وقفة مع نتائج الانتخابات التركية

وقفة مع نتائج الانتخابات التركية

وقفة مع نتائج الانتخابات التركية

 تونس اليوم -

وقفة مع نتائج الانتخابات التركية

عريب الرنتاوي

فاز حزب العدالة والتنمية بحوالي نصف أصوات الناخبين الأتراك، وحصل على 316 مقعداً في البرلمان المكون من 550 مقعدا، أي بزيادة تصل إلى 58 مقعداً عن النتائج التي حصل عليها في انتخابات شهر حزيران الفائت (قبل خمسة أشهر فقط)، مما سيمكنه من تشكيل حكومة جديدة منفرداً، ومن دون اضطرار للدخول في أية ائتلافات مع أحزاب أخرى، وهو الخيار الذي رفضه الحزب بعد انتخابات الصيف الماضي، ولوّح برفضه من جديد، في حال أخفقت انتخابات الخريف الحالي في تعديل كفة موازين القوى لصالحه، حتى وإن اضطر للذهاب إلى انتخابات مبكرة ثالثة في الربيع المقبل.
أربعة ملايين صوت إضافي، حصل عليها الحزب، ربعها من المصوتين لحزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) بزعامة صلاح الدين ديمرطاش، وثلاثة أرباعها من حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهشلي الذي ترجح المصادر التركية، احتمال استقالته من زعامة الحزب، بعد الخسارة المدوية التي مُني بها، في حين ظل أكبر أحزاب المعارضة العلمانية، حزب الشعب الجمهوري، بزعامة كمال اوكلتشدار، محافظاً على حصته من “الرأي العام”، بحوالي ربع الأصوات.
ما يحتاجة حزب الرئيس رجب طيب أردوغان لتشكيل حكومة الحزب الواحد، ليس سوى 276 مقعداً، في الانتخابات الماضية، لم يتمكن من الحصول عليها، بفارق 18 مقعداً ... هذه المرة حصل على أغلبية مريحة، تزيد عن أربعين مقعداً عن الحد الأدنى المطلوب للتفرد بالحكومة للسنوات الأربع القادمة ... وهذا فوز لم يكن يحلم به، حتى أكثر قادة الحزب ومؤيديه، تفاؤلاً ... حيث لم تعط أكثر الاستطلاعات انحيازاً للحزب الحاكم، أكثر من 43 بالمائة من الأصوات لحزب الرئيس.
لكن هناك أرقاماً أخرى، يتعين الإشارة إليها، ولا تقل أهمية عن الرقم “276” الضروري لتشكيل حكومة الحزب الواحد، وترتبط أساساً بطموحات أردوغان وأحلامه في تحويل البلاد من نظام حكم برلماني إلى نظام رئاسي، مطلق الصلاحيات، تؤول إليه في “قصره الأبيض” الجديد ... الحزب الفائز في الانتخابات، ما زال بحاجة لـ 14 مقعداً إضافياً، بموجب الدستور، لكي يتمكن من تمرير الاستفتاء الشعبي العام على مشروع الانتقال من نظام حكم برلماني إلى نظام رئاسي ... هنا، تتكاثر السيناريوهات حول الكيفية التي سيسعى من خلالها الرجل، إلى تأمين هذه الأصوات، والوسائل التي سيتبعها لتحقيق أحلامه “السلطانية”.
وسيحتاج الرجل إلى أزيد من أربعين صوتا إضافيا، من أجل طرح مشروع تعديل الدستور، وتغير النظام السياسي التركي على البرلمان، من دون حاجة إلى إجراء استفتاء شعبي عام ... وهذا السيناريو يبدو متعذراً تماماً في ضوء تعقيدات المشهد السياسي التركي، وتفاقم حدة الاستقطاب السياسي في البلاد، وتزايد التهديدات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها.
ما الذي حصل خلال أشهر خمسة فقط، حتى انقلب الرأي العام التركي، من موقع التأييد المتحفظ والمشروط والمنقوص للحزب الحاكم ورئيسه، إلى موقع “التوقيع على بياض” على تفويض جديد لهما يمتد لسنوات أربع قادمة؟ ...سؤال يشغل بال المراقبين، إذ ليس من المألوف عادة، أن ينقلب الرأي العام بهذه الدرجة من دون مسوغات قوية و”أسباب موجبة” وازنة.
هي الحرب على الأكراد، في تركيا والعراق وصولاً إلى سوريا، شدّت “العصب القومي”، أو قل “الطوراني” إن شئت، للناخبين الأتراك، بدلالة هذه النتائج المروعةً التي حصل عليها حزب الحركة القومية، وخسارته لثلاثة ملايين صوت في خمسة أشهر ... “تكتيك” أردوغان في العزف على الوتر القومي التركي، أظهر نجاعة فائقة، بعد أن أخفق “تكتيك” العزف المنفرد على وتر “الهوية الإسلامية السنيّة” للبلاد.
ومن نتائج هذه الحرب، التي تحوّلت مناطق جنوب شرق الأناضول إلى ساحة مفتوحة لعملياتها الدامية، أن انكفأ الأكراد إلى الوراء، بفعل عوامل الخوف والتحسب، فأمكن للحزب الحاكم، تجريد خصمه الكردي اللدود من مليون صوت على أقل تقدير، وربما هذا ما يفسر اندلاع موجات من الغضب في مناطق الكثافة الشعبية الكردية، بمجرد إعلان النتائج الأولية للانتخابات.
والحقيقة أن قادة العدالة والتنمية، بمن فيهم زعيم الحزب، لم يخفوا أهداف “تكتيكاتهم” الانتخابية، على الرغم من كلفتها الدامية والخطيرة على مستقبل تركيا: أردوغان نفسه صرح، بأن حصوله على 400 مقعد في انتخابات الصيف الماضي، كان سيجنب البلاد، ويلات حرب مفتوحة مع الأكراد ... أما أحمد داود أوغلو، فقد أعلن بصريح العبارة أن أمام الناخب التركي خيارين: التصويت للفوضى والانهيار الاقتصادي والأمني أو التصويت بكثافة لحزبه الحاكم ... يبدو ان تكتيك شد العصب القومي التركي، وترهيب الأكراد وترويعهم، والتلويح بـ”سيناريو الفوضى الأمنية والانهيار الاقتصادي”، قد أعطى أكله سريعاً، وجاءت رياحه بما تشتهي سفن “السلطان” وحزبه الحاكم.
أين منا؟ ... كنا توقعنا “زلزالاً” يضرب تركيا والمنطقة، في حال خسر أردوغان وحزبه الانتخابات، أو “المزيد من الشيء ذاته”، في حال نجح في الحصول على “التفويض الشعبي” مجدداً ... أما وقد وقع السيناريو الثاني، فإن من المتوقع أن تظل السياسة التركية في بعديها الداخلي والخارجي على حالها: مزيد من التوتر والمواجهات بين الأكراد والأتراك، مزيد من الاستقطاب والاستعداء في مجتمع، يدين نصفه بالولاء لأردوغان، ويحتفظ نصفه الآخر بمشاعر سلبية حياله ... لا حلول أو مواقف وسط في تركيا ... مزيد من تجميع السلطات والصلاحيات بين يدي رجل واحد، في صورة تكاد تعيد انتاج نمطٍ من الجكم التسلطي، الكاره للإعلام، المستخف باستقلالية القضاء، الرافض لفكرة المعارضة من أصلها.
أما على صعيد السياسة الخارجية، فلا أحسب أن نتائج الانتخابات قد حملت أخباراً سارة للنظام في دمشق، ولا لحلفائه في موسكو وطهران، والمؤكد أن عدداً من العواصم العربية، تلقت الخبر بكثير من الامتعاض والضيق، من عمان إلى بغداد وصولاً إلى القاهرة ومروراً بـ “أبو ظبي”... وحدها قطر وجماعة الإخوان المسلمين (بمن فيها حماس)، ربما تكونان قد أقامتا الأفراح والليالي الملاح... أما الأكراد، فحالهم كحال “المستجير من الرمضاء بالنار”، فلا هم مع أدروغان وحزبه بخير، ولا هم مع اوكلتشدار وبهشلي بخير كذلك ... لقد ارتضوا من الغنيمة بالإياب إلى البرلمان، ولكن بعدد أقل من المقاعد.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وقفة مع نتائج الانتخابات التركية وقفة مع نتائج الانتخابات التركية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia