مصطفى فحص
تواجه موسكو بتدخلها في سوريا واقعا ديموغرافيا صعبا ومعقدا، لا يمكنها الالتفاف على ثوابته الدينية والعرقية، خصوصا بعد أن وضعت نفسها في مواجهة الأغلبية العربية والإسلامية في المنطقة، هذه المواجهة التي حذرها منها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أثناء زيارة ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان إلى سوتشي ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد أوضح الجبير لنظيره الروسي لافروف مخاوف الرياض من أن تعتبر هذه العملية تحالفا بين إيران وروسيا. فالتفسير الأوضح لما قاله الجبير في سوتشي، هو أن شعوب المنطقة تعتبر تدخل روسيا في سوريا دعما لإيران في وجه العرب، وأن لمثل هذا الخيار عواقب كثيرة.
قبيل وصول الأمير محمد بن سلمان إلى سوتشي حاول فلاديمير بوتين إبعاد تهمة الحرب الدينية عن تدخله في سوريا، وأعلن أن بلاده ليست بصدد حرب مقدسة، وكأنه أراد لحظتها تطمين زائره الكبير بأن العمليات العسكرية الروسية الجارية في سوريا هي فقط ضد الإرهاب، ولكن وفقا للتعريف الروسي له، الذي يشمل كل المعارضين لبقاء نظام الأسد، وهو ما يرفضه ضيفه السعودي وحلفاؤه في المنطقة والعالم.
الضربات الروسية لفصائل المعارضة السورية باتت تثير حفيظة عواصم عربية وإقليمية وعالمية، ولم يعد بإمكانهم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذا الإصرار الروسي على عدم التمييز المقصود بين فصائل المعارضة المسلحة وإرهابيي «داعش»، وأصبحوا مضطرين للتدخل من أجل حماية المعارضة، وحفاظا على التوازنات الميدانية، باعتبار أن ضرب مواقع المعارضة السورية، وتأمين غطاء جوي للهجوم البري الذي تخوضه الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، ومن تبقى من جيش النظام، هو انحياز روسي واضح ضد مصالح الأغلبية السورية والعربية والإسلامية، وبمثابة دعم صريح لإيران المتهمة بزعزعة الاستقرار في المنطقة، واستخدام الورقة المذهبية للدفاع عن نفوذها.
خلاصة الموقف وتقديره من لقاء سوتشي إلى اليوم، أن الرياض خيرت موسكو، إما الأسد وإيران وإما السوريون والعرب، الذين أيضا يستطيعون الحفاظ على المصالح الروسية في سوريا والمنطقة، كما قدمت الرياض الفرصة لموسكو بأن تكون شريكا في الحرب على الإرهاب، وأن تلعب دورا حاسما في إنهاء النزاع السوري، ضمن مقررات «جنيف 2»، إلا أن حصيلة قرابة الشهر من التدخل الروسي لسوريا، تشير أغلب معطياته إلى اتجاه روسي نحو الانحياز إلى الجانب الإيراني!
عمليا، ليس سهلا على موسكو أن تختار، فهي تعي أنه من دون الميليشيات الإيرانية على الأرض، لا يمكن لنظام الأسد تحقيق أي تقدم، وهي بحاجة ماسة لتحقيق نصر ما وبأي وسيلة، من أجل تعزيز موقعها على طاولة التسويات، كما لا يمكن إغفال الحيز الذي تؤمنه لها إيران في العراق ولبنان، مما يعزز من مكانتها الدولية، ويلبي طموحاتها في ملء الفراغ الأميركي، جراء تفريط باراك أوباما بموقع واشنطن بالمنطقة.
هذا الخيار يضع موسكو في مواجهة مع أغلبية العرب، الذين باستطاعتهم تحويل الطموحات الإيرانية الروسية في سوريا إلى مجرد أمنيات، من خلال دعمهم المتصاعد لفصائل المعارضة، وتعلم موسكو جيدا ألا سلام في سوريا من دون الرياض وحلفائها، وأن معضلة «داعش»، يبدأ تفكيكها بالشراكة أولا مع الدول الإسلامية ذات الحساسيات السنية، بينما إشراك إيران يزيد من حدة التطرف والإرهاب، الذي لم يعد مستبعدا أن يطل برأسه من جمهوريات شمال القوقاز، أو أن يحرك خلاياه في دول آسيا الوسطى الإسلامية.
أوقعت موسكو نفسها بالحيرة، فالتمايز عن الموقف الإيراني في سوريا له عواقبه، بينما وضعها مسار عملياتها العسكرية في وجه الخيارات السعودية، التي لم تتخل حتى الآن عن المسار الدبلوماسي، ونصحت موسكو بتدوير الزوايا، قبل حشر نفسها في مواقف مكلفة، وبضرورة الاختيار قبل أن يدركها عامل الوقت، الذي سيدفعها إلى مزيد من الانغماس في المستنقع السوري، ليصبح حالها كما المثل الشعبي القائل «يلي بدك تحيره خيره».