والثاني أيضاً قضى شهيداً

والثاني أيضاً قضى شهيداً!

والثاني أيضاً قضى شهيداً!

 تونس اليوم -

والثاني أيضاً قضى شهيداً

بقلم - علي الرز

تَشارَكا حبّ العمل في إطارٍ منظّم لتحقيقِ ما آمنا أنّه الأفضل لترجمة الآمال وتحقيق الأهداف. مَسَّهُما شعورُ التأثر نفسه من البيئة المغبونة. دخلا الحزب معاً. انغلقا في شرْنقةِ الدعاية الذكية والمنظّمة التي استحضرتْ إهمالَ الدولة وفوقيةَ الشريكِ في الوطن وخطف القرى والبلدات واستخدام شبانها وقوداً لحروب الآخرين. استعرضا وجودهما في صُوَر النصر وقوافل الشهداء وأناشيد العزة ووهْج تكسير أسطورة "الذي لا يُقهر". تَخاتلا في المشي على أرضيةٍ ثابتة من المعنويات وقوة الحضور، فـ جَماعَتُهما تفوز في كل المباريات وأحياناً بلاعبين من الصفّيْن الثاني والثالث.

الأول، "عاش الدور" على أصوله، فالسمع والطاعة لديه يوازيان العقيدة نفسها. تَدرَّج في التدريبات والدورات بفضل الولاء المُطْلَق، وحافظ على سرية الحركة وأماكن الغياب عن الأهل والأصدقاء. وعندما كان يرفع يده هاتفاً للفداء بالروح والدم فإنما يفعل عن قناعةٍ وحلمٍ بأن تَمُنَّ القيادة عليه بوضعه في صفوف المعارك الأولى كي يرفع رأس أهله وأصحابه وقريته وبيئته.

والثاني، اختلف التزامه قليلاً لأنه كان يرى ان الدين نفسه لا يمكن ان يتعارض مع العقل فما بالك بقرارٍ حزبي، وكان يرغب فعلاً بتطوير الولاء على قاعدة القناعات المتنامية إرادياً لا على القرارات المفروضة. رغب في تَقدُّم داخلي وفق الشراكة في الرأي ووجهات النظر لا وفق "السمع والطاعة"، وعندما رفع يده هاتفاً للفداء بالروح والدم إنما فعل باستغرابٍ لأن ساحات الفداء والجهاد والمعارك ليست تلك التي رُسمتْ في عقله ووجدانه عندما اختطّ لنفسه طريق النضال.

الأول، عشق موضوع التسليم بالولاية بصفتها ناظماً حتى لأبسط سلوكياته اليومية، وأدمن تصديق تفاصيلها حتى صارتْ حقيقةً مطْلقة لديه لها قوة الدين نفسه. فما تلقّاه في المدرسة العقائدية هو الصواب وكل ما في هذا العالم خطأ حتى لو أتى من أقرب الناس إليه. وصل الى مرحلة الإنكار والاندماج ... إنكارٌ للذات واندماجٌ في مَدار "التكليف".

والثاني، لم يستطع تَقبُّل ان يصبح "روبوت" يدار بالريموت كونترول. لم يعتقد يوماً ان التكليف يأسر الإرادات وأن الولاية تتكيّف مع المصالح السياسية باسم الدين. تمنّى لو انسجمتْ الأوامر مع القناعات أو راعَتْها ولو في الشكل خصوصاً انه شبّ على ما شاب عليه والداه وأقاربه وأهل قريته ولم يرَ يوماً نفوراً عقائدياً او مَسْلكياً منهم بل سماحةً جاذبةً ووداعةً آسِرةً والتزاماً منْفتحاً استقطبَ الجميع.

الأول، اعتبر التنفيذ من دون نقاش أعلى مراتب الالتزام وأمراً مرتبطاً بقدسيةِ الولاء. لذلك فالعدو ليس المحتلّ او مُغْتَصِب الأرض فحسب بل هو مَن يصنّفه الحزب، سواء كان شريكاً في الوطن أو شقيقاً عربياً خارج الوطن أو أجنبياً في آخر أصقاع الأرض ... إذا صدر أمرٌ بقتله يُقتَل بغضّ النظر عن كونه مظلوماً أو مُسْتَضْعَفاً.

والثاني، اعتبر أن العدو هو المحتلّ، والشريك في الوطن شريك، والشقيق العربي شقيق، والأجنبي ما دام في بلاده لا علاقة لنا فيه، وان العلاقات مع الجميع تحدّدها الدولة والقوانين والدستور طالما ان فريقه نجح في فرْض نظامٍ جديد "صديق للبيئة" التي ينتمي إليها، وان الطاغية في العقائد والأدبيات التي نهل منها يجب ان يُحارَب لا ضحايا الطاغية الذين يشهد الجميع أنهم مضطهَدون ومُسْتَضْعَفون.

الأول، يفضّل توريث أبنائه المعسكرات والمغاور وساحات المواجهة الممتدّة إقليمياً ودولياً. والثاني، يفضّل التوجه العام نحو التعليم وحصْد أعلى الشهادات والمراتب الوظيفية.

الأول، لا مشكلة لديه في القيام بأيّ عملٍ عبر قرارٍ من خارج الحدود يمكن ان يعيد تدمير القرى والبلدات ومعها تعب العمر طالما أن التضحيةَ قاعدةٌ والاستقرارَ استثناء.

والثاني، يرى ان الاستقرار هو أقلّ شيء يمكن تقديمه الى أهالي تلك القرى الذين أَفْنوا حياتهم في الصمود والفداء والتضحية والصبر.

الأول، لا يمانع من الدخول في فرق الاغتيال وتنفيذ الأوامر في أي مكان في العالم. والثاني، يَعتبر ان التاريخ المضيء يجب ألا يلطّخه الانزلاقُ الى أساليب العصابات.

الأول، كُلف القيام بعملية انتحارية لاغتيال شخصٍ قيل له إن وجودَه خطرٌ على المشروع الجهادي الإقليمي. والثاني كُلّف بمساعدته.

الثاني، تَردّد وحاول إقناع المعنيين بأن الأساليب السياسية أكثر من كافية لتطويق أي مبادرة أو مشروع.

الأول، كُلف بـ"التعامل" مع اعتراض رفيقه عبر كاتم الصوت، ومن ثم متابعة تنفيذ المهمة الانتحارية.

في اليوم التالي، تعمّد الحزب عدم استنكار عملية الاغتيال على عكس سوابقه، لكنه أصدر بياناً تأبينياً مشحوناً بعبارات الفخر والمجد والعزاء للشهيد الأول الذي قضى "في ساحات الجهاد ضد العدو". وبياناً مماثلاً، بل أكثر تمجيداً، للشهيد الثاني الذي قضى "في مواجهة التكفيريين"!!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

والثاني أيضاً قضى شهيداً والثاني أيضاً قضى شهيداً



GMT 05:02 2018 السبت ,11 آب / أغسطس

إذلال؟

GMT 06:03 2018 الخميس ,26 إبريل / نيسان

شيعة البراميل... والسفارة!

GMT 06:39 2018 الأربعاء ,28 آذار/ مارس

منصّة صواريخ ... لا دولة!

GMT 04:23 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

... مَن قال ليس حقيبة؟

GMT 14:31 2018 السبت ,17 شباط / فبراير

دُعاة بريطانيا... وقَدَم صلاح!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia