جريمة سيناءالتطرف والتباطؤ

جريمة سيناء..التطرف والتباطؤ

جريمة سيناء..التطرف والتباطؤ

 تونس اليوم -

جريمة سيناءالتطرف والتباطؤ

عريب الرنتاوي

إذا أردنا أن نعرف ما يجري في سيناء، فعلينا أن نعرف ماذا يجري في القاهرة ... ما يحدث في سيناء هي جريمة أقرب ما تكون للفضيحة، لا لأنها تتكرر وبذات الحجم المأساوي كل بضعة أشهر فحسب، بل لأنها تدحض مختلف الادعاءات عن نجاحات مفترضة لاستراتيجية مكافحة الإرهاب وتطهير سيناء، والتي تحظى عادة بتغطية إعلامية احتفالية مضللة، باتت جزءا من المشكلة بدل أن تكون توطئة للحل.
خلال الأشهر القليلة، تعرض مئات الجنود والضباط المصريين للقتل والذبح وأفدح الإصابات على أيدي المتطرفين الإسلاميين ... الموجة الأخيرة من عمليات الاستهداف كانت الأعنف والأبشع، عشرات القتلى وأضعافهم من المصابين ... هجمات متزامنة، وفي مناطق عدة، بالسيارات المفخخة وقذائف الهاون ... برغم إعلان الطوارئ وتمديد أحكامها ... كيف أمكن للقتلة أن يوقعوا هذا العدد الضخم من الجنود والضباط؟ ... كيف لهم أن يفلتوا بفعلتهم؟ ... كيف لهم أن ينجحوا في تدبير عمل هكذا بعد أسابيع من بناء الشريط الحدود مع القطاع الذي كاد يقضي على مدينة رفح المصرية بكاملها؟ ... وكيف استوطنوا في مناطق فيها من العسكر أكثر مما فيها من المدنيين؟ .... أسئلة وتساؤلات، يستحق الرأي العام المصري والعربي ردوداً عليها.
أحداث سيناء ألحقت أذى كبيرا بصورة العهد المصري الجديد وهيبته ... الشعب المصري خرج بالملايين ضد حكم مرسي والإخوان، متطلعاً لاستكمال ثورة العيش والحرية والكرامة ... لا العيش توفر للمصريين إلا بشق الأنفس، أما الكرامة والحرية فباتت عملة نادرة، تفضي مصادرتهما إلى انزياح قوى ثورية متزايدة إلى صفوف المتظاهرين والمحتجين في الشوارع ... وقبل أيام، كانت اليسارية شيماء والإخوانية سندس تفقدان حياتيهما في الشوارع برصاص الشرطة، ليُحال الملف، كما غيره من الملفات إلى أرشيف لجان التحقيق التي لا تصل إلى نتيجة.
ولأن سيناء ليست الساحة الوحيدة لممارسة العنف والإرهاب، الذي انتشر وينتشر في مختلف المدن والبلدات المصرية، فإن حفظ الأمن واستعادة الاستقرار، بات مطلباً لجميع المصريين، لا يقل أهمية عن الحرية والعيش ... بمعنى أن ظروف المصريين بعد التغيير الذي حصل في يونيو ويوليو باتت أسوأ مما كانت عليه.
ملايين المصريين التي خرجت لاسقاط حكم الإخوان، بنت آمالا عراض على الحكم الجديد، وهي منحت ثقتها للجيش والمؤسسة العسكرية، لاستئصال الفساد وتفكيك منظومة الاستبداد واستعادة الأمن والأمان ... أي من هذه الأهداف لم يتحقق بعد، بل أن كافة المؤشرات تدعو للتشاؤم في فرص تحقيقها في المدى المنظور.
وعلى قدر التوقعات الكبيرة التي أحيط بها العهد الجديد، فإن مشاعر الخيبة والإحباط، ستكون كبيرة بلا شك ... فالنظام القديم، نظام الفساد والاستبداد الذي ثار ملايين المصريين لاسقاطه وتفكيكه، يعود ليطل برأسه البشع في ثنايا التعيينات والأحكام القضائية وقوائم المرشحين للانتخابات المقبلة ... ولم يجد العهد الجديد من هدية أفضل لشباب ثورة يناير وصباياها، في الذكرى الرابعة للثورة، سوى إطلاق سراح نجلي الرئيس المخلوع، علاء وجمال ومبارك ... أما أحكام البراءة التي صدرت بالجملة ضد رموز العهد البائد، فتقف كشاهد على “الثورة المغدورة” التي استبدلت وجهاً بوجه، ورجلاً برجل من دون أن تنجح في تفكيك مفاصل الاستبداد والفساد، أو مرتكزات الدولة العميقة المناهضة للإصلاح والتغيير.
قبل فترة ليست قصيرة، قلنا في هذه الزاوية بالذات، إن مصر قد تكون مقبلة على موجة ثورية ثالثة، إن لم يسارع العهد الجديد على إدراك ما يمكن تداركه ... يبدو أن عجلة الحكم والتغيير في مصر تسير ببطء، والمرجح أن وتائر سيرها ستتباطأ أكثر على وقع تناقص المساعدات الخارجية الناجم عن انهيار أسعار النفط ... في المقابل، لا يبدو أن الحناجر الصادحة بالعيش والحرية، ستتوقف عن المطالبة باستئناف الثورة، كما ان معاول الإرهاب والتخريب لن تتوقف عن العمل للمس بأمن مصر واستقرارها وسلمها الأهلي.
إن لم يكن سقوط هذا العدد الهائل من الضحايا في سيناء، سببا لإجراء المراجعات الشاملة، السياسية والأمنية منها ... إن لم تكن محفزاً على الوفاء لأهداف ثورتي يناير ويونيو، فإن ميادين القاهرة والإسكندرية ستكون على موعد غير بعيد، مع موجة ثورية أخذت تطل برأسها على أية حال ... فثمة ما يشي بأن أحداث اليوم تشبه أحداث الأمس، وثمة من يقول ما “أشبه اليوم بالأمس” بالإشارة إلى مصر عشية ثورة يناير.
الإرهاب يوحد المصريين، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون مصدراً لارتياح السلطات ... ومحاربة الإرهاب تتطلب ابتداءً، تمكين الشعب المصري من حريته ولقمة عيشه، وإقناع ملايينه التسعين، بأن بلدهم سائر على طريق الإصلاح والتغيير، وأن لا مطرح لرموز الفساد والاستبداد في العهد الجديد، وأن الثورة ستنجز أهدافها، ولن تكون “ثورة مغدورة” أبداً ... إن لم يحصل ذلك، علينا أن ننتظر المفاجآت من القاهرة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة سيناءالتطرف والتباطؤ جريمة سيناءالتطرف والتباطؤ



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia