خطورة ما يجرى فى اليمن

خطورة ما يجرى فى اليمن

خطورة ما يجرى فى اليمن

 تونس اليوم -

خطورة ما يجرى فى اليمن

مصطفى الفقي

شغلتنا أحداث متتالية فى الأيام الأخيرة، فمن الأحداث الدامية فى الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، إلى رحيل الملك العربى الكبير «عبدالله بن عبدالعزيز» إلى زيارات الرئيس «السيسى» الخارجية، شغلتنا هذه الأخبار عن أحداث جسام تجرى على أرض «اليمن» وفى كل محافظاته، وهى توحى لمن يعرف تاريخ المنطقة جيداً، أننا مقبلون على قلاقل واضطرابات فى ذلك البلد ذى الأهمية الاستراتيجية له وللدول المجاورة، بل لدائرة كبرى تشمل دولاً أخرى تتأثر بما يجرى هناك، ولعلنا نقدم ملاحظات مبدئية تساعد على فهم ذلك الصراع الذى يشتعل فوق أرض «سبأ» ونوجزه فى النقاط التالية:

أولاً: إن ما يجرى هو جزء من الصراع «الفارسى العربى» ولا أقول الصراع «الشيعى السنى»، لأن الواقع هو أن الأجندة الإيرانية تعتمد على العامل القومى فى جوهرها، وتستثمر العامل الدينى فى ظاهرها، ولا يخفى على أحد أطماع «إيران» فى الخليج العربى، بدءاً من اقتناص الجزر «الإماراتية» الثلاث، مروراً بدورها فى دولة «البحرين»، وصولاً إلى زرع القلاقل فى شرق «المملكة العربية السعودية»، وهنا لابد من التأكيد على أن «الشيعة العرب» هم جزء لا يتجزأ من النسيج العربى وأن مذهبهم «الشيعى»، بما فى ذلك «الشيعة الزيدية»، لا ينتقص من عروبتهم، بل هم من أكثر العرب دفاعاً عن التراب القومى، ويكفى أن نتذكر أن «شيعة العراق» حاربوا مع «صدام» ضد «إيران» لأكثر من ثمانى سنوات، لذلك فإنه لا تشكيك فى عروبة «الشيعة العرب»، خصوصاً أن تشيعهم بدأ منذ واقعة التحكيم خلال سنوات الفتنة الكبرى، مع انتهاء عهد «الخلفاء الراشدين»، وذلك يسبق تشيع «الدولة الصفوية» فى «إيران» بعدة قرون، لذلك فإن مواجهتنا للمد «الفارسى» لا يجب أن تمس بأى حال مكانة «الشيعة العرب» ودورهم القومى.

ثانيا: إن «اليمن» منقسم بطبيعته بين «شوافع» «وزيود»، ولم تكن القضية مطروحة تاريخياً فى ظل حكم الأئمة ولا بعدها، ولكن الصراع السياسى فى العقد الأخير قد أيقظ الفتنة الكامنة فى الجسد اليمنى، وأدى إلى ارتباك الوضع فى «اليمن» فى ظل حكم «على عبدالله صالح» الذى امتد طويلاً واتسم صاحبه بالدهاء والخبث والقدرة على المناورة، حتى إنه حارب «الحوثيين» فى البداية بدعم سعودى، ولكنه يبدو الآن حليفاً لهم، فتلك هى شخصيته المراوغة وأسلوبه للبقاء فى مربع السياسة اليمنية ولو من بعيد، ولقد انكشف أمره مؤخراً، حتى إن السلطات السـعودية أعلنت رفضـها لاستقباله عندما طلب المشاركة فى عزاء وفاة «خادم الحرمين الشريفين» الملك «عبدالله بن عبدالعزيز».

ثالثا: إن المخاطر لا تقف عند حدود «اليمن» واستقرار وحدته الوطنية، بل إن الأمر يتجاوز ذلك ليصل إلى المتغيرات الاستراتيجية المرتبطة بما جرى فى «اليمن»، إذ إنه فضلاً عن احتمالات التقسيم وانفصال «اليمن الجنوبى» مرة أخرى، فإن تحولاً كبيراً له أبعاده «الاستراتيجية» و«الجيوسياسية» سوف يلحق بمنطقة شديدة الحساسية، وأعنى بذلك التأثيرات المحتملة على وضع «باب المندب» والسيطرة عليه، وكأن «إيران» لا تكتفى بوضعها المتميز فى مضيق «هرمز» وتريد أن تخنق المنطقة العربية من جوارها الأفريقى بالتحكم فى «باب المندب»، وبالتالى فى «البحر الأحمر» كله، خصوصاً بشواطئه من الدول العربية المطلة عليه وهى «السعودية» و«مصر» و«السودان»، بل «الأردن» أيضاً، وسوف يستطيع من يسيطر على «باب المندب» أن يتـحكم فى «قناة السويس» هى الأخرى، ولذلك فإن خطورة ما يجرى فى اليمن ليست كما تبدو أمامنا، فتلك هى قمة جبل الجليد، ولكن أعماقه تنطوى على أضرار بالغة يمكن أن تلحق بدول الخليج، بل الدول العربية كلها.

رابعا: إن المقاتل اليمنى من الجانبين شديد المراس بحكم تاريخه، مناور وعر، مثل طبيعة بلاده الجبلية، ومعتاد على الكر والفر، وليس سراً أنه أرهق جيش «عبدالناصر» فى بعض فترات الوجود العسكرى المصرى فى اليمن، لذلك فإن المعارك الطاحنة إذا بدأت فإن الحرب الأهلية لن تضع أوزارها قبل عشرات السنين، فنحن أمام بقعة ملتهبة من العالم العربى سوف تؤدى إلى قلاقل مباشرة على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، مع امتدادات قلقه إلى دول الخليج العربى، ويكفى أن نتذكر أن بعض مقاتلى داعش يتنادون بالتدفق على اليمن عند اللزوم، إذ إنهم - رغم اختلاف المذهب مع «الحوثيين» - فإن لديهم الالتقاء فى الأهداف المعادية لاستقرار المنطقة وسلامتها، مع الرغبة الدفينة فى تقسيم أقطارها، إنه التعاون المشترك بين تلك القوى المناوئة للنظم العربية الحالية، إذ إننا أمام مخطط طويل، ويكفى أن نتذكر أن مسؤولاً إيرانياً قد قال عند وصول «الحوثيين» إلى «صنعاء»: لقد تحقق لنا سقوط العاصمة العربية الرابعة، وهو يقصد نفوذ بلاده المتواجد فى «بغداد» و«دمشق» و«بيروت»، ولا شك أن حصار «مصر» من كل اتجاه هو غاية تسعى إليها قوى مناوئة للانطلاقة المصرية والدور المركزى المحورى الذى تلعبه مصرـ فى ظل أوضاعها الجديدةـ إقليمياً ودولياً.

إننا ندق ناقوس الخطر، لكى نقول إن صفارات الإنذار الصادرة من الركن الجنوبى الغربى للقارة الآسيوية، تمثل هاجساً عربياً ودولياً يستحق الاهتمام الشديد والمتابعة المستمرة والتشاور الدائم، لأن القضية ليست هى سقوط «اليمن» فقط ولكنها محاولة لتغيير المعطيات السياسية والجغرافية فى الوطن العربى كله.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطورة ما يجرى فى اليمن خطورة ما يجرى فى اليمن



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia