كل عام و «الدستور» بخير

كل عام و «الدستور» بخير

كل عام و «الدستور» بخير

 تونس اليوم -

كل عام و «الدستور» بخير

عريب الرنتاوي

سألني الصديق: ما الذي يدفعك للانتظام بالكتابة اليومية في «الدستور»، وأنت الذي لم تتقاض راتباً منذ ثمانية أشهر أو يزيد؟ ... أجبت: علاقاتي بالجريدة تمتد لعشرين عاماً خلت من دون توقف أو انقطاع... كتبت خلالها ما لا يقل عن ثمانية آلاف مقال وتحليل سياسي وافتتاحية، بما يعادل 12 ألف صفحة على أقل تقدير، غطت مختلف التطورات والمحطات والمفاصل التي مرّ بها الأردن والمنطقة والعالم ... المسألة إذن، تتخطى العلاقة الوظيفية، «الزبائنية» إن شئت... هي «عشرة عمر» كما يقول الإعلان الشهير في شوارع عمان.

بالمعنى الشخصي، استهلكت «الدستور» ثلث حياتي الطبيعية التي عشتها حتى الآن، ونصف حياتي العملية التي بدأت مبكراً على أية حال ... وعمر تجربتي فيها من عمر ابنتي جنا التي لوّنت حياتي بعد ستة عشر عاماً من تجربة الأبوة مع «صبيين شقيين» ... ففي اليوم العشرين لعملي منسقاً للتحرير في الجريدة، جاءتني البشرى بمقدم «آخر العنقود»... وطوال هذين العقدين، شغلت «الدستور» عقلي، واحتلت جنا حيزها المميز في قلبي.

قبل أن يستطرد صديقي بسؤال آخر، استفضت بالإجابة قائلاً: لست وحدي على هذا الحال وهذه العلاقة مع «أم الصحف الأردنية»، فهناك أزيد من ثلاثمائة زميل وزميلة، في مختلف الأقسام، تتجاذبهم الضغوط المتناقضة، فهم من جهة، كثيرون منهم على الأقل، قضوا سنوات وعقودا ثمينة من أعمارهم بين «دفتي» الجريدة، لا يتصورون لأنفسهم حياة أخرى، خارج فضاءاتها، ولا أقول جدرانها... بيد أنهم من جهة ثانية، مطحونون بضغوط الحياة اليومية واحتياجاتها التي لا ترحم ولا تنتظر ... أصحاب أسر ومعيلين ومواطنين، ينتظرون «الفواتير» و«الأقساط» و«الكمبيالات» آخر كل شهر، وليس «الراتب» فقط.

لقد تابعت كغيري من الزملاء، أزمة الجريدة ومراحل تطورها، وجاءت لحظات ظننا فيها أننا بصدد «تحرير» عددها الأخير، وهي فكرة سوداء، لطالما أثارت القشعريرة في عروقنا، إذ كما قال البعض ممن تناولوا «أزمة الدستور»: ليس سهلاً أن تتخيل صباحات عمان من دون بائعي الصحف على الأرصفة والإشارات المرورية، يتأبطون الدستور وزميلاتها ... يصعب تخيّل المشهد الإعلامي والسياسي والثقافي الأردني، من دون «الدستور».

ولطالما أزعجتني «نداءات الاستغاثة العاجلة» التي عبرت عنها مقالات بعض الزملاء، والموجهة لكل من يعنيهم الأمر، يستعجلون تدخلاً طارئاً لإنقاذ مركب الجريدة من الغرق ... ظننت للحظة أننا بصدد «نداء» من أجل تحويل جماعي لموظفي الجريدة إلى «صندوق المعونة الوطنية» ... أو أننا، وبعد أن بلغنا من الكبر عتيّا، نعود لنبحث لأنفسنا عن معيل و «ولي أمر»، يتدبر شأن أسرتنا الكبيرة، وتلكم بلا شك، كانت واحدة من اللحظات القاسية على النفس.

كما أزعجتني والحق يُقال، بعض المقاربات النابعة من عمق الإحساس بالخذلان، إذ كيف لجريدة نذرت نفسها للدفاع عن الوطن والنظام، أن تجد نفسها في لحظة تخلٍ قاسية، عند أول منعطف أو مأزق تمر به ... مثل هذه المقاربة، تسيء لإرث الجريدة وتراثها، وتطرح سؤالاً عمّا إذا كنّا وكانت، نفعل ذلك عن قناعة عميقة وضمير حيّ، أم أننا كنا بصدد البحث عن «بوليصة تأمين» تعيننا على مواجهة تقلبات الدهر وتعاقب الليل والنهار؟!

نقول ذلك ونحن لا نبرر لأحدٍ تخاذله أو استنكافه عن مد يد العون للصحيفة، ليس لأنها الصحيفة التي نذرت نفسها للدفاع عن الدولة والوطن والنظام، فالأمر يصح كذلك، بالنسبة لجريدة تنتمي للمعارضة ... فموت أية صحيفة محترمة، في «المعارضة» كانت أم في «الموالاة»، هو بالقطع، نبأ حزين ونذير شؤم ... ولقد انتابتنا مشاعر شبيهة، حين رأينا صحفاً زميلة، مرت بالأمس بما تمر به «الدستور» اليوم.

غداً أو بعد غدٍ، سنكون على موعد مع عيد الفطر السعيد، وسنرى عشرات المقالات التي ستندب حال الأمة، وبعضها سيعنون من دون ريب بعبارة «عيد بأية حال عدت يا عيد»، فمخيلة كثيرين منا، باتت قاصرة، وتفضل الجنوح إلى الاقتباسات السهلة ... سيبكي كثيرون حال فلسطين والعراق وسوريا وليبيا، واليمن سيحظى بنصيبه من الرثاء والحسرات ... أردت أن أخصص مقالة العيد لهذا العام، لأسلّم على زملائي وزميلاتي في الجريدة الغراء، ولأنقل من خلالهم إلى أبنائهم وبناتهم، زوجاتهم وأزواجهم، وعموم الأهل والأقرباء، أطيب الأمنيات بالعيد السعيد ... ولأقول لأم الصحف الأردنية: كل عام وانت بألف خير، وإلى أعياد أخرى بإذن الله.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كل عام و «الدستور» بخير كل عام و «الدستور» بخير



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia