عريب الرنتاوي
أطلقت ثمانون شخصية عربية مسيحية، ما أسمته “إعلان عمان... خريطة طريق لمستقبل أفضل لمسيحيي البلدان العربية”، إلى اثنتي عشرة نقطة أساسية، اشتقت منها خريطة طريق للمستقبل، وأحسب أن تعميم هذه المبادئ/ الحقائق، يبدو أمراً مهماً من الناحية الوطنية، وليس المسيحية فحسب، وهذه المبادئ هي:
أولاً: إن فشل الدولة الوطنية العربية بناء “دولة المواطنة المتساوية” المدنية الديمقراطية التعددية، كان سبباً حاسماً في خلق مناخات من التمييز ضد شرائح أساسية من المواطنين والمكونات، ولقد عانى مسيحيو هذه البلدان، من أشكال شتى من هذا التمييز، على المستوى الدستوري والقانوني، أو على مستوى المشاركة والتمثيل السياسيين، أو لجهة تمتعهم بقدر أقل من الحقوق والحريات، وتحديداً في مجال الحريات الدينية.
ثانياً: إن شعوب هذه المنطقة، بمختلف مكوناتها، قد عانت ما عانت، جراء تفشي حالة الركود في المنطقة، لأكثر من ثلاثة عقود، في ظل أنظمة اتسمت غالبيتها بالفساد والاستبداد، حيث جرى التأكيد على أن “لا حل مسيحياً لمشكلات المسيحيين”، وأن الحل إنما يتمثل في انخراط شعوبنا ومجتمعاتنا، بقواها الحيّة، في النضال السلمي بناء الدولة الحديثة، المدنية – الديمقراطية، دولة كافلة وضامنة لمنظومة الحقوق والحريات الفردية والجماعية لمختلف مواطنيها ومكوناتها.
ثالثاً: الرفض القاطع، لكل محاولات تصوير المسيحيين على أنهم عنصر سلبي في حركة التغيير والإصلاح التي تجتاح المنطقة، وتطالب بها شعوبها من أجل اللحاق بقطار العصر والحداثة، كما رفضوا محاولات تقديم المسيحيين كـ “ظهير خلفي” لأنظمة وحكومات وقوى مستبدة وفاسدة، فالمسيحيون من أبناء وبنات هذه المنطقة، كانوا على الدوام، دعاة نهضة وتنوير، ومناصرين أشداء للوحدة الوطنية في دولهم ومجتمعاتهم.
رابعاً: إن المجتمعات العربية، وتحديداً في العقود الثلاثة الأخيرة، قد باتت أقل تسامحاً حيال بعض مكوناتها، خصوصاً في ظل انتشار قراءات متطرفة وشاذة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتفشي مظاهر الإقصاء والتكفير وعدم الاحترام للآخر والتطاول على حقوقه ومحاولة منعه من ممارسة هذه الحقوق، والمؤسف أن هذه الظاهرة نشأت وتفاقمت، تحت سمع وبصر معظم إن لم نقل جميع حكومات هذه الدول، وأحياناً بتشجيعٍ من بعضها، ومن دون أن يُتخذ ما يكفي من الإجراءات لمجابهتها.
خامساً: الحاجة للتمييز بين حركات الإسلام السياسي، وعدم وضعها جميعاً في سلة واحدة، ووجوب محاربة وعزل التيارات التكفيرية والإلغائية منها، ودعوة الحركات الأكثر اعتدالاً إلى تبني خطاب واضح حيال المكون المسيحي في المنطقة، والابتعاد عن اللغة الضبابية والمراوغة عن الحديث عن حقوقهم وحرياتهم ومشاركتهم وتمثيلهم.
سادساً: رفض المحاولات التي تقوم بها جهات متطرفة وإقصائية، للنظر إلى المسيحيين كـ “أقليات” ثانوية، أو “جاليات” وافدة، أو “أهل ذمة”، فهم ملح هذه الأرض، وهم من أهل حضارتها وثقافتها وتراثها، و”مواطنتهم الفاعلة والمتساوية” في دولهم ومجتمعاتهم، غير قابلة للمقايضة أو المساومة أو القسمة أو الانتقاص.
سابعاً: إدانة النظرات والمحاولات، التي تتعامل مع مسيحيي المنطقة، كـ “جيوب” للدول الغربية، واستذكار صفحات ناصعة من تاريخ هذه المنطقة، ونضالات شعوبها في سبيل الاستقلال والتحرر الوطني، حيث تصدر مفكرون وقادة مسيحيون كثر، حركات التحرر والاستقلال عن الاستعمار، وكانوا روّاداً في حركة النهضة والتنوير.
ثامناً: ولدى مراجعة الدساتير والتشريعات السارية في عدد من الدول العربية، لاحظ المشاركون تبايناً في درجة اعترافها وكفالتها لحقوق المسيحيين وحرياتهم، أفراداً وكنائس وجماعات، وهي تراوح ما بين التنكر لهذه الحقوق، أو عدم الاتيان على ذكر هذا المكوّن وتسميته باسمه الصريح، أو الانتقاص من حقوقه وحرياته، واشتداد الحاجة لتنقيح وتعديل هذه الدساتير والتشريعات، بما ينسجم مع الحاجة لـ “دسترة” و”قوننة” مفهوم “لمواطنة الفاعلة والمتساوية.
تاسعاً: إن المجتمعات المسيحية في المنطقة، شأنها شأن مختلف المكونات المجتمعية، تتميز بتعددية مذهبية وفكرية وسياسية واجتماعية، ولا يجوز النظر لها بوصفها “كرات مصمتة” عصية على التنوع والاختلاف، من دون أن ينفي ذلك أهمية بناء “توافقات الحد الأدنى” لمختلف تيارات ومدارس المسيحية العربية والمشرقية، وفي هذا الظرف الدقيق بالذات.
عاشراً: “الفجوة” القائمة بين الكنيسة ورعيتها، خصوصاً الأجيال الشابة منها، تملي على رجال الدين المسيحي الاقتراب أكثر من الهموم والمشكلات التي تواجه أبناء الكنيسة، وتشجيعهم على الانخراط الفاعل في العمل الوطني العام بمختلف أشكاله وميادينه المشروعة
حادي عشر: إن تنامي اتجاهات متطرفة وانعزالية، داخل المجتمعات المسيحية، يملي على قادة هذه المجتمعات السياسيين والروحيين، بذل جهود أكبر لتفادي الوقوع في دائرة “الفعل وردة الفعل”، أو الرد على التطرف بتطرف مقابل، ومن منطلق الإيمان العميق، بأن مجابهة التحديات التي تعترض مسيحيي المنطقة، إنما يكون في إطار وطني – ديمقراطي جامع، فـ “لا حل مسيحياً لمشكلة المسيحيين”
ثاني عشر: تقدير الجهود التي تبذلها أطراف عديدة في المجتمع الدولي لتقديم الغوث والعون الإنسانيين لمئات ألوف النازحين واللاجئين من مسيحيي دول المنطقة، وبالأخص سوريا والعراق، من دون إغفال أنتثبيت المسيحيين في أوطانهم الأصلية هي الأولوية القصوى، وتوفير شبكة أمان لهم في مواجهة المخاطر والتحديات التي تعترضهم، والعمل مع دول المنطقة بحكوماتها ومختلف الأطراف ذات الصلة فيها، من أجل حفظ الوجود المسيحي فيها وتعزيزه.