دُعاة بريطانيا وقَدَم صلاح

دُعاة بريطانيا... وقَدَم صلاح!

دُعاة بريطانيا... وقَدَم صلاح!

 تونس اليوم -

دُعاة بريطانيا وقَدَم صلاح

بقلم - علي الرز

يُنْشِد مشجّعو نادي ليفربول الإنكليزي العريق أغنيةً خاصة للاعب محمد صلاح ترْبط بين الأهداف التي يُسجِّلُها وبين وعدِ الجماهير بالتحوّل إلى الإسلام وزيارة المَساجد، طبعاً، الآلاف المؤلّفة التي أَنْشَدَتْ الأغنية لن تتحوّل إلى الإسلام بسبب هدفٍ كروي ولن تتْرك عقائدها وعاداتها وطباعها لأجل قَدَم صلاح التي رَفَعَتْ رؤوس جميع المشجّعين في المدرّجات وأنصار ليفربول في كلّ العالم. لكن الأغنية بحدّ ذاتها أَسْقَطَتْ مستوى البروباغندا المشوِّهة لصورة الإسلام في بريطانيا والغرب عموماً إلى أدنى مستوى، وهي البروباغندا التي سَبَّبَتْها ارتكاباتُ بعض المُسْلِمين والعرب قبل أن نحمّل مسؤوليتَها لوسائل الإعلام الغربية والأحزاب العنصريّة وجماعات الضغط.

شخصٌ واحدٌ، مصري عربي مُسْلِم، ابنتُه اسمها مكة وزوجته محجّبة، ملتزمٌ دينياً وأخلاقياً، ونموذجٌ للاعبِ النظيف رياضياً. يؤدّي الصلاة في أوقاتها ويذهب مع رفاقه الى المسجد كلّ جمعة ويساهم في مساعدةِ الأطفال والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.  هذا الشخص ومن دون أن يُقْحِمَ هويّته لا تصريحاً ولا تلميحاً في الفضاء الإعلامي، حقّق في الرأي العام البريطاني وتحديداً على مستوى الشباب ذوي الرؤوس الحامية ما عجز كبار الدعاة عن تحقيقه لتحسين صورة الإسلام كدينٍ سمح ينبذ العنفَ ويكره التطرّفَ ويعانق التعدّديةَ الفكريةَ والثقافيةَ والاجتماعية.

ظاهرةُ محمد صلاح، أو "مو سلاااااه" كما يحلو للإنجليز لفْظ الاسم، تفتحُ البابَ أمام النموذج الذي كان واجبَ التعميمِ منذ عقودٍ في الغرب. زارَهُم دعاةٌ كثر، بعضهم هَرَباً من سلطةٍ "عربية مُسْلِمة" وبعضهم باتفاقٍ بين الدول. فُتِحَتْ الأبواب لهم ومُنحوا حريةَ التعبير والتعليم. قالوا لتلاميذهم إن الغربي الذي يستضيفهم كافرٌ ومُلْحِدٌ، وان النصراني الذي فَتَحَ قَلْبَه وبيتَه وبلادَه لاستضافتهم من جورٍ وضيم إنما مصافحته وصداقته وطعامه حرام، وإن اليهودي الموظّف في البلدية مثلاً لا يجوز التعامل معه لأنه المسؤولُ عن وعدِ بلفور، ثم تَطوّر الأمر من التكفير والانغلاق وغسْل الأدمغة إلى الإرهاب، فـ جارُك الذي يركب القطار أو الطائرة هو هدفٌ رداً على سياساتِ بعض الدول في الشرق الأوسط. رفاقُك في المدرسة أو الجامعة الذين يشاهدون حفلةً لمطربةٍ مشهورة هم هدفٌ لإعلاء كلمة الإسلام والمُسْلِمين. الاختلاطُ والاندماجُ والعلاقاتُ الإنسانيةُ الموصِلة إلى لغةٍ واحدةٍ مشتركةٍ أمورٌ محظورةٌ تُشْعِرُ مُرْتَكِبَها بالإثم.

ومن مفارقاتِ المرحلة، أن بريطانيا التي تُغَنّي لصلاح هي من أكثر الدول التي استضافتْ "دعاةً" مُسْلِمين، بعضُهم طلب اللجوء وبعضُهم أَرْسَلَتْه دولتُه، وكانت قوانينُها وما زالت تَمْنَعُ حَجْر الرأي والتثقيف الفكري والعقائدي اللهمّ إلا إذا لامَسَ جوانب الكراهية والتحريض على العنف، لكنها وصلتْ إلى مكانٍ ما في هذه "الاستضافة" شعرتْ معها بأن هذه القوانين إنما وُضِعتْ لحماية القيم الحرّة للمجتمع البريطاني لا لحمايةِ دعاةٍ عجزوا عن الخروج من تفاسيرهم الكهفية للإسلام وعمّموا الانغلاقَ على الأجيال الجديدة واستفادوا من قوانين هذه "الدولة الكافرة" لتَجَنُّب العقوبات والمساءلة.

باستثناء قلّةٍ من رجال الدين المحترَمين فهمتْ كيف تُخاطِب الرأي العام البريطاني وتتغلغل في مؤسساته المدنية والقضائية والاجتماعية، إلا أن نتائجَ الآخرين كانت كارثيةً مهما تَفاوتتْ المسؤولياتُ بينهم. فالصامتُ عن الإرهاب وهو في موقعِ المشْيخة لا يقلّ بشاعةً عن المتكلّم الذي أَوْصَل هذا المُسْلِم أو ذاك إلى الإرهاب. بل لا بدّ من الاعترافِ بأن الذين كانوا أكثر شراسة في الفصْل بين الإسلام والمُسْلِمين وبين الإرهابيين المُسْلِمين عقب كل تفجيرٍ هم أعضاء حقوق الإنسان البريطانيين والنخب السياسية والفكرية والثقافية الإنكليزية.

يَفْرَحُ كلّ مُسْلِمٍ بريطاني وكلّ مُسْلِمٍ في بريطانيا بأغاني جمهور ليفربول لمحمد صلاح. يَشعر تحديداً أبناء مدينة مانشستر القريبة من ليفربول بأنه يَمْسَح جراحهم بعد تفجيرِ عربيٍّ لقاعةِ حفلاتٍ وردودِ الفعل الكارِهة لهم ولحِجابِهم ولغتِهم. هذا هو المطلوب فقط، أن تعطي أفضل ما لديك في هذه الدولة. إن كنتَ لاعبَ كرةِ قدمٍ لا تَخْذل جمهورَكَ، وإن كنتَ طبيباً كن الأكثر تَمَيُّزاً ومهارةً، وإن كنتَ مهنْدساً اترك بصمتَكَ في كل شارع ومعْلم، وإن كنتَ أستاذاً دعْ الطلابَ يتنافسون للدراسة عندك، وإن كنتَ محامياً أو قاضياً أو سياسياً أو نائباً أو حزبياً أو إعلامياً أو فناناً فكن الأول واعملّ بكل جوارحك للتقدّم دائماً ... هنا أنت أَفْضل سفيرٍ لانتمائك الديني أو الجغرافي.

مجدداً، الآلاف التي غنّتْ لصلاح لن تعتنق الإسلام او تُجالِسُه في المسجد كما هي كلمات الأغنية الذائعة الصيت، لكنها ساهمتْ قليلاً في تبييضِ صورةٍ لطّخها السواد مراراً، وليس من المبالغةِ في شيء القولُ إن قَدَمَ صلاح الساحِرة قدّمتْ لهذه الصورة ما لم تقدّمه رؤوس الدعاة من أمثال تشودري وبكري وأبو حمزة وأبو قتاده.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دُعاة بريطانيا وقَدَم صلاح دُعاة بريطانيا وقَدَم صلاح



GMT 05:02 2018 السبت ,11 آب / أغسطس

إذلال؟

GMT 06:03 2018 الخميس ,26 إبريل / نيسان

شيعة البراميل... والسفارة!

GMT 06:39 2018 الأربعاء ,28 آذار/ مارس

منصّة صواريخ ... لا دولة!

GMT 04:23 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

... مَن قال ليس حقيبة؟

GMT 14:24 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

والثاني أيضاً قضى شهيداً!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 18:08 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:11 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الميزان الخميس29 -10-2020

GMT 14:42 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

أفكار جديدة وملفتة لديكورات ربيع 2019

GMT 15:25 2019 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

انتحار طالب داخل لجنة للثانوية العامة في الغربية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia