الإخوان و«النيران الصديقة»

الإخوان و«النيران الصديقة»

الإخوان و«النيران الصديقة»

 تونس اليوم -

الإخوان و«النيران الصديقة»

عريب الرنتاوي

يست “الجماعة” في أحسن أحوالها هذه الأيام، فبعد أكثر من عام على سقوط حكمها في مصر، تتعرض “الجماعة” لبعض “النيران الصديقة”، مصدرها هذه المرة، الدوحة ولندن، العاصمتان اللتان حظي فيهما الإخوان المسلمون، بمساحة واسعة من الحضور والتسهيلات، عوضتهم جزئياً عن فقدان هوامش حرية الحركة في الموطن الأصلي.
في الدوحة، أعلن عن إبعاد سبعة من كبار قادة الجماعة المصريين، قبلها كان إخوان الخليج قد غادروا الدوحة إلى جهات مجهولة/ معلومة ... وزير الخارجية المصري، قال إن هذا “غيضٌ من فيض”، فهناك أكثر من ثلاثمائة إخواني مصري ما زالوا في الدوحة، وسيجرى ترحيل المزيد منهم ... الوجهة الجديدة للمُرحَّلين، تراوحت ما بين كوالالمبور وإسطنبول والخرطوم.
ومن لندن، بدأت التسريبات الأولية لنتائج التحقيق في دور جماعة الإخوان المسلمين وصلاتها بالمنظمات الإرهابية، تحريضاً وتمويلاً وتجنيداً ... التقرير كما تقول صحف لندن، لم يصل إلى التوصية بحظر الجماعة على الأراضي البريطانية، وإن كان طلب حظر نشاطها الإعلامي والدعائي، وحل بعض الجمعيات التابعة لها، ووضعها تحت مجهر الرقابة الأمنية الكثيف، بما يشمل، تشديد الإجراءات الخاصة باستقبال قادتها وسفرهم إليها وإقامتهم فيها.
في الحالتين، لم تصل الدوحة أو لندن إلى حدِّ “القطع” و”القطيعة” مع الجماعة ... قطر، ومن على قاعدة “مكرهٌ آخاك لا بطل”، اضطرت لتجرّع قرار الإبعاد، وقد تضطر لتجرّع قرارات إضافية في هذا المضمار، بيد أنها لن تقطع مع الإخوان، ولن تجازف بإرث طويل من علاقات التحالف المثمرة للجانبين ... حماس باقية في الدوحة ولا تقليص على أنشطتها أو حضورها، والصلات مع الجماعة ستظل مستمرة، حتى وإن تطلب الأمر، اتخاذ ترتيبات جديدة للاتصال والتمويل والتنسيق ... وفي مطلق الأحوال، فإن الحليف التركي الذي هبَّ لزيارة الدوحة، لن يترك قطر تواجه ضغوط محور عربي وازن، وحدها.
أما لندن، صاحبة العلاقة التاريخية مع الجماعة، والتي وفرت لقياداتها المأوى والملاذ، ولأنشطتها الإعلامية والدعائية والاجتماعية والثقافية، هامش حركة واسع، فإنها بدورها لن تخضع بالكامل “لابتزاز” الحلفاء، حتى وإن كانوا بوزن مصر والسعودية، ومن خلفهما محور بأكمله، وهي كالدوحة، ستبقي على ما أكثر من “شعرة معاوية” مع الجماعة، على أمل أن تتغير الظروف والمستجدات، فتعود المياه إلى مجاريها.
لكن في مطلق الأحوال، فإن الإجراءات المتزامنة التي اتخذت في سياقين منفصلين، ستفضي بلا شك، إلى خلق متاعب جديدة للإخوان المسلمين ... لا سيما أن مساحات الحركة والحرية المتبقية لهم، باتت محصورة في عدد قليل جداً من الدول والعواصم، بعد أن بات من الصعب على دول صديقة لهم، أو محكومة بأحزاب من طرازهم، أن تستقبلهم دون المقامرة بتلقي أشد العواقب والضغوط من خصوم الجماعة الكبار والمؤثرين.
ووفرت “الحرب الكونية على داعش”، ومقتضيات تشكيل ائتلاف إقليمي – دولي، فرصة سانحة لخصوم الإخوان المسلمين لتحقيق مآربهم ... فمن أجل تسهيل قيام هذا التحالف، وتفعيل أدوار الدول الكبرى فيه كمصر والسعودية، لم يكن لدى واشنطن خاصة، والغرب عامة، مشكلة في تعريض قطر لأشد الضغوط للانصياع للائحة الشروط المصرية – الخليجية ... وبريطانيا، المسكونة بهاجس العقود الفلكية مع السعودية، ومقتضيات الحرب على الإرهاب وحلفها مع واشنطن، لم يكن بمقدورها إدارة الظهر للضغوط، فجنحت لتقديم بعض التنازلات، التي لا ترقى إلى مستوى الاستجابة لجميع المطالب، وإن كانت تكفي لبعث رسائل طمأنة للدول ذات الصلة.
في التعليق على هذين التطورين الهامين نقول إن ثمة دروس يتعين ألا تغيب عن الأذهان، ومنها، أننا نقرأ مؤشرات “انحراف” الحرب على الإرهاب، إلى “حرب على جماعة الإخوان”، وهذا أمر ليس في مصلحة الحرب على الإرهاب ابتداءً، فالإخوان ليسوا من شاكلة داعش أو طرازها، وإن لزموا صمت القبور على شذوذها وانحرافها وجرائمها.
ومن هذه الدروس، أنه بات يتعين على الجماعة، أن تبادر من دون إبطاء للهبوط عن قمة الشجرة في خطابها المصري، وأن تطوي صفحة المطالبة بعودة الشرعية، وأن تدرك أن مياهً كثيرة قد جرت في نهر النيل منذ الثالث من تموز/ يوليو 2013، وأن تجنح لخيار “التسويات” و”المصالحة”، وأن تقوم بمراجعة عميقة للتجربة، منذ اندلاع أول شرارات “الربيع العربي”.
والأهم من كل هذا وذاك، أن على الجماعة العمل فكرياً واجتهادياً، على تطوير خطاب فكري مناهض من دون لبس أو “ضبابية” أو “رمادية” لخطاب الجماعات الإرهابية والجهادية، وأن تقطع دابر الشك الذي يحيط بموقفها من إرهاب هذه الجماعات أو سعيها لتوظيفه أو صمتها عليه ... مثل هذه المراجعة، كانت مطلوبة منذ سنوات، وهي مطلوبة بإلحاح أكثر اليوم، فالإرهاب ومحاربته، بات الأولوية لمختلف دول المنطقة ومحاورها، ولا مندوحة عن “تظهير” الموقف الإخواني منه، وتأصيله وتعميقه.
أردنياً، نرى أن على الجماعة أن تعمل ما بوسعها لحفظ موقعها الخاص وعلاقتها المتميزة مع النظام السياسي الأردني وبقية مكونات الطيف السياسي والفكري في البلاد، حتى لا توفر الحجج والذرائع للقوى المتربصة محلياً وإقليمياً، من خلال تقديم خطاب سياسي يجنح للتدرج والتسويات.
وفلسطينياً، ليس بمقدورنا أن نضيف أكثر لما سبق وأن أدلينا به: على حماس أن تغلب “المكون الوطني” في خطابها على “المكون الإخواني”، فالمظلة الإخوانية التي استقوت بها حماس خلال أعوام الربيع العربي، لم تعد صالحة لتوفير الفيء لأصحابها، وليس أمام حماس، سوى المظلة الوطنية الفلسطينية لعبور عنق الزجاجة في غزة، واجتياز حملات التطويق والملاحقة التي تتعرض لها الجماعة الأم، إقليمياً ودولياً.

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإخوان و«النيران الصديقة» الإخوان و«النيران الصديقة»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia