ما بْتَعِرْفو السوريين

"ما بْتَعِرْفو السوريين"!

"ما بْتَعِرْفو السوريين"!

 تونس اليوم -

ما بْتَعِرْفو السوريين

بقلم : علي الرز

 قبل نحو عشرين عاماً، وكنا في نقاشٍ حادّ مع "دولة رئيسٍ" لبناني يُفاخِر ليل نهار بأن لحم أكتافه السياسية من خير النظام السوري، استمْهَلَنا ليخفّ الجمْع، وقال لنا هامساً: "ما بْتِفْهَمو شو بْتِحْكو، ما بْتَعِرْفو السوريين، والله حافظ الأسد وولاده قدّامهم قمّة التحضُّر والتطوُّر، ما حدا غيره بْيِكْمِشْهُم اذا فَلَتو، واذا صار لهالعيْلة شي رح تندمو على كل كلمة ضدهم".

قصة لا داعي لإكمالها... نعود إليها لاحقاً.

بعيداً من الوقوف عند تفاصيل جريمةٍ ضدّ سوري لاجىء في لبنان أو خصامٍ على الهواء بين لبناني وسوري يتعمّد كلٌّ منهما توثيق أبْشع ما لدى الآخر عبر وسائل التواصل.

وبعيداً من "تَصيُّد" الأخطاء، وهي كثيرة، والمُعايَرة واستحضار تواريخ المساعدة والاحتضان سابقاً.

وبعيداً من كل المعطيات والأرقام الاقتصادية والاجتماعية والاستفادة من المنظّمات الدولية واستفادة المنظّمات الدولية من هذا الملف.

وبعيداً من الفوضى والتشتّت في تنظيم اللجوء قانونياً، والإدراك الاجتماعي الخاص بالتوالد والتكاثر في أصعبِ الظروف من دون أيّ اكتراثٍ لزمنِ الخيام وأكواخ الصفيح، ورفْض تسجيل المولودين وحتى المتوفّين.

وبعيداً من مطالبة اللبنانيين لدولتهم بتنظيمِ سوق عملِ العاملين السوريين أسوةً بما يحصل في مصر والأردن وتركيا.

بعيداً من ذلك كله، يبدو جلياً ان اللجوء السوري الى لبنان والظواهر العنصرية المصاحِبة والفوضى المنظَّمة المترافِقة ... صارتْ أسلحة الأسد لابتزاز لبنان رسمياً وشعبياً بورقةِ "الغدِ الداكن".

مَن يقود الحملة العنصرية ضدّ اللاجئين السوريين في لبنان هم حلفاء بشار الذين يفترض بموجب علاقتهم المميّزة بالممانعة ان يكونوا الأكثر تَسامُحاً بل في الخندق المُدافِع ... واللافت أكثر، أن نظام بشار أَدْلج مسألةَ اللجوء بالشكل الآتي:

"طرفٌ لبناني ضدّ سورية لَعِبَ دوراً في تسليح الإرهابيين استخدم ورقة اللجوء في إطار خطةٍ أمنية تجهيزية خصوصاً في طرابلس والشمال وهذه الخطة ستنقلب على لبنان مستقبلاً.

لا يوجد ما يستدعي اللجوء لأن الحياة في مناطق كثيرة طبيعية وهناك مِن اللاجئين مَن يمضي نهاية الأسبوع في سورية، وهناك مَن عاد وشارك في المواجهة ضد الإرهابيين.

المنظّمات الدولية تتجاوز السلطتيْن اللبنانية والسورية وتعقد صفقاتٍ مباشرة مع اللاجئين وحتى مع محلات السوبرماركت، وهذه المنظّمات جزءٌ من مؤامرة ضدّ النظام في سورية.

لا نعرف عدد اللاجئين ولا عدد مَواليدهم ولا عدد مَن يموتون ويُدفنون في لبنان وهؤلاء سنعتبرهم مفقودين لاحقاً وسيُدرجون في أزمة قانونية مع لبنان.

كلّ عملٍ غير منضبط من اللاجئين، مثل ارتكاب الجرائم على أنواعها او حالات التسوّل والدعارة او عدم تنظيم الوضع الاجتماعي بتوثيقِ حالاتِ الزواج والولادة والوفاة، يخدمنا ويُثْبِت للبنانيين ان الرئيس بشار الأسد الوحيد الذي بإمكانه ضبْط هؤلاء ويؤكد ان اهتزاز النظام  في سورية سيَدفع ثمنه لبنان.

كل فعلٍ او ردّ فعلٍ عنصري من اللبنانيين تجاه السوريين مثل التعرّض لهم ومحاصرتهم وتحديد حركتهم والصراخ الدائم مِن سَرِقتهم عمل اللبنانيين او استهلاك الكهرباء ... يَخدمنا ويُثْبت للسوريين ان مَن انتفض طالباً الحرية وبحثاً عن كرامةٍ فَقَدَ كرامَته في بلدٍ حرّ مثل لبنان، وان التعبئة مطلوبة للحظةِ الانتقام من الذين أذلونا.

وأخيراً وليس آخراً، فإن حلّ هذه المسالة لن يتمّ إلا بانفتاحٍ لبناني رسمي على النظام السوري وتأسيسِ لجانٍ مشتركة تتولى بحْث ملف اللاجئين".

انتهتْ وجهة نظر النظام السوري، وخلاصتها في النقطة الأخيرة تسليم جميع المعارضين كالخراف ليتمّ ذبْحهم في المزة وحرْقهم في صيدنايا، وابتزاز النظام اللبناني لاحقاً وسجْنه في هذا الملف، وإبقاء سيف التوتّر فوق رقاب "شعبٍ واحد في دولتين".

هذا ما يريده النظام السوري تحديداً. فكلُّ قضيةٍ ورقة في خدمته. لم تَحصل مجازر، لم تُحاصَر مدن وقرى، لم تُفرض حرب التجويع، لم تُقذف صواريخ ولا براميل، لم يُذبح معارضون ولم تُحرق جثث ولم تصبح السجون مقابر... ما في شي بحمص ولا حلب ولا حماه ولا إدلب ولا ضواحي دمشق ولا درعا ومحيطها. هؤلاء أتوا فقط ليعرف اللبنانيون أهمية بقاء هذا النظام "الحضاري" حاكماً.

لم يكن السوريون مجتمعاً حياً قبل البعث، لم يكن لديهم انفتاحٌ وتسامحٌ وتعدديةٌ وحرية إعلام، لم يكن لديهم أوّل رئيسِ وزراءٍ مسيحي قبل اكثر من 60 عاما. لم تكن لديهم مؤسساتٌ صناعية ساهمتْ في تكوينِ طبقةٍ وسطى. لم يُذلّ السوريون في الداخل مع حكم الأسد، لم تُكمم أفواههم، لم يفتقدوا أبسط مقوّمات الحياة، لم يُحرموا من العدالة في المناصب، ومن الحرية وتَداوُل السلطة، لم يتم إشغالهم بالوضع المعيشي ليل نهار كي ينسوا السياسة ويَعتبروا كل مستشفى او مدرسة او مصرف او سيارة او وظيفة منّة من الأسد، ولم يتم ترييف المدن وتغيير المعادلات  الديموغرافية وإعدام التوازن المطلوب بين المناطق. هؤلاء السوريون أتوا فقط ليَشْهَدَ اللبنانيون أنهم ركضوا وراء الدولارات السبعين التي تمنحهم إياها الأمم المتحدة مع علبة حليب وكرتونة جبنة.

عودٌ على بدء. المسؤول اللبناني الذي حَذَّرَنا "ما بْتَعِرْفو السوريين"، يَعرف النظام فقط ويَعرف تماماً كيف يُشخِّص مَصْلًحَتَه. لكن السوري الذي فضّل ان تبتلعه أمواج البحر هرباً من "تَحضُّر" الأسد يعرفه ويعرفك. هذا السوري القابع تحت خيمةٍ في الثلج يعرفه ويعرفك. هذا السوري المُسْتَسْلِم لرحمةِ الطقس والمعونات والعقارب السامة ولدغات "الشبيحة" من أبناء بلده المُنْدَسّين في المخيّم وعملاء النظام اللبنانيين يعرفه ويعرفك. هذا السوري لن يعود الى "سورية الأسد"، لأنه يريد أن يعود الى سورية فقط ... سورية التي لا تريد أن تعرفها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بْتَعِرْفو السوريين ما بْتَعِرْفو السوريين



GMT 16:04 2021 الأربعاء ,31 آذار/ مارس

الانتخابات السورية لن تكافئ بشّار

GMT 03:06 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كذبة صدّقها النظام السوري

GMT 08:52 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

النظام السوري يروّج لنفسه

GMT 07:42 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة أردنية إلى المزايدين.. وإلى إسرائيل

GMT 04:20 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

النظام السوري وإيران شيء واحد

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:21 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي الخميس 29-10-2020

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 08:29 2021 الجمعة ,07 أيار / مايو

مسلسل ''حرقة'' أفضل دراما رمضانية في تونس

GMT 05:48 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اكتشاف تقنية جديدة تساعد في إنقاص الوزن الزائد

GMT 05:31 2016 السبت ,26 آذار/ مارس

البردقوش فوائده واستخدامه

GMT 00:15 2016 الثلاثاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد الشطة لعلاج مرض الصدفية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia