عندما ضاع حذائى

عندما ضاع حذائى!

عندما ضاع حذائى!

 تونس اليوم -

عندما ضاع حذائى

مصطفي الفقي
مصطفي الفقي

ذكرنى لقاء جرى فى «بيروت» منذ أسابيع بينى وبين الشاب العراقى «منتظر الزيدى» والذى حكى لى فيه تفاصيل تلك الواقعة الفريدة فى التاريخ السياسى المعاصر، عندما قام ذلك الشاب برشق الرئيس الأمريكى السابق «جورج دبليو بوش» بحذائه الذى اشتراه من «مصر» من أحد محلات «حى الهرم» عندما كان فى زيارة لـ«القاهرة» قبل الواقعة بأيام قليلة، وكيف اهتزت وكالات الأنباء العالمية لذلك الحادث الفريد الذى جعل حذاء «منتظر الزيدى» واحدًا من المعالم التاريخية الضائعة، لأن الذين اعتقلوه فور وقوع الحادث وأصابوه إصابات بالغة كانوا حريصين على التخلص من الحذاء بتقطيعه وإلقاء أجزائه فى أماكن غير معروفة، خشية أن يبقى علامة تاريخية على ذلك الحادث الفريد الذى جرى فى مؤتمر صحفى مشترك بين الرئيس الأمريكى السابق ورئيس وزراء «العراق» حينذاك «نورى المالكى»، وقد كان يمكن أن تتهافت المتاحف العالمية والعربية لاقتناء حذاء «منتظر الزيدى» الذى اشتراه من محل أحذية فى «شارع العريش» عندما كان يزور «الأهرامات»، لقد ذكرنى ذلك الحوار العروبى والإنسانى مع ذلك الشاب العراقى الذى كانت دوافعه وطنية بحتة وليست جزءًا من أى «أجندة» طائفية أو حزبية ولكن لمشاعره القومية، لقد ذكرتنى تلك الحادثة التى لا تخلو من تفرد وطرافة بعلاقتى مع «الأحذية» فأنا أعانى من تسطح شديد فى القدمين كان سببًا فى خروجى من الخدمة العسكرية بعد خمس شهور من بدايتها فى أعقاب نكسة 1967 لذلك فإننى أرتدى أحذية طبية مريحة، وفى رأيى أن الإنسان العاقل يرتدى من الملابس ما يعجب الناس إلا «الحذاء» فهو مضطر لأن يلبس ما يريحه هو دون أى اعتبار آخر، وأنا أذكر أننى ارتديت حذاءً جديدًا ذات يوم وبعد خروجى من المنزل بفترة شعرت بضغط شديد على القدم وآلام حولتنى إلى شخص عصبى لأكثر من ساعتين أكاد لا أتنفس، فكان أن طلبت من سائقى التوجه إلى أقرب محل أحذية واشتريت حذاءً بديلًا أكبر بدرجتين حتى أعوض الضيق الذى شعرت به فى الحذاء الأول والذى أعطيته للسائق هدية جديدة فرح بها كثيرًا وكان يستفزنى مازحًا قائلًا إنه أغلى «حذاء» ارتداه وإنه يشعر براحة شديدة فيه، ومنذ ذلك اليوم تعلمت أيضًا ألا أرتدى حذاءً جديدًا وأنا مسافر أو فى مهمة تقتضى العمل الشاق أو التركيز، إذ لابد من ترويض «الحذاء» فى نزهة خفيفة أو تمشية معقولة قبل الاعتراف به رسميًا «حذاءً» قابلًا للاستخدام فى أى وقت! وعندما خضت تجربة الانتخابات النيابية فى مدينة «دمنهور» كان التحذير الذى تلقيته من بعض المحيطين بى هو ضرورة الحذر من فقدان «الحذاء» عندما نغشى المساجد لأن الجولات الانتخابية كانت تقتضى أداء الصلوات الخمس جماعة فى واحد من مساجد المدينة وكانوا يخشون من لعبة معتادة يقوم بها الخصوم بسرقة أو إخفاء حذاء المرشح المنافس حتى يتحول إلى أضحوكة أمام الجميع ويصبح مثارًا للتندر والسخرية، لذلك كان يمضى معى أحد الشباب من أقاربى يحمل كيسًا فارغًا من البلاستيك يضع فيه الحذاء فور خلعى له عند باب المسجد ويعيده لى بعد انتهاء الصلاة، ومع ذلك وبعد أن انتهت الانتخابات وجئت فى صحبة الدكتور «أحمد عمر هاشم» لافتتاح أحد المساجد الجديدة التى شاركت فى ترتيب التمويل لها والإشراف على تشطيبها خرجت مع الدكتور «أحمد عمر هاشم» بعد صلاة الجمعة من ذلك المسجد لنجد أن الأحذية قد اختلطت مع بعضها وتاه حذائى وشعرت بالحرج وأمضينا نصف ساعة أو ما يزيد نبحث عن الأحذية ونوفق بين «الفردة» اليمين والشمال حتى وصل كل منا إلى حذائه وكان الأمر مثارًا للسخرية وخبرًا مضحكًا فى نوادر الصحف!. وذات يوم منذ عشرين عامًا كنا مدعوين على الإفطار فى شهر رمضان بمنزل أمير سعودى فى «مصر الجديدة» وكان زميلى الراحل السفير «صلاح هنداوى» من الحاضرين وصمم مع مجموعة قليلة من الموجودين على أداء صلاة المغرب قبل تناول الإفطار، ثم عاد بعد ربع ساعة وقال إن حذاءه قد اختفى. وأضاف لى أن المؤمن مصاب، فلأننى حرصت على الصلاة ضاع «الحذاء» أما أنتم الذين أجلتم الصلاة إلى ما بعد الإفطار فأنتم تنعمون بأحذيتكم. وأضاف: يا إلهى إنها حكمتك! وعندما كنت أعمل فى السفارة المصرية فى «الهند» كان السفير هو الدكتور «نبيل العربى» الذى فوجئ بعد خروجنا من إحدى المناسبات التى كان ينظمها السفير «حسن نعمة» سفير دولة «قطر» حينذاك ــ وهو مثقف مرموق ــ ويدعونا إلى الجلوس على الأرض بعد خلع «الأحذية» للاستماع إلى الموسيقى الهندية الكلاسيكية، وقد خرج السفير المصرى ليجد أن حذاءه الجديد الأنيق قد فُقد ولم يبق من الأحذية فى نهاية الاحتفال إلا حذاء متواضع تركه صاحبه بديلًا لحذاء السفير الذى استسلم للقدر حتى أرسلوا له أحد أحذيته الأخرى من منزله، والغريب أن السفير رأى الحذاء بعد ذلك بأيام فى قدم أحد الهنود مصادفة ولكنه رفض أن يحدثه فى الأمر حياءً وتأدبًا! أما قصتى الأخيرة مع الأحذية فهى عندما طلب منى الرئيس الأسبق «مبارك» ضرورة الذهاب معه لأداء صلاة العيد فى مسجد سيدنا «الحسين»ــ رضى الله عنه ــ فما إن انتهت الصلاة حتى قيل إن الرئيس سوف يتفقد المقصورة الجديدة التى أقامتها إحدى الطوائف الدينية الآسيوية تكريمًا لـ«سيد الشهداء» ورأيت أن الأمر سوف يستغرق عدة دقائق فبدأت التجول فى صحن المسجد أستمتع بذلك الجو الروحى فى تلك الساعة المبكرة من الصباح، حيث بدأت أشعة الشمس تتسلل من النوافذ، وما هى إلا دقائق قليلة حتى بدأت صفارات الموكب الرسمى تعلن عن بدء تحرك الرئيس وكان علىَّ أن أختار بين الذهاب إلى حيث حذائى لكى أسترده أو أن أهرول إلى سيارتى حافيًا ضمن ركاب الرئاسة حتى لا أتخلف عنهم، وبالفعل اخترت ذلك وفقدت حذائى فى يوم عيد، وكان الأمر محل تندر فى أوساط الرئاسة بل من الرئيس شخصيًا.. تلك بعض طرائف علاقتى بـ«الحذاء» عبر السنين!.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما ضاع حذائى عندما ضاع حذائى



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia