سؤال الانتفاضة الثالثة

سؤال الانتفاضة الثالثة

سؤال الانتفاضة الثالثة

 تونس اليوم -

سؤال الانتفاضة الثالثة

عريب الرنتاوي

خلال الساعات الأربع والعشرين الفائتة فقط، واجهت عدة مرات، سؤال الانتفاضة الثالثة: هل تتجه التطورات في القدس والضفة الغربية إلى انتفاضة ثالثة؟ ما هي الفرص والاحتمالات؟ ... ما هي العراقيل والتداعيات؟ ... من يمنع ويعرقل، ومن يشجع ويعمل على إطلاق شرارات انتفاضة جديدة؟
والحقيقة أن الوضع الفلسطيني، خصوصاً في الضفة الغربية، بات أكثر تعقيداً من أن يسمح بتقديم إجابات سهلة ومباشرة، على هذه الأسئلة السهلة والمباشرة، لكن في مطلق الأحوال وجميع الظروف، يخطئ من يسقط “سيناريو الانتفاضة الثالثة” من حساباته وتكهناته، فعوامل الانفجار كامنة تحت السطح الساكن والراكد في الأرض المحلتة، وفرص الانفجار وعوامله، ما زالت كامنة تحت السطح، كالجمر تحت الرماد، والفلسطينيون يتوفرون على ما يكفي من الأسباب لدفعهم دفعاً لكسر رتابة الأحداث والتطورات، والنزول بأعداد غفيرة إلى الشوارع.
إسرائيل أغلقت كل نافذة أمل يمكن أن يتطلع من خلالها الفلسطيني صوب مستقبل أفضل، وقطّعت كل السبل المفضية للحرية والاستقلال في دولة مستقبلة وقابلة للحياة، وهي لا تتوقف عن تسمين المستوطنات القائمة وبناء المزيد منها، والانتهاكات والتعديات على القدس والأقصى والمقدسات تُمارس على مدار الساعة وأيام الأسبوع، والحصار يضرب أهل غزة، ويلحق بكبارهم وصغارهم أفظع الخسائر والأضرار ... بالكاد، بقي للفلسطيني العادي ما يخسره.
أضف إلى ذلك، ان ديمومة حالة الانقسام الفلسطيني، وغياب أي أفق لاستعادة الوحدة الوطنية على اساس استراتيجية جديدة للنضال الفلسطيني، تنسجم وتستجيب للمرحلة الاستراتيجية الجديدة التي تقف القضية الفلسطينية على عتباتها، هي من بين عوامل أخرى عديدة من شانها أن تصيب الفلسطيني العادي، بكل مشاعر الخيبة والإحباط، وتجعله يدرك “أن ما حك جلدك غير ظفرك”، وأنه قد آن الأوان، لإلقاء حجر كبير، في مستنقع الركود المخيم على حياته وقضيته وحقوقه، بعد أن أغلقت المنافذ، وسُدّت الطرق، في وجه الحلول والتسويات والمبادرات.
ولطالما تحولت القدس وحقوق أهلها ومعاشهم، ومقدساتها من إسلامية ومسيحية، فضلاً عن قضية الأقصى والرعاية الهاشمية، إلى عامل تأزيم للموقف، لا بين الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، بل وبين الإسرائيليين والأردنيين كذلك،ولقد علقت القدس واهلها “الجرس” مرات ومرات في غضون أشهر قليلة، وها هي اليوم، تتحول إلى خط تماس أول بين سلطات الاحتلال والمستوطنين من جهة، والفلسطينين على اختلاف مشاربهم ومرجعياتهم من جهة ثانية.
لكن ذلك، لا يعني تلقائياً اننا ذاهبون إلى انتفاضة ثالثة، فالمسألة أكثر تعقيداً من ذلك، ولقد مررنا بمحطات سابقة، كانت كل واحدة منها، كفيلة بإشعال فتيل انتفاضة ثالثة، ولكنها لم تندلع، وذهبت كافة التوقعات والرهانات أدراج الرياح ... ثلاث حروب كبرى على غزة، وموجات اعتداء متعاقبة على القدس والمقدسات والأقصى، لم تفلح في إشعال الفتيل، بل ولم يحرك بعضها ساكناً في الضفة الغربية التي ظلت على رتابة يومياتها المعتادة ... لكأننا أخفقنا في قراءة الآثار الكبيرة، التي أحدثتها نظرية “الانسان الفلسطيني الجديد” في البنية الاجتماعية والسياسية للفلسطينيين في الضفة، ولم نُقِدرَحق تقدير، درجة تمثلها في “العقيدة القتالية” لأجهزة أمن السلطة، إلا بعد أن شاهدنا الشريط المشؤوم، لرجال الشرطة ينهالون بالضرب المبرح على الفتى من بيت لحم قبل أسابيع قليلة.
لكن مع ذلك، هناك من يعتقد بأن الجولة الحالية من العدوان على القدس والأقصى مختلفة عن سابقاتها، وأن الانتفاضة الثالثة آتية لا ريب فيها، فهل هذا التقدير في محله، وهو نحن مقبلون على انتفاضة ثالثة؟
نقول إن ثمة اختلافات مرئية بين الجولة الحالية وما سبقها من جولات بين سلطات الاحتلال والمستوطنين من جهة وأهل القدس والضفة الغربية من جهة ثانية ... فـ “المزاج” الفلسطيني العام، آخذ في الاحتقان، حتى في أوساط السلطة، وبالذات في أوساط حركة فتح وقواعدها الشعبية والنضالية الواسعة والعريضة ... صحيح أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يفجر أية قنابل من على منبر الأمم المتحدة، لكنه سجب “حلقة أمان” القنبلة، وأبقى صاعق التفجير ممسوكاً، يضغط عليه بأصابع يده ... والغطرسة الإسرائيلية المنفلتة من كل عقال، قد تفضي إلى  إفلات القنبلة من بين يديه، فلا يعود قادراً على إعادة صمام الأمان إلى مكانه، ولن يكون بمقدوره إبقاء القنبلة في قبضة يده لفترة أطول... مثل هذه الأجواء، ترجح سيناريو الانتفاضة الثالثة بلا شك، وتدفع على الاعتقاد، بان تطورات المواجهة قد تصل في لحظة من اللحظات إلى حد الانفلات من السيطرة والخروج على قواعد اللعبة والتحكم.
بيد أن حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، والخشية المتبادلة بين فريقي الانقسام، ستلقي بظلالها من دون شك، فالمؤكد أن اوساط فتح والسلطة والمنظمة، لا تنظر بارتياح إلى دعوات المواجهة والتصعيد التي تطلقها حماس في الضفة، في الوقت الذي تتواتر فيه التقارير عن مشاريع “التهدئة طويلة الأمد” في قطاع غزة ... الأرجح أن القيادة في رام الله، تساورها الشكوك (او تسكنها القناعات) بان مطالبة حماس بتصعيد المقاومة في الضفة، إنما تستهدف السلطة بالذات، وتحت شعار المقاومة، لخلق حالة من انفلات السيطرة تطيح بالسطة وقبضتها، وتمكن حماس من الإمساك بتلابيب الشوارع الفلسطينية الغاضبة
ثم، صحيح أن السلطة وقفت في نيويورك عن حافة إعلان اتفاق أوسلو والانسحاب من التزاماته، بل والتلويح بحل السلطة أو وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، لكنها ظلت عند حافة الهاوية، ولم تندفع إلى قعرها، والسبب الرئيس هنا لا يتعلق فقط، بما واجهته من ضغوطات شقيقة وصديقة، وإنما يعود إلى استمرار رهان السلطة (اقرأ أوهامها) حول خيار التفاوض وحل الدولتين والعملية السياسية، فالسلطة حتى وهي تلوح بآخر أوراقها، فإنها تفعل ذلك، من باب استدراج المبادرات والتدخلات الإقليمية والدولية، حتى وإن كانت النتيجة العودة لتجريب المجرب.
لهذه الأسباب، تبدو “الانتفاضة الثالثة” سيناريو محتمل، ولكنه غير وحيد، وثمة سيناريوهات أخرى لا تبدو مستبعدة، كأن يجري العمل على استعادة التهدئة بين إسرائيل والفلسطيني، وضخ جرعة جديدة من “السلام الاقتصادي” في الضفة الغربية، تزامناً مع إحياء مساعي “التهدئة بعيد المدى” على جبهة غزة، والهدف شراء المزيد من الوقت والاستمرار في إدارة الأزمة واحتواء مخاطر الانفجار الشامل ... أما “حل الدولتين” فلم يعد يصلح حتى لتخدير مشاعر الفلسطينيين الغاضبة، بعد أن عبرت غالبيتهم عن قناعتها بان هذا الخيار قد بات وراء ظهرها.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سؤال الانتفاضة الثالثة سؤال الانتفاضة الثالثة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia