عزب» كان جزءاً من المبادرات الإيجابية التى أطلقها الإمام الأكبر فى عهده وأولها إنشاء «بيت العائلة» الذى كان «محمود عزب» هو «الدينامو» المحرك لمجلسه ولجانه، كما أنه هو أيضاً القاسم المشترك فى اللقاءات الدورية التى ضمت علماء «الأزهر الشريف» مع عدد من المفكرين والمثقفين من مسلمين ومسيحيين والتى خرجت عنها «وثائق الأزهر التاريخية» التى صاغها الناقد الأدبى الكبير «د.صلاح فضل» وتركت أثراً إسلامياً ودولياً بغير حدود ـ وليت هذه الاجتماعات تعود ـ وقد كان «محمود عزب» هو القوة المحركة لهذه الاجتماعات ومستشار الإمام الأكبر فيها، ولعلى أظن أن خسارة «مصر» و«الأزهر الشريف» برحيل ذلك العالم المستنير هى خسارة فادحة وفى توقيت نبدو فيه أحوج ما نكون لمثل عقليته ووضوح رؤيته، فلقد تخرج الرجل فى كلية «اللغات والترجمة» «بالأزهر الشريف» وأجاد اللغة الفرنسية كأهلها ودرس الفلسفة الإسلامية وغيرها من علوم الدين وأمضى فى «باريس» سنوات طويلة كان فيها شعلة مضيئة للثقافة الإسلامية العربية بل والمسيحية الغربية أيضاً ورمزاً للاستنارة العصرية فى عاصمة الإمام المجدد «محمد عبده» وتزامن وجوده هناك مع صفوة المثقفين المسلمين والعرب والفرنسيين، فكان ضيفاً دائماً على المكتبة الثقافية للسفير العراقى المتميز الدكتور«قيس العزاوي»، لذلك أصبح أيضًا ضيفًا على «الصالون الثقافى العربي» الذى أسسه الدكتور «العزاوي» ويضم فى هيئته التأسيسية «يحيى الجمل» و«جابر عصفور» و«صلاح فضل» و«خالد زيادة» و«نصير شمه» و«محمد الخولي» وكاتب هذه السطور،
فكان الدكتور «محمود عزب» هو ضيفنا الذى نعتز بوجوده ونستمع إلى عميق مداخلاته حيث تطل من عقليته المتوهجة أفكاره المضيئة وتحليلاته الصائبة، لذلك فقد «الأزهر الشريف» و«الصالون الثقافى العربي» بل و«الكنيسة القبطية الوطنية» برحيل «محمود عزب» الكثير، فقد كان يتميز بسماحة العلماء والانفتاح على الآخر واحترام معتقدات الغير وتقدير خيارات البشر مهما تعددت واختلفت، إننى شخصياً أشعر بفداحة خسارة صديق عزيز تركنا دون مقدمات فقد كان يهاتفنى منذ أيام فى حديث ودودٍ كعادته لا يخلو من السخرية الراقية وفقاً لطبيعته، ولكن آخر مرة التقيته كانت عندما عقد «الصالون الثقافى العربي» جلسة لتكريمى شخصياً بمناسبة «الزحف نحو السبعين» واحتشد لها رموزٌ فكرية من أمثال «سيد ياسين» و«حسن حنفي» و«حسن نافعة» والأخوان «مغيث» و«حسين عبد القادر»، فضلاً عن مؤسسى الصالون الكبار ويومها تحدث عنى الراحل الغالى حديثاً عميقاً سوف يكون متضمناً فى كتاب يصدره الصالون فى عيد ميلادى السبعين، ولابد أن أسجل هنا أن «محمود عزب» كان هو جندى المطافئ فى الأحداث الطائفية وكان هو مركز الثقل فى الحوارات الثقافية متحدثاً رسمياً باسم الإمام ملماً بفكر ذلك القطب الصوفى الكبير الذى يجلس على قمة «الأزهر الشريف»، كما كان صديقاً لكل الكنائس الوطنية والأجنبية معروفاً برحابة الصدر وتواصل المودة، لا يعرف التزمت ولا يقبل التعصب ولا يميل إلى التشدد بل كان صورة مشرقة لسماحة الإسلام وانفتاحه، كما كان مبعوثاً مشرفاً فى المؤتمرات الدولية والمحافل العالمية يمثل «الأزهر الشريف» خير تمثيل ويقدم النموذج العصرى لرجل الدين الإسلامى كما نريده.. إن رحيل «محمود عزب» خبر حزين وخسارة فادحة للدين وللوطن ولى شخصياً، وأنا أعزى فيه إمامنا الجليل شيخ الأزهر وعلماءه وأساتذته وطلابه وأسأل الله فى هذا الشهر الكريم أن يعوضنا عن رحيل «محمود عزب» الذى شعرت عندما نعاه الناعى بأن جزءاً عزيزاً يجرى انتزاعه من قلوب وعقول أصدقائه ومحبيه وعارفى فضله.. رحمه الله.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمود عزب محمود عزب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia