زاوية أخرى للنظر

زاوية أخرى للنظر

زاوية أخرى للنظر

 تونس اليوم -

زاوية أخرى للنظر

بقلم : عريب الرنتاوي

أربعة “عناصر قوة”، حقيقية أو متخيّلة، استندت إليها العلاقة التاريخية بين النظام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، انقلبت أو تكاد تنقلب، إلى “نقيضها”، وبدل أن تكون سبباً في إدامة هذه العلاقة وتطويرها، تحولت إلى سببٍ في تأزيمها، وربما إحداث القطع والقطيعة بين طرفيها.

العنصر الأول، وقد تلاشى منذ زمن بعيد، وتحديداً منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين، غاب “العدو الشيوعي المشترك” الذي لعب دور “اللاصق” لهذه العلاقة، وتدافع اليساريون إلى شغل الحقائب الوزارية، التي طالما استمتع بإشغالها، قادة الجماعة في زمن سابق، زمن الأحكام العرفية، الذي حذرت الجماعة مؤخراً، من العودة له، مع أنه كان “زمانها”، ورجالاتها كانوا رجالاته ... تغيرت المواقع والمواقف، وارتسمت من جديد، خرائط التحالفات، وثمة حاجة لإدراك هذه الحقيقة، والأهم، التصرف بهديها.

العنصر الثاني، وقد تلاشى منذ زمن كذلك، يوم كانت الحركة الإسلامية، مطلوبة لخلق “المعادل الموضوعي” لنفوذ منظمة التحرير وفصائلها في الأردن بضفتيه على حد سواء، ويوم كانت الرهانات ما زالت قائمة على دور أردني في الحل الفلسطيني، ويوم كانت العلاقة بين القيادتين الأردنية والفلسطينية، تنافسية بامتياز، قبل أن تتحول في سنيّ حكم الملك عبد الله الثاني، وتحديداً بعد رحيل ياسر عرفات، إلى علاقة “تعاون” تنطلق من قاعدة أن “الأردن أردن، وفلسطين فلسطين” ... كان يتعين إدراك هذه الحقيقة يوم أُغلقت مكاتب حماس في عمان، وأُبعد قادتها إلى الدوحة في العام 1999، والأهم من إدراك المسألة، هو التصرف وفق مقتضياتها.

العنصر الثالث، ويتصل بفرضية “تمثيل المكون الفلسطيني” في المعادلة الوطنية الأردنية ... البعض نظر للمسألة بوصفه عنصر قوة، على اعتبار أن أحداً لن يكون بمقدوره إلغاء تمثيل مكون أساس من مكونات الشعب الأردني، فيما هو في واقع الحال، عنصر ضعف، ومصدر قلق وتحسب لمؤسسات صنع القرار، وعائق حال دون تحقيق مزيدٍ من “العدالة في التمثيل”، ومن تساوره شكوك حيال ما نقول، فليرجع لمقابلة الملك مع “ذا أتلانتيك” في آذار/ مارس من العام 2103، وليقرأ جيداً تجربة انتخابات 2007 ومحاولات “تخليق” نخب جديدة في إطار هذا المكون.

العنصر الرابع، ويتأسس على “نظرية المصدّ”، والتي تفترض أن الجماعة، بوصفها تعبيراً عن “الإسلام الوسطي – المعتدل” يمكن أن تلعب دور “المصدّ” في مواجهة رياح الغلو والتطرف والإرهاب ... لهذه النظرية أنصارها حتى اليوم، وإن كانت السياسة الرسمية المتبعة حيال الجماعة، تظهر أنهم يتناقصون في مؤسسات صنع القرار السياسي والأمني، ويتآكل تأثيرهم ... وهناك في المقابل، من يقترح، أن معظم جماعات “التطرف العنيف” خرجت من تحت عباءة الجماعة، وأنها مسؤولة إلى حدٍ يكبر أو يصغر، عن نشر “ثقافة التطرف”، من المسجد إلى المدرسة ... هنا وهنا بالذات، كان يمكن للجماعة أن تعمل بجهد أكبر، على “تظهير” خطاب مغاير، والاضطلاع بأدوار متزايدة في التصدي لظاهرة التطرف، بدل المراوحة في مربعات رمادية وضبابية.

الجماعة تنطلق من نظرية “حاجة النظام لها”، وتستند في ذلك إلى “إرث” من المواجهات المشتركة ضد تهديدات الحرب الباردة ومهدداتها، لكن النظام في المقابل، لديه ما يقوله، فهو حمى الجماعة، ووفر لها ملاذاً آمناً حين كانت مطاردة في معظم إن لم نقل جميع، الأقطار والأمصار العربية ... ثم أن تكرار مثل هذا النوع من الأحاديث والمبررات، هو نوع من الإصرار على الاستمرار في “إصدار شيكات من دون رصيد”، ستودي بصاحبها في نهاية المطاف، إلى أسوأ العواقب.

كان يتعين على الجماعة (ولا يزال) أن تتعامل بجدية من التحولات العميقة الجارية من حولها ... كان عليها ألا تراهن على “نظرية القصور الذاتية” في الميكانيكا، التي تفترض استمرار حركة الجسم في درجة “صفر جاذبية” بذات السرعة وذات المسار، إلى الأبد (إلى ما شاء الله)، ما لم يصطدم بجسم آخر ... المجتمعات لا تعيش لحظة واحدة، من دون “جاذبية وتجاذبات”، ولحظة الاصطدام بجسم آخر، كانت آتية لا ريب فيها، سيما إن أدركنا بان هذا هو توجه “عقل الدولة “، وليس قرار موظف هنا أو توجه مسؤول ثانوي هناك.

لست أقترح مواقف أو سياسات معينة يتعين على الجماعة اجتراحها أو تبنيها، أقله في هذه المقالة، وجُلّ ما أريد قوله، أن المراوحة في مربع “الإنكار والمكابرة” الذي تردد على ألسنة كثيرين وعبر أقلامهم، قد بلغت خواتيمها، وأن لحظة “التحوّل الإستراتيجي” تقرع الأبواب، والمأمول أن يأتي التحوّل وتنصبّ المراجعات، على ما ينفع الناس ويبقى في الأرض.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زاوية أخرى للنظر زاوية أخرى للنظر



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia