الرئيسُ المُتَمرِّس والحكومةُ التجريبيّة

الرئيسُ المُتَمرِّس والحكومةُ التجريبيّة

الرئيسُ المُتَمرِّس والحكومةُ التجريبيّة

 تونس اليوم -

الرئيسُ المُتَمرِّس والحكومةُ التجريبيّة

بقلم : سجعان القزي

منذ تَسلّمَت هذه الحكومةُ هذه الدولةَ اتّــخَذت نوعَين من القرارات: قراراتٌ مُثقَلةٌ بالعائداتِ المالـيّـةِ (المربَّــعاتُ النَـفطـيّـةُ، بواخرُ الكهرَباء، وشبكةُ الإنترنيت)، وقراراتٌ زاخرةٌ بالمَنفعةِ الانتخابـيّـةِ (التعييناتُ وقانونُ الانتخابات). أما الانجازاتُ الأخرى فَفِعلُ المؤسَّساتِ العسكريّــةِ والأمنـيّـةِ، وهي أصلًا كانت تقوم بمثيلاتِـها قبلَ انبثاقِ هذه الحكومةِ المُرهَقةِ والمُرهِقةِ والمُراهِقة.   عدا ذلك، تُبدي الحكومةُ ضُعفاً، وقد عَجِزت بعدَ ثمانيةِ أشهرٍ على وجودِها، عن استعادةِ ثقةِ الناسِ بالدولةِ وعن إحياءِ احترامِ الدستورِ والقوانينَ رغمَ رعايةِ رئيسِ الجُمهوريّةِ، وكانت آخرَها خريطةُ الطريقِ المرحلـيّـةِ التي استهلَّ الرئيسُ بها جلسةَ 05 تموز.   كان يُمكن أن نَـتفـهَّـمَ تجميدَ الحكومةِ المواضيعَ الخلافـيّـةَ لو كانت حكومةً في زمنِ الشغورِ حين كانت رئاسةُ الجُمهوريّـةِ غائبةً والمجلسُ النيابيُّ عاطِلاً عن التشريع، فإذا أصابَها مكروهٌ يَسقُط آخِرُ مربَّعٍ للشرعيّةِ، تَطيرُ الدولةُ وتُصبح أملاكاً أميريّــةً تتوزَّعُها الأيادي مَشاعاتٍ جغرافـيّـةً. النأيُ عن القضايا الخِلافـيّـةِ كان قدَرَ حكومةِ الرئيسِ تمّام سلام، فسَعَت إلى تخفيفِ وطأةِ الوقتِ وإرجاءِ القراراتِ الكبرى وتَحاشي الخِلافاتِ واحتواءِ التأزُّمِ ومنعِ الانفجار بانتظارِ "يومِ السَعْد". أما وقد هَلَّ، فلا شيءَ يُبـرِّرُ هذا الأداءَ، وفي قصرِ بعبدا رئيسٌ، وفي ساحةِ النجمةِ تمديدٌ وتشريعٌ، وفي السرايا حكومةٌ جامعةُ أمَمٍ.   سَمَّت هذه الحكومةُ نفسَها "حكومةَ استعادةِ الثِقة"، فاكتفَت بثقةِ الكتلِ النيابـيّـةِ المُمثَّلةِ فيها، أيْ بثقةِ نفسِها بنفسِها واستَغنَت عن ثقةِ الشعب بها. وَسَمَت هذه الحكومةُ نفسَها بـــ"حكومةِ الاتّحادِ الوطنيّ"، فاكتفَت بالشعارِ، إذ كَشَفت نقاشاتُها أنَّها حكومةُ الخلافِ الوطنيّ. ادَّعَت هذه الحكومةُ أنَّها تُمثِّلُ كلَّ اللبنانيّين وتَصرَّفت وكأنَّها حكومةُ الحزبِ الواحِد فيما هي مجموعةُ تياراتٍ، بل مجموعةُ دول. طَرحَت هذه الحكومةُ نفسَها حكومةَ الانفتاحِ بينما تَرفُض رأيَ الآخَر، بل أيَّ رأيٍ آخَر. لدى هذه الحكومةِ حساسيّةٌ مُفرِطةٌ تجاه المعارَضةِ وتَستفِـزُّها الملاحظات. لا تُميِّز بين النقدِ الصحيح والذَمِّ الشخصي، ولا بين المعارَضةِ الديمقراطيّة من خارجِها والمعارضةِ المُعطِّلةِ من داخلها. تريد أنْ تَرتكِبَ المخالفات من دونِ أنْ يحاسِبَها أحدٌ.   هذه الحكومةُ ليست مـتّـفقةً على القضايا الكبيرةِ ولا على القضايا الصغيرة. لا على الأمورِ الوطنـيّـةِ ولا على الأمورِ الاقتصاديّـة. عَجْزٌ على مدِّ النظر. تَصَلّبٌ لُــوَيْـحيٌّ في الكهرباءِ والمناقصات. في الموازنةِ وسلسلةِ الرتبِ والرواتب. في سلاحِ حزبِ اللهِ وسلاحِ الشَهادات، في الحوارِ مع سوريا وإعادةِ النازحين. في الاصلاحاتِ الدستوريّـةِ والفصلِ بين السلطات. وكأنَّ مَهمّةَ هذه الحكومةِ إفشالُ مسيرةِ العهدِ الجديد. لذلك جَــرَدَ لها الرئيسُ عون المشاريعَ والمراسيمَ العالقةَ ودعاها إلى تنفيذِها والخروجِ من جمودِها.   برغمَ ذلك، نَسمع أنَّ "العهدَ لم يَبدأ بعد". مِن حقِّ اللبنانيّين أنْ يَعرِفوا متى يبدأ العهد؟ أفورَ انتخابِ رئيسِ الجمهوريّة؟ أبعدَ تأليفِ الحكومة؟ أبعدَ إجراءِ الانتخاباتِ النيابـيّـة؟ أبعدَ انتهاءِ الحربِ في سوريا؟ إذا استمَرّينا في التسويفِ والذرائعِ سينتهي العهدُ قبلَ أنْ يبدأ. تجربةُ لبنانَ تُظهِر أنَّ "العصرَ الذهبيَّ" لكلِّ عهدٍ هو سَنتُه الأولى. فأين العهدُ الحاليُّ من سنتِه الأولى؟ نسمعُ بذَهبٍ ولا نرى عصرَه الذهبيَّ. يَتصرّفُ السياسيّون كأنَّ الرئيسَ لم يُنتخب بعدُ، أو أنَّه انتُخِب لفترةٍ انتقاليّةٍ، وقريباً تجري الانتخاباتُ الرئاسيّةُ الجديدة. وعلى هذا الأساسِ الافتراضيِّ المُخجِل يَتموضَعون ويَتحالفون ويُعادون ويتَّـكِلون على الصوتِ التفضيليِّ. إنْ كنتم لا تَترُكونَ الرئيسَ ميشال عون يَحكُم، فاتركوه، على الأقلّ، يعيش.   ونَسمع أيضاً: لا تحكُموا على العهدِ من خلالِ هذه الحكومة، فهي ليست حكومتَه الأولى. أَيُـعقَلُ أنْ تبقى حكومةٌ ثلثَ عمرِ العهدِ، أي سنتين من أصلِ ستِّ سنواتٍ، من دونِ أنْ تكونَ حكومتَه؟ أَيُـعقَلُ أنْ تُـقــرِّرَ هذه الحكومةُ مصيرَ المُربّعاتِ النَفطيّةِ والكهرباءِ والاتّصالاتِ، أي ثروةِ الأجيالِ المقبِلةِ، من دونِ أنْ نَحتَسِبَها من رصيدِ العهد؟ وإذا سلَّمنا جَدلاً بأنَّ هذه الحكومةَ هي مُسْودةٌ، فكيف ستكون حكومةُ العهدِ الأصليّة؟ ومن ستَضمّ؟ وزراء "إكسترا تِـرّيستر" من كواكبِ زُحَل والمَرّيخِ وأورانوس ونِبتون وعُطارد؟ القِوى السياسيّةُ الحزبيّةُ والطائفيّةُ الموجودةُ في هذه الحكومةِ وفي هذا العهدِ ستبقى في الحكوماتِ المُقبلةِ وفي العهودِ الآتية، وهي أصلاً مستمرةٌ منذ سنةِ 1990. وقانونُ الانتخاباتِ الذي انتظَره الشعبُ مَعبَراً نحو التغييرِ الحقيقيِّ جعلوه درعَ تثبيتٍ للطاقمِ السياسيِّ المُتوارَث.   من هنا يُفترض بالحكومةِ أن تَخرجَ من منطقِ الذرائعِ وتَحسِمَ أمرَها وتحقِّقَ وعودَها وتُسهِمَ بانطلاقِ العهد. وبموضوعيّةِ الراغبِ أنْ يرى حكومةَ بلادِه منتِجةً وناجحةً، أقترح:   • عقدُ خَلوةٍ حكوميّةٍ ــــ يحضُرها الوزراء دون أولياء الأمر ـــ عنوانُها: "تقييمُ أداءِ الحكومةِ والوزراء ومواجهةُ التحدّيات"، فيحصُل نِقاشٌ وِجدانيٌّ ووطنيٌّ بالقضايا الوطنيّة المُلحَّةِ في ظرفٍ دخلت معه الحربُ السوريّةُ منعطَفاً تقسيميًّـا خطيراً.   • وضعُ برنامجِ عملٍ، مختلِفٍ عن البيانِ الوزاريِّ الانشائيِّ، يُحدِّدُ الأولويّاتِ الوطنيّةَ والاجتماعيّةَ والاقتصاديّةَ والإنمائـيّـة، على أن يكونَ محدوداً ومتواضِعاً ليكونَ قابِلاً للتنفيذ.   • وضعُ برنامجٍ تنفيذيٍّ وزمنيٍّ لإعادةِ النازحين السوريّين إلى سوريا بالتعاونِ مع كلِّ من تَقتضيه الحاجةُ من دونِ عُقدٍ ومزايدات.   • تأليفُ لجانٍ وزاريّةٍ مصغَّرةٍ دائمةٍ من الوزارات التي تتقاطع أعمالُها فتُشكَّلُ على سبيلِ المثال: لجنةُ الوزاراتِ الأمنيّةِ (الداخليةُ والدفاعُ والعدل)، لجنة الوزاراتِ الاقتصاديّةِ (المالُ والاقتصاد والصناعة)، لجنةُ الوزاراتِ الانمائيّةِ (السياحةُ والثقافةُ والبيئة)، لجنةُ وزاراتِ التطويرِ المناطقيّ (الأشغالُ العامّةُ والاتصالاتُ والطاقةُ والزراعة)، لجنةُ شؤونِ النازحين واللاجئين (الداخليّةُ والخارجيّةُ والعملُ والشؤونُ الاجتماعيّةُ والتربية) إلخ... • عقدُ بعض اجتماعاتِ مجلسِ الوزراء في المحافظاتِ والأقضيةِ لتوثيقِ العَلاقةِ المباشَرة بين الدولةِ والناس.   هكذا تُحدِثُ الحكومةُ صدمةً إيجابيةً وتَستلحِقُ نفسَها وتُخفِّفُ من قَرفِ الناس. في عهدٍ جديدٍ تُحسَمُ الأمورُ، تُحَلُّ المشاكلُ، تُتَّخذُ القراراتُ الصعبةُ فيولدُ أملٌ جديد. 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرئيسُ المُتَمرِّس والحكومةُ التجريبيّة الرئيسُ المُتَمرِّس والحكومةُ التجريبيّة



GMT 14:11 2021 الخميس ,19 آب / أغسطس

السلطةُ في الشارع فَمَن يَستلِمُها؟

GMT 17:34 2021 الخميس ,01 إبريل / نيسان

وطنُ الصَفْحِ والمصالحةِ والمصافحة

GMT 09:33 2021 الخميس ,18 شباط / فبراير

تكاملُ اللامركزيّةِ والتدويل في لبنان

GMT 14:03 2021 الخميس ,11 شباط / فبراير

نحن في. عز مؤتمر. دولي حول. لبنان

GMT 10:26 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

بايدن يَنتظِرُ إدارةً لبنانيّةً جديدة

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia