همسة في أذن «المراقب العام»

همسة في أذن «المراقب العام»

همسة في أذن «المراقب العام»

 تونس اليوم -

همسة في أذن «المراقب العام»

عريب الرنتاوي

سيسجل تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، أن مراقبها العام الشيخ همام سعيد، ظل على رأس منصبه حتى اليوم الأخير لولايته، كما وعد وتعهد أكثر من مرة ... لكن هذا التاريخ سيسجل، وفي الفصل ذاته، أنه سلّم الراية لخلفه، بعد ثلاثة انشقاقات كبرى، هزت أركان الجماعة وقوّضت وحدتها الداخلية، وأضعفت صدقيتها، وشوهت صورتها ... بهذا المعنى، يصبح السؤال المشروع والطبيعي: أي مكسب من وراء البقاء في المنصب، حتى وإن شعر صاحبه، بأنه كان محقاً بالتزامه بقواعد النظام الداخلي للجماعة ودستورها؟
وحين يرجع الباحثون لتفحص هذه الحقبة في تاريخ الجماعة، سيذهلون حين يكتشفون سوء التقدير الذي ميّز قراءة الجماعة لأزمتها الداخلية، وحجم “التبسيط” و”التسطيح” الذي أصاب هذه القراءة، وسيجري التوقف مطولاً أمام “حالة الإنكار” التي طبعت أداء قيادة الجماعة، وهي ترى المئات من قيادات الجماعة وكوادرها ورموزها التاريخية، تغادر على مراحل، وبأشكال متفاوتة من “الصخب” و”الضجيج” ... تعددت أشكال الانشقاقات ومظاهرها، والسبب واحد.
أما السبب وراء حالة التشقق والتشظي التي تعيشها الجماعة، فيمكن أساساً في “تآكل” قدرتها على مواكبة التطورات من حولها، محلياً وإقليمياً ... فالعالم والإقليم، يتغير بإيقاع سريع ولا يعني يتسارع، أم “أدوات ومنهاج” البحث والتحليل والتفكير عن الجماعة، فما زالت على “ماضويتها” ... يصح ذلك عند النظر لقراءاتها للمشهد السياسي وطبيعة المرحلة وأهدافها، كما يصح أيضاً عند تفحص “الأنماط” التنظيمية والإدراية الناظمة لعمل الجماعة الداخلي، إذ كيف يمكن لتنظيمكم بُني على “السمع والطاعة” ومفهوم “البيعة” أن يكون ديمقراطياً، أو أن يدعي حقاً المطالبة بالديمقراطية والتعددية.
وتخطئ قيادة الجماعة، إن هي ظنّت للحظة واحدة، أن ممارسة “النقد الذاتي” علامة ضعف، أو ضربٌ من نشر “الغسيل الوسخ”، وكان حرياً بها، أن تقدم بكل جرأة على إجراء أعمق المراجعات لتجربة الإخوان العالمية، واستتباعاً تجربتها الأردنية، للتعرف على مواطن الخلل والضعف والتقصير، والعمل على انتاج خطاب سياسي وفكري، قادر على مواكبة المرحلة بتطوراتها وانفجاراتها، وألا تبقى أسيرة المفاهيم القديمة، التي أكل الدهر عليها وشرب.
وكان يتعين على قيادة الجماعة، ألا تكتفي بالتغني والثناء على التجربتين التونسية والمغربية، بدل أن تعمل على قراءة “المشترك” و”المختلف” بين هاتين التجربتين من جهة وتجربة الأردن ومصر من جهة أخرى ... وأن تجاهر بمراجعاتها كما فعل أقرانها في تلك الدول، وأن تسدي النصح لمن ضل واشتط، بدل الاستمرار في مجاراته ومواكبته، ومواصلة العوم في بحر القيادات القطبية للجماعة الأم في مصر ... أقله من باب، أن أخذ العبرة واشتقاق الدروس.
كان ينبغي للجماعة، وقبل أزيد من عشر سنوات من الآن، حين طرحت وثيقة الإصلاح، أن تعمل على “تأصيل” و”تعميق” المفاهيم الجديدة التي طرأت على خطاب الحركة الإسلامية، فلا تكون الحرية والديمقراطية والتعددية، مجرد كلمات وجمل، تُزيّن بها النصوص القديمة ... بل “مداميك” صلبة في برنامج الحركة “الوطني” وفي حياتها الداخلية.
هل قلنا “وطني”؟
نعم ، ونضعها بين هلالين، لأن مفهوم الوطن لم يتجذر بعد، في خطاب الحركات الإسلامية عامة، ومن ضمنها جماعة الإخوان، القائمة دعوتها أساسا، على مفهوم “الأمة” و”الخلافة” ... ولعل الخلاف حول هذه النقطة، واشتقاقاتها وما يتأسس عليها من أولويات ورؤى متباينة، قد كان في جذر قضايا الخلاف الداخلي في الجماعة، والذي اتخذ في بعض مراحله، مظهراً منابتياً مع أنه أعمق من ذلك بكثير.
كان يتعين على الجماعة، فضّ حالة الاشتباك بين السياسة والدعوة، بين الحزب والجماعة، وتحديد التخوم الفاصلة بين الأمرين، فحالة “الازدواج” هذه، ستظل مصدر قلق لمن هم خارج الجماعة، وباعث خلاف واختلاف لمن هم في داخلها ... وعلى الجماعة أن تنظر لتجربة الحركات الإسلامية من حولها، ما نجح منها وما أخفق (والنجاح والإخفاق هنا نسبيان)، لترى أنه من المتعذر عليها، الإبقاء على حالة “الإبهام” التي ميّزت وتميّز العلاقة بين السياسي والدعوي في خطاب وممارسة الجماعة وحزبها، أو بالأحرى “أحزابها”.
إن لم تتصرف الجماعة على قاعدة أنها “حزب سياسي يميني محافظ ذو مرجعية إسلامية”، وتهبط من علياء “المقدس” إلى اوحال العمل السياسي اليومي وتناقضاته وصفقاته ومندرجاته، فإنها ستظل مصدر قلق وباعث على الخلاف معها وفي داخلها ... وهذا أمر لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، والمؤكد أنه بحاجة لقدرات فكرية – فقهية – سياسية، ولمفكرين وسياسين رؤيويين، نخشى– من أسف - أن الجماعة تفتقر لأمثالهم ومؤهلاتهم.
وأحسب أن الجماعة أخطأت إذ أغلقت الباب على مشاكلها وتناقضاتها، فقد كان حرياً بها أن تتقبل دعوات ونداءات، وأن تستجيب لمحاولات عدة، هدف أصحابها إلى مساعدتها على احتواء أزمتها و”التوسط” بين أجنحتها، ظناً منها – ربما – أن الأمر مجرد سحابة أو “شأن داخلي” لا يحق لـ “الأغيار” التدخل فيها، وأنها بذلك تقطع الطريق على المتربصين والشامتين، مع أننا من منظور الأمن والاستقرار، ومن أجل مسار إصلاحي سياسي أكثر رشاقة، ومن موقع الحرص على الوحدة الوطنية، ومن منطلق الإيمان  بـ” لا ديمقراطية من دون الإسلاميين ولا ديمقراطية من دون دمقرطتهم”، كنا وما زلنا من أنصار وحدة الحركة الإسلامية ودمقرطتها وتطوير خطابها وممارستها.
وعلى الرغم من أن كثيرين باتوا على قناعة راسخة، بأن انشقاقات الحركة قد بلغت “نقطة اللاعودة”، إلا أنني ما زلت أعتقد أن “النوايا الطيبة” مقرونة بـ”الإرادة السياسية” كفيلتان بإدراك ما يمكن تدراكه، وفي ظني أن إعداداً جيداً لمؤتمر تأسيسي جديد للحركة بمختلف أجنحتها، تشرف عليه قيادات تحظى بالثقة والاحترام من الجميع، وبجداول أعمال متفاوتة من حيث رزنامتها الزمنية، تبدأ بإجراءات بناء الثقة، ولا تنتهي بصوغ مواثيق ومرجعيات فكرية جديدة، كفيلة بوضع الحركة على سكة أخرى، وثمة شخصيات وطنية وازنة من خارج إطار الحركة ومرجعياتها، بمقدورها – من الموقع النقدي البنّاء للحركة - أن تلعب دوراً تجسيرياً، شريطة أن تتوفر الرغبة والإرادة لدى قادة تياراتها المختلفة، فهل من مستجيب؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

همسة في أذن «المراقب العام» همسة في أذن «المراقب العام»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia