عريب الرنتاوي
يتردد في أروقة عواصم صنع القرار الدولي، أن “العرب” هم من يتعين عليهم خوض الحرب البرية على “داعش”، وفي هذا السياق تبدي واشنطن اهتماماً خاصاً بتشكيل هذه القوة، بعد الوصول إلى خلاصة مفادها أن الحرب على الإرهاب لا يمكن أن تحسم “من فوق”، وأن الحاجة تقتضي تجهيز قوات برية لملاقاة جيش “خليفة المسلمين” في أماكن انتشاره وسيطرته، وفي ظل توافق ديمقراطي – جمهوري على استبعاد سيناريو التورط في حرب برية جديدة في الشرق الأوسط.
تطرح هذه الفكرة جملة تحديات والعقبات، يصعب التفكير في كيفية مجابهتها وتذليلها ... منها، عن أي “عرب” نتحدث وتتحدثون، من هي الدول المرشحة لإرسال أبنائها إلى ميادين القتال، وهل يمكن بناء تفاهم عربي حول أهداف الحرب وحدودها وما بعدها؟ ... ماذا عن مواقف الدول المبتلاة بالتهديد الإرهابي (سوريا والعراق أساساً)؟ ... أين ستنشر هذه القوات ومن أين ستنطلق وعبر أي حدود ستدخل إلى ساحات المعركة، وماذا عن مواقف الدول المجاورة، وبالأخص تركيا، هل يمكن بناء توافق عربي -تركي في ضوء تردي علاقات أنقرة مع معظم إن لم نقل جميع العواصم العربية؟ ... وأخيراً، ماذا عن الأردن، وهل سيكون شريكاً في القوات البرية بعد أن ظهّر شراكته في الضربات الجوية وميادين التعاون الاستخباري واللوجستي مع قوى التحالف؟
الدول المرشحة للدخول في حرب برية على “داعش” هي بالأساس: (دول الخليج + مصر والأردن)، الأولى لم تظهر تميزاً في الحروب البرية، بما فيها تلك التي دارت على حدودها وتخومها، وليس لدى جيوشها خبرات في خوض هذا النوع من الحروب أو غيرها على أية حال، سيما حروب الشوارع والمدن كتلك المرسلة من أجلها، وهي تعتمد حتى في حفظ أمنها الداخلي، على مروحة واسعة من الحلفاء العرب والأجانب ... أما مصر، فبالكاد تقوى على مجابهة تحدي الإرهاب في سيناء وعلى حدودها الغربية، دع عنك حفظ الأمن والاستقرار في الداخل المصري، وليس من المتوقع أن يكون لها إسهام مقدر في هذا الميدان، فيما الأردن، ما فتئ يسرب المعلومات عن رفضه التورط في حرب برية، تاركاً الباب مفتوحاً لبعض العمليات (جراحة موضعية) قد تقوم بها وحدات نخبة من القوات الخاصة، وفي ظروف معينة، وبناء على معلومات استخبارية محددة.
مَنْ مِنَ العرب سيقوم بقيادة الحرب والمشاركة فيها إذن؟ ... في ظني أنه لا توجد دولة عربية لديها الرغبة أو الحماسة الكافية لخوض غمار الحرب البرية ضد داعش، ومن توفرت لديه الرغبة منها، فليست لدية المقدرة على تحقيق الانتصار، ومن توفرت لديه الرغبة والمقدرة، لديه أولويات أكثر أهمية ينشغل بها ويكرس لها طاقات قواته المسلحة وأجهزته العسكرية.
العراق أعلن رفضه المطلق لوجود جنود أجانب على أراضيه، وقال أكثر من مرة أنه لا يشكو نقصاً في العديد وإنما في العتاد والتغطية الجوية ... سوريا بدروها، اعتبرت أن دخول قوات إلى أراضيها من دون موافقتها وبالتنسيق معها، سيعتبر عملاً عدائياً، يستوجب رداً سورياً مناسباً ... فإذا كان البلدان المبتليان بالإرهاب يرفضان دخول قوات برية إلى أراضيهما، فمن سيتحمس إلى إرسال تلك القوات، ومن بمقدوره أن يتحمل تبعات قرار من هذا النوع.
ثم ماذا عن مواقف وشروط دول الجوار العربي والإقليمي لسوريا والعراق ... الأردن ليس جهة مناسبة لدخول قوات برية إلى سوريا عبر أراضيه، إذ يتعين على هذه القوات أن تقطع سوريا من أدنى الجنوب إلى أقصى الشمال لملاقاة “مجاهدي دولة الخلافة”، وهذا أمر تعترضه عقبات لوجستية وجغرافية وعسكرية كبرى، دع عنك “القرار السياسي – السيادي الأردني” ... لبنان المنقسم على نفسه حول كل شيء، لن يكون مقراً ولا ممراً لهذه القوات، وإلا انفرط عقد الأمن والاستقرار والحكومة والبرلمان والتوافق ... تبقى تركيا، التي تضع جملة من الشروط التعجيزية لتقديم تسهيلات للتحالف الدولي في حربه ضد داعش، لم تقبل بها حتى الآن أية دولة في العالم سوى فرنسا المبتلاة بدورها بداء البحث عن دور وحصة من أية كعكعة ... أما علاقات أنقرة مع القاهرة أساساً، وبدرجة أقل مع معظم دول الخليج، فلا تسمح حتى بمجرد التفكير ببناء توافق عربي – تركي حول سوريا، كما لا تساعد على التنبؤ بنجاح سيناريو إرسال قوات عربية لاستئصال داعش.
نحن إذن، أمام نوع من التفكير الرغائبي، الذي يسعى في تفادي السيناريو الأكثر إحراجاً والمتمثل في بناء تحالف قوي بين الجيش السوري النظامي وقوات “البيشمركة” الكردية السورية وبقايا المعارضة المعتدلة والعشائر السنية، على طراز التحالف القائم في العراق ضد داعش ... وأحسب أن وقتاً طويلاً قد يمر، قبل أن تتمكن واشنطن أساساً، وبعض حلفائها في المنطقة، من النزول عن الشجرةمحتفظةً بأقل قدر من ماء الوجه المراق، وتخطي الحواجز النفسية في التعامل مع نظام الأسد، والشروع في بناء حلف عسكري جديد، سوري وعلى الأرض السورية، لمجابهة خطر داعش والإرهاب.
أمس، نشرت جميع الصحف تقريباً، تقريراً عن “موت الثورة السورية”، فيه شهادات وقراءات لمناضلين سوريين أدركوا أن ثورتهم السلمية انقلبت إلى نقيضها، واختُطفت من قبل قوى متطرفة وعواصم إقليمية ودولية ... وأن الوقت قد حان لتفكير جديد ومقاربة مختلفة ... هذا التفكير الجديد هو ما حدا بالشيخ معاذ الخطيب للتوجه إلى موسكو، وهو ما دفع دي ميستورا لتقديم مبادرة “تجميد النزاع في حلب” ... مثل هذه المقاربات، تعطي الانطباع باننا ذاهبون في هذا الاتجاه، لكن تعنت بعض الأطراف الإقليمية والدولية، وإصرار النظام في دمشق، على سد سبل الحوار مع معارضيه، هو ما يعرقل هذه المقاربة حتى الآن، والأرجح إلى أن تكتشف كافة الأطراف، أنه لا بد مما ليس منه بُدُّ.