سؤال «الإرهاب» المفتوح

سؤال «الإرهاب» المفتوح

سؤال «الإرهاب» المفتوح

 تونس اليوم -

سؤال «الإرهاب» المفتوح

عريب الرنتاوي

لا تكف روسيا عن المطالبة بتزويدها بقائمة للفصائل المصنفة “إرهابية” في سوريا... الطلب ذاته، يُطرح بصيغة مختلفة من نوع: أعطونا قائمة بأسماء و”إحداثيات” انتشار “المعارضة المعتدلة” لكي نتفادى ضربها واستهدافها ... لا أحد يتبرع بالاستجابة لهذا المطلب أو الرد عليه، أياً كانت “الصيغة” التي يعرض بها.
في فيينا جرى التوافق على “رسم خريطة” القوى المسلحة” في سوريا، وعددها بالمئات، لتميز غثّها عن سمينها، والاتفاق على ما هو “إرهابي” وما هو “معتدل” من بين صفوفها ... لا أحد يريد أن يجري نقاشاً جدياً حول هذه المسألة، فمعظم الأطراف تريد أن تُبقي سؤال “الإرهاب” مفتوحاً.
“الغموض غير البناء” الذي تحرص أطراف عديدة على إحاطة هذه المسألة به، لا يعود إلى تعقيداتها، أو صعوبة توفير الإجابة على هذا السؤال، بل إلى اختلاف النظرة، النابع من اختلاف المصلحة، في تعريف “الإرهاب” وتمييزه عن “الاعتدال”، وثمة اطراف لا تريد أن تقيد أيديها بإعطاء أجوبة محددة على السؤال المحدد، فالإرهاب ما زالت له وظيفة لم تُستنفذ بعد، وبعض الأطراف، لم تُسلم حتى الآن، بضرورة الامتناع عن اللعب بورقته لتحقيق أهداف سياسية محددة.
تركيا على سبيل المثال، ترى في الجماعات الكردية، وتحديداً وحدات الحماية الشعبية، تنظيماً إرهابياً بامتياز، مع ان واشنطن والغرب عموماً، يريان فيها حليفاً موثوقاً ومؤهلاً للحصول على الدعم والإسناد والغطاء الجوي والأسلحة والتدريب ... روسيا تشاطر واشنطن وجهة نظرها وتقييمها لهذه الجماعات.... تركيا التي اضطرت بعد ضغوط المجتمع الدولي، للنظر إلى داعش كفصيل إرهابي، ما زالت تحتفظ بقنوات مفتوحة مع “النصرة” وأحرار الشام” وغيرها من الفصائل الجهادية المتطرفة.
إيران، جرياً على تقييم النظام السوري وحزب الله، ترى أن كل من يحمل السلاح ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، إرهابياً، وهي وإن أصدرت بين الحين والآخر، تلميحات تشفُّعن قدر من الاستعداد لقبول التمييز بين جماعة مسلحة وأخرى، إلا أنها في سلوكها ومواقفها العامة، لا تميز أحداً عن الآخر.
قطر التي تحتفظ بتحالف استراتيجي مع جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، بمن في ذلك إخوان سوريا، لم تخف موقفها الرسمي الداعم والمؤيد لـ “أحرار الشام” السلفية، وهي تضرب عرض الحائط بكل “التصنيفات الدولية” للجماعات الإرهابية التي تضع “النصرة” في صدارة قوائمها السوداء ... والدوحة تبدو مستعدة للتحالف مع كل شياطين الأرض، إن هم حملوا السلاح ضد نظام الأسد، وهي تشاطر السعودية نظرتها للنظام وحلفائه، بوصفهم إرهاباً موصوفاً، يستحق الاجتثاث والاستئصال.
في المقابل، لا تشاطر دولة الإمارات العربية المتحدة، السعودية وقطر وتركيا مواقفها وتصنيفاتها لخريطة الجماعات المسلحة في سوريا ... الإمارات المسكونة بهاجس الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية عموماً، تبدو أقرب في مواقفها إلى مواقف عمان والقاهرة، الأكثر توافقاً مع القراءة الروسية للمشهد السوري عموماً.
فوق كل هذه وتلك من دول المنطقة وعواصمها، يبدو الموقف الأمريكي متأرجحاً، لا يريد إثارة الانقسام في صفوف حلفاء واشنطن، ويتحاشى صب الحب في طاحونة الحركات الأصولية المتشددة، والأهم من هذه وذاك، ان واشنطن تريد أن تحتفظ لنفسها بهامش حركة واسع، يمكنها من توظيف الجميع، بمن في ذلك بعض الحركات الإرهابية المتطرفة كـ”النصرة” و”أحرار الشام” لإضعاف نظام الأسد وإنهاك حلفائه، ولعل هذا ما يفسر تحاشي الطائرات الأمريكية ضرب “النصرة” و”جيش الفتح”، بل وتنديدها بالضربات الروسية لهذه الفصائل.
وحول الموقف الأمريكي تدور مختلف المواقف الأوروبية وتتّبِعه، مع ميل فرنسي واضح ومستفز، للتماهي مع مواقف أنقرة والدوحة والرياض، بصرف النظر على كل “السرد” الفرنسي ضد التطرف والإرهاب والخطاب الديني الإقصائي.
لهذا السبب سيظل سؤال “الإرهاب” مفتوحاً، وستظل دعوات موسكو ومطالباتها، بمثابة صيحات في وادٍ سحيق، مع أن ألف باء الحرب على الإرهاب وشرط الانتصار فيها، إنما يتمثل في فرز الغث عن السمين، وتسمية الإرهابيين بأسمائهم، ووضع إحداثيات قواعدهم ومعسكراتهم وجحورهم، فوق الخرائط الكبرى المعلقة على جدران غرف العمليات.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سؤال «الإرهاب» المفتوح سؤال «الإرهاب» المفتوح



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia