فرنسا وسياسة «الرقص مع الذئاب»

فرنسا وسياسة «الرقص مع الذئاب»

فرنسا وسياسة «الرقص مع الذئاب»

 تونس اليوم -

فرنسا وسياسة «الرقص مع الذئاب»

عريب الرنتاوي

أحداث “الجمعة الدامية” في باريس، ليست كسابقاتها ولا كغيرها من الأحداث، وفرنسا بعدها لن تعود إلى ما كانت عليه قبلها ... والمؤكد أن ارتدادات زلزال “غزوة باريس” ستضرب عميقاً في صلب السياسات الأمنية الداخلية، وستطاول على الأرجح، السياسة الخارجية الفرنسية في بعضٍ من مفاصلها الرئيسة ... أما “الطبقة الأمنية والسياسية” المسؤولة عن “التقصير” أو حتى التسبب في إضعاف جهاز المناعة الأمنية والسياسية الفرنسية المكتسبة، فأحسب أنها ستواجه لحظة الحساب، سياسياً عند أول انتخابات، وأمنياً ربما قبل ذلك بكثير.
لماذا فرنسا؟ ...

لن ندخل في سجال حول “مسؤولية” السياسة الخارجية الفرنسية عن تحويل باريس إلى ساحة مفتوحة لنشاط الإرهابيين وإعمالهم الإجرامية، فهناك عواصم غربية أخرى، انتهجت سياسات مماثلة، بل وأشد “قسوة”، وظلت مع ذلك، بمنأى عن دائرة الاستهداف ... أغلب الظن، أن الإرهاب وجد في باريس، خاصرة الغرب الرخوة، فحوّل مرافقها السياحية والرياضية والإعلامية، إلى أهدافٍ سهلةٍ وفي متناول الخلايا اليقظة والنائمة على حد سواء ... كما أن وجود جاليات كبرى، ذات أصول عربية ومسلمة، تعاني صنوفاً مختلفة من التهميش الاقتصادي والاجتماعي، حوّل فرنسا إلى مستودع ضخم للجهاديين، الذين انتقل الألوف منهم، إلى ساحات الخلافة والجهاد في سوريا والعراق، لتعود المئات منهم للعبث بأمن فرنسا واستقرارها.
أين من هنا؟ ...

فرنسا تغيرت ... والأرجح أنها ستكون أقل تسامحاً حيال مكوناتها العربية والمسلمة، والأجانب بصفة عامة ... الأرجح أنها ستعتمد قوانين أقل تقيداً بقواعد حقوق الانسان الصارمة ... الأرجح أن صوت اليمين المتطرف المعادي للأجانب والمهاجرين واللاجئين، سيعلو أكثر من أي وقت مضى ... الأرجح أن شبح الاسلاموفوبيا، سيخيم حتى إشعار آخر، على رؤوس الفرنسيين، بدلالة ما نشهده من حالات ذعر وفزع، أعقبت التفجيرات الإرهابية، وألقت بظلالها الكثيفة والكئيبة على المشهد الفرنسي العام.

فرنسا ستتغير، والأرجح أنها ستجد صعوبة في الاستمرار بأداء دور “الشريك المشاكس”، الذي لعبته زمن المفاوضات في فيينا حول “النووي الإيراني”، والذي تواصله اليوم في محادثات فيينا حول “الحل السياسي السوري” ... فرنسا التي كادت تتماهى مع مواقف وأطروحات المحور التركي – السعودي – التركي، ستُدخل من الآن وصاعداً، مزيداً من الاتزان والتوازن في مقارباتها، ومن يتتبع الجدل الدائر بين نخبها السياسية والثقافية النافذة، لن يجد صعوبة في إدراك كنه التحولات المرتقبة في أداء السياسة الخارجية الفرنسية، كما أن حالة القلق التي تنتاب حلفائها في الدول الثلاث، كما تعبر عنها وسائل إعلامها، يدرك من دون شك، أن أحداث الجمعة الدامية، لم تجلب السرور إلى قلوبهم.

ولن يكون مستبعداً، أن نرى وفوداً أمنية وسياسية تؤم العاصمة السورية بعد الآن، فالطريق بين باريس ودمشق، سبق لوفود برلمانية وإعلامية فرنسية عديدة، أن عبّدته، والمرجح أن حاجة الأجهزة الأمنية الفرنسية للتنسيق وجمع المعلومات مع النظام في دمشق، ستدفعها إلى السير على هذا الطريق، لكن دمشق، تشترط التنسيق السياسي قبل الأمني، وقد أبلغ الأسد ضيوفه الفرنسيين بعد الأحداث، بأن لا تنسيق أمنياً مع باريس، من دون مقدمات وتقدمات سياسية، والأرجح أن فرنسا لن تنتظر طويلاً قبل أن تشرع في توفير هذه المقدمات والتقدمات.

وعلى خط آخر، سنجد  - ربما – انفتاحاً فرنسياً أكبر على روسيا وإيران ... وهناك في باريس من بات يتحدث عن “عدم جواز” وجود تحالفين في الحرب ضد “داعش” في سوريا والعراق... المؤكد أن المقاربة الفرنسية الجديدة، ستأخذ بنظر الاعتبار حاجة باريس للتنسيق مع كل الأطراف المشتبكة مع “داعش” على الساحتين السورية والعراقية، وفي كلتا الساحتين، ستصطدم الحرب الفرنسية على الإرهاب، بوجود قوى ظلت العاصمة الفرنسية تُدرجها في خانة “صنّاع المشاكل” وليس في قائمة “صناع الحلول”.

وستيعين على فرنسا أن تتلفت حولها لترى أن بعض حلفائها هم عبء عليها وليسو ذخراً لها، وبوجود أصدقاء كهؤلاء، لا حاجة لها إلى الأعداء ... سيتعين عليها الكف عن سياسة الكيل بمكياليين، فالديمقراطية وحقوق الانسان مطلوبة في سوريا والعراق، مثلما هي مطلوبة بالقدر ذاته في اليمن وليبيا، مطلوبة من الخصوم مثلما هي مطلوبة من الأصدقاء ... ولا يمكن بحال من الأحوال، استمرار اعتماد معايير مزدوجة في التعامل مع أنظمة الاستبداد، وتغليب منظومة المصالح الاقتصادية والتجارية والنفطية، على القيم والمبادئ التي بشّرت بها الثورة الفرنسية، واستمدت العاصمة الفرنسية منها، أنوارها وإشعاعها.

فرنسا بعد “الجمعة الدامية” يجب أن تتغير، حتى لا تضع هباءً دماء مئات الفرنسيين، الذي سقطوا في لحظة ضعف وغفلة، أمنية وسياسية، تتحمل الإدارة الفرنسية وزرها والمسؤولية الأدبية والأخلاقية عنها... فلطالما حذر كثيرون، من مخاطر وتداعيات سياسة “الرقص مع الذئاب”، مستوحدة كانت أم قطعانا.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا وسياسة «الرقص مع الذئاب» فرنسا وسياسة «الرقص مع الذئاب»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia