عريب الرنتاوي
يوماً إثر آخر، تتسع دائرة المؤيدين في الكنيست والحكومة الإسرائيليين، لخطة الانسحاب من جانب عن بعض مناطق الكثافة السكانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، في إعادة – ربما – لسيناريو الانفصال من جانب عن قطاع غزة الذي أطلقه ونفذه رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، أريئيل شارون ... ووسط ترجيحات متعددة المصادر، بأن هذا السيناريو، سيحكم التطورات على مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في السنوات القليلة القادمة.
إسرائيل بسياساتها الاستيطانية المتوحشة، أجهضت “حل الدولتين”، والدولة الفلسطينية المستقلة، باتت حلماً عصي المنال في ظل موازين القوى القائمة، ومن يتتبع خرائط الاستيطان، يدرك أن “نظرية الجبنة السويسرية”، متعددة الثقوب، هي التي ستحكم العلاقات بين “الكانتونات/ الإمارات” الفلسطينية المنفصلة والمعزولة عن بعضها البعض، أو “نظرية الثآليل” التي تحدث عنها عدنان أبو عودة بعد زيارته للضفة الغربية، حيث كل ثؤلول محاط بأحزمة من الطرق الالتفافية، تشبه إحاطة الخيط بالثؤلول وفقاً لطرق العلاج الشعبية لهذا الطفح الجلدي. بالنسبة لبعض المراقبين، فإن انسداد أفق “حل الدولتين” يفتح الباب أمام حل “الدولة الواحدة ثنائية القومية”، وهذا الخيار من المنظور الإسرائيلي، دونه خرط القتاد، و”حل الدولتين” أيسر على البلع والهضم إسرائيلياً من حل “الدولة ثنائية القومية”، وطالما أن الأول متعذر في ظل الاختلالات الهائلة في توازنات القوى الإقليمية والدولية، فإن حل الدولة الواحدة، يبدو أشبه بالمستحيل، حتى بالنسبة لأكثر الأحزاب والتيارات الصهيونية اعتدالاً. يفتح الاستعصاءان الباب على استعصاء ثالث، تفضله أكثر التيارات اليمنية، الدينية والقومية، تطرفاً في إسرائيل، وأعني به، الاستمرار في سياسة الفصل العنصري في الضفة الغربية والقدس،
وهي السياسة التي تنذر بفقدان إسرائيل لـ “شرعيتها” الدولية، وانسحاب الغطاء الدولي عنها، وهو أمر تخشاه تل أبيب في ظل اشتداد حملات المقاطعة و”نزع الشرعية” عن دولة الاحتلال والاستيطان والعدوان، وإذا كانت إسرائيل قادرة اليوم، على تحمل تبعات سياساتها العنصرية، فإنه سيتعذر عليها تحمل أكلاف هذه السياسة وتبعاتها في المستقبل، أو على المديين المتوسط والبعيد ... وهذه الحقائق دفعت بقادة “المعسكر الصهيوني” للانضمام للحملة المطالبة بالانفصال عن الفلسطينيين. تترك هذه السيناريوهات الثلاثة الفلسطينيين أمام سيناريو رابع، ويتمثل في إعادة انتشار قوات الجيش والأمن الإسرائيلية، عن مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية، ومن دون تواصل أو تفاعل جدي، بين منطقة وأخرى، فنصبح أمام “دويلات” بمسمى كانتونات أو إمارات، وتصبح غزة، هي العمود الفقري لدولة الشعب الفلسطيني الموزعة على المراكز الحضرية والمدن الرئيسية.
هذا السيناريو لا يحتاج إلى مفاوضات أو اتفاقات مبرمة، بل وقد لا يحتاج إلى “شريك فلسطيني”، طالما أن إسرائيل ستظل تأخذ بيديها، مسائل الأمن والاستقرار والسلامة العامة ... وهذا السيناريو سيُسَوق على أنه “تعزيز لمكانة السلطة الفلسطينية” فيما هو في الواقع العملي، قضاء مبرم على فكرة “الدولة” وتقرير المصير” .... وسيضع الفلسطينيين أمام حرج كبير، فلا هم قادرون على المطالبة بعدم انسحاب قوات الاحتلال، أو بالأحرى، إعادة انتشارها، ولا هم واثقون من أن “دويلة الثآليل” هذه، قادرة على البقاء والاستمرار والامتداد إلى بقية الأراضي المحتلة عام 67، أو حتى إلى المساحة الأكبر منها.
ليست هذه الدولة/ الدويلة، من الطراز القابل للحياة، هنا ستطرح أسئلة اليوم التالي للخطوة الإسرائيلية الأحادية المنتظرة، أو بالأحرى المرجحة: من سينفق على هذه الدويلة، ومن سيضمن استمرارها وعدم تحولها إلى بؤر منتجة للتطرف والجريمة والمقاومة وكافة أشكال وصيغ التمرد؟ ...
أما السؤال الثاني، فسيطرح في سياق العلاقة مع الأردن، وما إذا كان يتعين إقناع الفلسطينيين والأردنيين أو الضغط، عليهم للقبول بما يُعرف اصطلاحاً بـ “الخيار الأردني”؟ ما رُسم للضفة الغربية من سياسات اقتصادية تكرس الاعتمادية الفلسطينية على إسرائيل والمساعدات الخارجية، وما يتعرض له الأردن من ضغوط اقتصادية ومالية، يقف العالم متفرجاً على تداعياتها المرة، على المواطن والاقتصاد والمديونية والموازنة والخدمات، ربما يكون أول المؤشرات على ما يجري الإعداد له للسنوات الخمس القادمة، فماذا نحن فاعلون، وما هي خياراتنا للتعامل مع السيناريوهات الأربع الآنف ذكرها؟