عريب الرنتاوي
دينس روس، وسيط السلام الأمريكي الأسبق في عهدي جورج بوش وبيل كيلنتون، الذي عمل مع عدد من وزراء الخارجية الأمريكيين: جيمس بيكر، وارن كريستوفر ومادلين أولبرايت، أوصى إدارة أوباما باتخاذ خمس خطوات لضمان التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، والانخراط “بفاعلية” مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ... جاء ذلك في كلمة له أمام معهد واشنطن، الذراع البحثي – الفكري لجماعة الضغط اليهودية في الولايات المتحدة، قبل عشرة أيام:
بالنظر إلى هذه “الوصايا الخمس”، يمكن ملاحظة أنها جميعها تصب في هدف واحد: تطويق حماس واسقاطها، نزع سلاح المقاومة وتقليم أظافرها ... لا شيء مفيد للفلسطينيين في توصيات السيد الوسيط ... حتى حين يقترح الرجل رزمة مساعدات اقتصادية، فالهدف في نهاية المطاف، خلق ديناميكيات، تساعد الفلسطينيين على التخلي عن مطالبهم وحقوقهم، والقبول غداً، بما لم يقبلوا به اليوم أو بالأمس ... هذا هو دينس روس، ومع ذلك يسألونك لماذا فشل عديد الرؤساء الأمريكان في حل قضية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ... بوجود وسطاء من هذا النوع، ما حاجة الطرف الفلسطيني للأعداء.
يبدأ روس وصاياه ومطالعاته، بحث الإدارة الأمريكية على توظيف “التوافق الاستراتيجي” الجديد بين اربع دول في المنطقة، لخلق واقع جديد، يعزز مكانة السلطة ويضعف حماس ... هنا حماس هي الهدف والعدو، لا حديث عن الاحتلال والاستيطان والعدوان، لا حديث عن المصالحة والوحدة الوطنية ... حماس يجب أن تضعف إن لم تختف عن الوجود، وثمة محور عربي “معتدل” جاهز للقيام بالمهمة.
التوصية الثانية لروس، تفترض أن حماس كائن عصيٌّ على التغير والتبدل، لذا لا جدوى من التفكير بتأهيلها أوالعمل على إدماجها في النظام السياسي الفلسطيني، المطلوب بدلاً من ذلك، “الحط من مكانتها”، والحط من مكانة حماس استراتيجياً، يقتضي نزع سلاحها، أما مرحلياً، فلا أقل من قطع الطريق على أية محاولة تقوم بها “لاستغلال المساعي الإنسانية وجهود إعادة الإعمار، لا سياسياً ولا عسكريا” ... حماس لا يجب أن تخرج من الحرب إلى التهدئة، بأي شبهة انتصار من أي نوع ... هذا خطر على إسرائيل والسلطة والمعتدلين العرب
التوصية الثالثة لروس، العودة إلى السلام الاقتصادي في الضفة الغربية، والشروع في إنفاذ تعهدات جون كيري بصرف 4 مليارات دولار هناك، وإنفاق هذه الملايين على مشاريع البنية التحتية ... هنا يشرب روس حليب السباع، ويطالب واشنطن بالضغط على نتنياهو لتعيين “موظف خاص” في مكتبه” لتسريع عمليات الانفاق والاستثمار وتخفيف القيود على حركة البضائع والمواد التي تدخل الضفة ... روس يقترح اشتباكاً أمريكياً مع إسرائيل حول موضوع “الموظف الخاص”، سبحان الله، أية جرأة ونزاهة وحيادية هذه؟!
في وصيته الرابعة، يقترح روس على إدارة أوباما الابتعاد عن فكرة “حل النزاع” الفلسطيني الإسرائيلي، واعتماد مفهوم “إدارة هذا النزاع” ... ما هو مستحيل اليوم، سيبدو ممكناً غداً ... والفضل في ذلك سيعود إلى ديناميكيات السلام الاقتصادي ومشاريع “الإسكان” والمجمعات الصناعية والمقالع الحجرية – الكسارات -في المناطق (ج) ... كل هذه المكاسب التي سيحققها الجانب الفلسطيني، لا تتطلب في المقابل، سوى تنازل بسيط من السلطة: وقف مساعيها على الساحة الدولية لاستكمال عضوية فلسطين في المنظمات الدولية، خصوصاً المحكمة الجنائية الدولية ... روس يعرض معادلة “الكسارات في المناطق ج مقابل المحكمة الدولية في لاهاي” ... من قال إن الرجل كارهٌ للفلسطينيين ... من قال إنه وسيط غير نزيه ... انظروا هذا السخاء والتوازن في مقارباته.
يختم روس الوصية الخامسة، وفيها أيضاً جرعة إضافية من “حليب السباع”: على واشنطن أن تقنع نتنياهو بأن يحرص أن تجسّد سياساته الاستيطانية التزام إسرائيل بحل الدولتين، بخلاف ذلك ستتآكل شرعية إسرائيل في أوروبا ومناطق أخرى في العالم، وعلى الحكومة الإسرائيلية أن توضح لأوروبا والمعتدلين العرب، بأن ما تتبعه من سياسات توسع استيطاني، لا يضر بحل الدولتين ... الرجل قلبه على “شرعية” الاحتلال والاستيطان المتآكلة ... لا بأس باستمرار الاستيطان، شريطة ألا يضرب شرعية إسرائيل، أو يثير انطباعات خاطئة عن التزامها حل الدولتين ... كل ما قيل طوال 47 سنة من الاحتلال عن عدم شرعية الاستيطان والمستوطنات، وكونها عقبة في طريق السلام، وتهديدا لحل الدولتين والخيار التفاوضي، يضرب به روس عرض الحائط، وليس المهم ألا يتضرر الفلسطينيون من الاستيطان، المهم ألا تتضرر صورة إسرائيل وشرعيتها بفعل الاستيطان المنفلت والمنفلش، نصيحة أب لابنه الأزعر: ليس المهم أن تقارف ما تقارف من جرائم، المهم ألا يعرف أحدٌ بذلك، فسمعتك وسمعة العائلة على المحك؟!
في إسرائيل ذاتها، يخجل كثيرون من تبني مثل هذا الأفكار، المصاغة من ألفها إلى يائها، بروح الكراهية للشعب الفلسطيني، والمزايدة على الإسرائيليين في “صهيونيتهم” ... لا أدري كيف كان روس يلعب دور الوسيط، لكني أعرف أن بعض الإسرائيليين الذين كان يتحدث معهم أثناء “وساطته”، أقل تطرفاً منه، وأكثر موضوعية في نظرتهم للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ... بئس الوساطة والوسيط.