موسكو والقاهرة ولعبة تطويع النظام والمعارضة

موسكو والقاهرة ولعبة تطويع النظام والمعارضة

موسكو والقاهرة ولعبة تطويع النظام والمعارضة

 تونس اليوم -

موسكو والقاهرة ولعبة تطويع النظام والمعارضة

عريب الرنتاوي

تستعيد القاهرة تدريجياً، بعض صفحات ملف الأزمة السورية، بعد أن فقدته أو كادت ... وفود المعارضات السورية تؤم العاصمة المصرية، استجابة لدعوات من وزارة الخارجية في مسعى من الأخيرة لتوحيد مواقفها، وبلورة استراتيجية تفاوضية مشتركة فيها بينها، تمهد لحوارات لاحقة في موسكو بين هذه المعارضات من جهة، ووفد النظام السوري من جهة ثانية.
الملاحظ أن الحراك المصري يأتي متزامناً مع تطورين هامين: الأول، مبادرة ستيفان ديمستورا “حلب أولاً” ... والثانية، جهود موسكو لترتيب مائدة حوار تشاوري بين النظام والمعارضة، حيث كانت موسكو قد تحولت منذ بضعة أسابيع إلى قبلة للوفود السورية من كل لون وصنف.
ليست المرة الأولى التي تقوم بها القاهرة أو تحاول أن تقوم بـ “التقريب بين مذاهب المعارضة المختلفة” ... ولا جديد نوعياً طرأ على تركيبة المعارضة، يبرر موجة التفاؤل التي تواكب الاتصالات المصرية السورية ... الجديد في المسعى المصري، أنه يأتي في لحظة استعادة (أو محاولة استعادة) القاهرة لأدوارها الإقليمية، وفي مجالها الحيوي التاريخي، وسوريا على الدوام، كانت في قلب دائرة الأولويات الأمنية والاستراتيجية المصرية ... وفي هذا السياق يشار إلى أن مصر بالذات، باتت الأكثر حماسة للحل السياسي للأزمة السورية، باعتبار أن تداعيات هذه الأزمة وارتداداتها، بدأت تطاول الداخل المصري وتؤثر على أمن البلاد واستقرارها.
لكن هذا ليس هو التطور الوحيد، الذي يثير قدراً من التفاؤل بالنتائج التي قد تتمخض عنها جهود من هذا النوع، التطور الآخر، بات يتمثل في ميل عواصم دولية عديدة، لتفضيل الحل السياسي واستبعاد فرص “الحسم العسكري”، حيث أخذنا منذ عدة أشهر، نلحظ تغييراً في سلم الأولويات الغربية / الأمريكية حيال سوريا، خصوصاً بعد أن أصبحت داعش هي العدو الأكثر وحشية وخطورة وراهنية من غيرها.
والمؤكد أن حال المعارضة السورية اليوم، خصوصاً الائتلاف الوطني، ليس كما كان عليه من قبل، فقد “طاشت” جميع رهاناته في العسكرة والتسليح والتدخل الأجنبي، وأخفقت رهانات حلفائه على “ضرب عصفورين بحجر واحد”: داعش والنظام السوري... كما أن خطط الملاذات الآمنة، والمناطق العازلة وحظر الطيران، التي طالما دعت لها المعارضة، وأيدتها فيها دول عدة، قد سقطت بدورها، ولم تعد مطروحة على جدول أعمال “المجتمع الدولي”، هذا إن كانت مطروحة في الأصل.
لكن المسعى المصري هذا، سيصطدم بعقبات كبيرة، قد تحول دون نجاحه في تحقيق مراميه ... أول هذا العقبات، إصرار الائتلاف على كونه الممثل الشرعي والوحيد، والذي لا يوازيه أو يزيد عليه، سوى إصرار المعارضات الأخرى، على رفض هذه “الوكالة الحصرية” الممنوحة للائتلاف لتمثيل المعارضة ... وهذه مشكلة ستكون محاولة تذليها، في صلب الأولويات المصرية على المسار السوري.
ثم، أن الخلافات ما بين معارضات الداخل والخارج، والخارج / الخارج، ما زالت متفاقمة ... في الداخل (وبعض الخارج) باتوا يجنحون لخيار التفاوض والحلول السياسية الوسط والانتقال متعدد المراحل، بوجود الأسد أو من دون وجوده، بعض الخارج ما زال على مواقفه المُشددة على رحيل الأسد قبل التفكير بولوج عتبات الانتقال السياسي لسوريا.
أما العقبة الثالثة، وغير الأخيرة، فإنما تتمثل في مواقف بعض الأطراف الإقليمية، ومدى رضاها عن اضطلاع مصر بهذا الدور وهي التي لم تعترف حتى الآن، بشرعية النظام الجديد في القاهرة ... تركيا لن تكون مرتاحة أبداً لهذا الحجيج السوري صوب القاهرة، والرياض لم تعط بعد كلمتها النهائية بخصوص طبيعة الدور المصري في المسألة السورية، وهو دور يستند إلى رؤية غير متطابقة مع الرؤية السعودية، تحديداً لجهة الموقف من النظام والأولويات وهوية المعارضات التي يتعين دعمها.
وإذا ما قُدّر للقاهرة أن تنجح في مسعاها، فإن الكرة ستنتقل إلى الملعب الروسي، حيث ستحاول موسكو جمع المعارضة والنظام حول مائدة واحدة، وهنا يبدو أن الكرملين سيأخذ على عاتقه أمر “ترتيب بيت النظام السوري”، وتدوير الزوايا الحادة في مواقفه، بالنظر لخصوصية العلاقة التي تربطه بقصر الشعب في دمشق ... وهذه مهمة ليست سهلة على الإطلاق، على الرغم من الوشائج الخاصة التي تجمع الحليفين، ولقد سبق لدبلوماسيين روس أن أوضحوا لنظرائهم الأمريكيين، بأنهم لا يمتلكون من النفوذ على بشار الأسد، بأكثر مما يتملك البيت الأبيض من نفوذ على بينيامين نتنياهو.
نحن إذن أمام عملية قد تكون منسقة، بين القاهرة وموسكو، تتولى بموجبها الدبلوماسية المصرية أمر المعارضة السورية وتجميع صفوفها وتوحيد كلمتها، فيما تضطلع الدبلوماسية الروسية بأمر تطويع النظام مع مقتضيات الحل السياسي للأزمة السورية، وسط قناعة إقليمية ودولية (ومحلية سورية) بتعذر الحل العسكري على مختلف الأطراف، وارتفاع كلفة استمرار الأزمة السورية، والحاجة لاحتواء هذه الأزمة، قبل أن تتطاير شراراتها لتشمل مناطق وأقاليم أبعد من دول الجوار.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسكو والقاهرة ولعبة تطويع النظام والمعارضة موسكو والقاهرة ولعبة تطويع النظام والمعارضة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia