التفكير من خارج الصندوق نحو «مناطـق آمنـة توافقيـة»

التفكير من خارج الصندوق: نحو «مناطـق آمنـة توافقيـة»

التفكير من خارج الصندوق: نحو «مناطـق آمنـة توافقيـة»

 تونس اليوم -

التفكير من خارج الصندوق نحو «مناطـق آمنـة توافقيـة»

عريب الرنتاوي

مبكراً في أواخر العام 2012 وبواكير العام الذي تلاه، تناولنا في هذه الزاوية في أكثر من مرة، فكرة البحث عن “مناطق آمنة توافقية”، في سوريا وعلى ترابها الوطني، تكون بمثابة حل ناجع لأزمة اللجوء السوري، تعفي دول الجوار من تبعات هذا الحمل المكلف، وتبقي السوريين على أرضهم، وتنزع ورقة “اللجوء واللاجئين” من حقل التجاذبات السياسية، وتوفر أقداراً هائلة من المعاناة الإنسانية التي توالت فصولها تباعاً، وتفاقمت في الآونة الأخيرة، وتمكن المانحين والمنظمات الإنسانية من القيام بأدوارهم المستقلة تماماً عن الأجندات السياسية لدول الإقليم وعواصم العالم.

لم يكن أحداً ليصغي لأمر كهذا، حتى بعد أن أوردت صحيفة السفير اللبنانية، تقارير عن “اتصالات سرية” يديرها لبنان والأردن مع القيادة السورية، بحثا عن “مناطق آمنة توافقية”... يومها لزمت الحكومة الصمت التام حيال هذه الأخبار، وبدا أن الأمر برمته لم يكن مستساغاً في ظل حالة التأزم والاستقطاب التي صاحبت الأزمة السورية منذ اندلاعها، وفي مناخات الابتزاز السياسي التي مارستها دول وحكومات ومنظمات، قضت جُلّ وقتها في “عدّ الأيام” الأخيرة للرئيس السوري بشار الأسد؟!
اليوم، تبدو الصورة مختلفة، من استغرقوا سنوات في “العدّ” سئموا ما يفعلون، وثمة عواصم كبرى، إقليمية ودولية، تبحث في سبل التواصل مع النظام، وتستطلع فرص بقائه وديمومته، بل أن بعضها الذي كان من الأشد إلحاحاً على رحيل الأسد، كشرط مسبق للشروع في أية عملية سياسية، بدأ يتحدث اليوم، عن دور للأسد في المرحلة الانتقالية على أقل تقدير ... أما مشكلة اللجوء السوري إلى دول الجوار والمنافي الأوروبية والعالمية البعيدة، فقد بلغت حدوداً عصية على التقبل الإنساني.

الأردن الذي تردد في تبني الفكرة، وهو في قلب دائرة الضغوط والابتزاز الممارس عليه من قبل حلفاء كبار في الإقليم والعالم، كان بدوره، إلى جانب لبنان، واحداً من المقاصد الأولى لطوفان اللاجئين، وقد استقبل منهم، ما يزيد بكثير، كل من استقبلتهم أوروبا برمتها حتى الآن، ومع تراجع الاهتمام الدولي بدعم الأردن واللاجئين المقيمين على أرضه، ومع تقلص معدلات الانفاق والمساعدة المصروفة للأسر السورية اللاجئة، يواجه الأردن خطر الترك وحيداً للتعامل مع هذا الملف الثقيل، مع كل ما قد يترتب عليه من نتائج لن تحمد عقباها.

أحسب أن إعادة طرح الفكرة من جديد، وفي هذا الظرف الإقليمي – الدولي المتغير يبدو أمراً ذا قيمة سياسية عالية ... وأحسب أن من حق الأردن، أن يبادر إلى إطلاق مبادرة بعنوان “نحو مناطق آمنة توافقية”، إن لم يكن على نحو جماعي وبالاشتراك مع دول جوار سوريا، فلا أقل من أن نفعل ذلك منفردين، ولحسابنا الخاص.

وتقوم الفكرة على الحوار والتفاوض مع النظام في دمشق، لتوفير مناطق آمنة على مقربة من الحدود الأردنية، وفي الداخل السوري، يركن إليها اللاجئون السوريون مؤقتاً، بدل تجشم رحلة العناء والسفر والموت في الطرقات والبحار وشاحنات نقل اللحوم المبردة... ويستطيع الأردن أن ينسق مبادرته كذلك، مع الأطراف التي يعتقد أنها تمثل “المعارضة المعتدلة” في جنوب سوريا، والتي تأكد أن لها صلات مهمة مع عمّان ... وقد يندرج الأمر في سياق “مصالحات محلية”، يعمل الأردن على “التوسط” لإنجاحها بين النظام وقواته المنتشرة في تلك المناطق من جهة، وبين القوى المعارضة من محلية ومسلحة وقبلية وأقليات منتشرة في الجنوب السوري من جهة ثانية ... فتكون المصالحات والتفاهمات، مدخلاً لإعادة تموضع اللاجئين في وطنهم وعلى أرضهم.

لقد طوى الأردن، كما تقول التقارير ومصادر الأخبار المختلفة، صفحة الرهان على معتدلين في المعارضة المسلحة، وبات واضحاً أن ثمة تحولات في الموقف الأردني انعكست تغييراً في واقع الحال على الجبهات الجنوبية في سوريا، وهناك “برقيات” تنم عن رغبة في تنشيط قنوات الاتصال والتواصل مع دمشق، وهذا بحد ذاته، يشكل “فرصة” لم تتوفر من قبل، لإعادة إحياء الفكرة وبعث مشروع “المناطق الآمنة التوافقية” من جديد.

لا أظن أن النظام السوري سيعارض فكرة من هذا النوع، وحين بدأنا نتحدث بها قبل عامين أو يزيد، استمزجنا آراء بعض المقربين من النظام، الذين أفادوا بأن الأمر لن يكون مرفوضاً طالما كان “توافقياً” ومنسجماً مع اعتبارات “السيادة الوطنية”، وطالما أن الطريق إلى هذه المناطق، سيمر بدمشق حكماً ... في تلك الفترة، كان من الصعب مفاتحة أحد بمثل هذه المواقف / الاشتراطات، فالمناخات السياسية لم تكن تسمح بذلك، لكنها تسمح اليوم، وتشجع على إعادة طرح هذه الأفكار.
حتى أصحاب الرؤوس الحامية في أنقرة وبعض العواصم الخليجية والدولية، بدأوا يميلون إلى مراجعة خطاباتهم وتقليص لائحة اشتراطاتهم، وأوروبا اليوم، بخلاف الأمس، تكتوي بنيران الهجرة واللجوء، وهي على أتم الاستعداد للبحث عن حلول ومخارج حتى وإن جاءت من “كوكب بعيد” ... هي فرصة لنا نقلّع أشواكنا بأيدينا، وألا ننتظر الترياق من العراق.

في ظني أن مبادرة تسير على مسارات متوازية ومتزامنة، من نوع: تشجيع المعارضات الجنوبية على الدخول في المصالحات المحلية، وحوار مع دمشق حول فكرة “المناطق الآمنة التوافقية” وحراك دبلوماسي على خط العواصم الدولية ومجتمع المانحين والمنظمات الإنسانية، يمكن أن تجعل هذه الفكرة التي كانت عصية على التحقيق ذات يوم، ممكنة تماماً هذه الأيام.
مشكلة اللجوء السوري مرشحة للاستطالة والتفاقم، خصوصاً بعد انشغال أوروبا بلاجئيها، وإدارة الظهر لمئات ألوف العائلات السورية المقيمة بين ظهرانينا ... والأردن لا يمتلك ترف الانتظار والإرجاء، وقد آن أوان التفكير “خارج الصندوق”، وأحسب أن التفكير بمبادرة من هذا النوع، يمكن أن يكون واحداً من المخارج الجوهرية للتعامل مع مشكلة اللجوء السوري.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفكير من خارج الصندوق نحو «مناطـق آمنـة توافقيـة» التفكير من خارج الصندوق نحو «مناطـق آمنـة توافقيـة»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia