عريب الرنتاوي
على وقع التصعيد الميداني متعدد الجبهات في سوريا، والتقدم المطّرد للفصائل “الجهادية”، وانتقال النظام وحلفائه إلى “الخطة ب”، تزايد الحديث عن تنامي فرص الحل السياسي للأزمة السورية، وتتطاير السيناريوهات بشأن “دور الأسد في مستقبل سوريا”، هل له دور، كيف، وفي أي سياق، وإلى أية حدود؟
واقعياً، يبدو أن النظام وحلفاءه قد سلموا باستحالة الحل العسكري، الخطط والتكتيكات العسكرية وجملة الإجراءات والسياسات الأخيرة، توحي بأن النظام سلّم بأن ليس لديه القدرة على استعادة سيطرته على معظم سوريا، فقرر تركيز قواه في جزءٍ منها، يراه الأكثر حيوية لوجوده ومستقبله ... داعش تتقدم على جبهات عدة، وجيش الفتح بقيادة النصرة تتقدم على جبهات أخرى، و”الجيب” الكردي يتحول إلى كيان بإدارة ذاتيه، آخذ في التمدد والاتساع ... سوريا الجديدة، ترتسم حدودها على امتداد خطوط التماس المتحركة بين مختلف الأطراف.
المعارضات على اختلافاتها، “الجهادية بالأساس”، تعلم علم اليقين، أن ثمة خطوطا حمراء يصعب أن تجتازها ... كل التهويل حول “اللاذقية والساحل وقرداحة”، دونه موقف دولي وإقليمي، أحسب أنه لن يسمح بارتكاب واحدة من أكبر جرائم العصر، إن قُيّض للجهاديين دخول هذه المناطق ... مؤتمر القاهرة يتحدث عن “الحل السياسي”، ويقترح خطة عمل لا تستبعد النظام، وإن كانت تستبعد الأسد شخصياً من أية أدوار مقررة في مرحلة الانتقال ... يبدو أن هذا الموقف يتناغم مع موقف القاهرة.
التسريبات عن تقارب روسي – أمريكي حول سوريا، تتحدث عن اتفاق حول “مرحلة انتقالية”، طويلة نسبياً، لعامين أو ثلاثة أعوام، يبقى فيها الأسد في موقعه، بصلاحيات أقل ... واشنطن تريده بلا صلاحيات، بل لا تريده أساساً، موسكو مستعدة للتفاوض حول “الصلاحيات” بشرط حفظ مصالحها الحيوية في سوريا ... فهل إيران بعيدة عن هذه المقاربة؟ ... البعض يتحدث عن إرهاصات صفقة مشابهة، قد تتوصل إليها طهران مع واشنطن، بعد التوقيع على “النووي”، تحفظ “الحد الأدنى” من المصالح الإيرانية، ولا تلحظ دوراً محورياً للرئيس السوري في مرحلة الانتقال... “تنحي الأسد” أو تنحيته، لم يعد مقدمة للحل وشرطا له، بل نتيجة مضمونة وخاتمة لمسار الانتقال السياسي.
أين من هنا؟
كل ما قيل، سبق وأن قيل مثله من قبل ... الجديد هذه المرة، أن العالم والإقليم أُنهك من استطالة أمد الأزمة بأكثر مما ينبغي، وأن خطر تحول سوريا إلى دولة فاشلة، مقسمة وملاذ آمن للإرهاب، يدفع المجتمع الدولي للاهتمام أكثر بتسريع الحل والمبادرات ... الأطراف أنهكت في هذه الحرب، النظام يجد صعوبة في حشد وتجنيد وتجديد الحافزية القتالية لجنوده وضباطه، والمعارضات غير الجهادية، أعياها الانتظار المضني على أبواب العواصم وهوامش الصراع المسلح وسراب الوعود الدولية ... الجميع منهكون، إلا الفصائل الجهادية، التي ما زالت “باقية وتتمدد”.
هل نحن أمام حملة تهويل جديدة، يخوضها الحلف المناهض للنظام السوري وحلفائه، أم أن الأزمة السورية، تكاد تنضج لحل سياسي، يحفظ وحدة سوريا، ويوحد قواها في مواجهة داعش والإرهاب، يُبقي على النظام من دون رأسه ورئيسه، وفي أحسن الأحوال، يبقيه بصلاحيات أقل أو مجردا من الصلاحيات؟
ليس لدينا ما يكفي من المؤشرات للجزم حول الوجهة التي ستسلكها التطورات على المسار السوري، بيد أننا “نشتم” رائحة “صفقة” إقليمية –دولية حول سوريا، لم تكتمل بعد، بيد أنها لم تعد في عداد المستحيلات، والشروط بشأنها في طور الإنضاج على ما يبدو، وثمة أطراف متزايدة تتجه للقبول بالانخراط في ثناياها ودهاليزها ... تركيا ما بعد الانتخابات، ستكون حتماً عقبة أقل صلابة في وجه الحل السياسي، لن يحدث انقلاب في الموقف والموقع التركيين بين عشية وضحاها، بيد أن تغييراً سيطرأ في كل الظروف، وغالباً لصالح تسوية من “نوع ما” للأزمة السورية، دون مستوى طموحات وأحلام أردوغان، يبدو أن الرجل سيعيش ويتعايش مع مرحلة تكسّر الأحلام والطموحات العابرة للتاريخ والجغرافيا.
“النظام بلا رئيسه” هو العنوان الرئيس للحل المقبل، أما التفاصيل والأجندات الزمنية و”التخريجات” فمتروكة للمفاوضات والصفقات اللاحقة ... وكذلك “المشروع الديمقراطي” لسوريا ... فثمة كثيرون ممن يناهضون الأسد اليوم، سيناهضون بنفس الشدة والمقدار، أي مشروع ديمقراطي لمستقبل سوريا ... بالنسبة لهؤلاء، الديمقراطية خطر أشد على كياناتهم من داعش والإرهاب والمشروع الإيراني في المنطقة ... لكن حين تكون الخيارات بين أن تبقى سوريا أو لا تبقى من جهة، و”المساومة على بعض فصول مشروعها الإصلاحي” من جهة ثانية، تصبح المساومات والمقايضات، مشروعة تماماً.