«ثالثة الأثافي»

«ثالثة الأثافي»

«ثالثة الأثافي»

 تونس اليوم -

«ثالثة الأثافي»

عريب الرنتاوي

يبدو أن البعض منّا يستكثر على غيره أمر الحديث في شؤون الدين أو الدعوة لتجديد الخطاب وفتح باب الاجتهاد، فهو يعتبر أن هذه المهمة، هي من اختصاصه وحده، بل وحكر عليه أو من هم من مدرسته، دون غيرهم من سائر خلق الله ... لقد استمرأ هؤلاء النطق باسم السماء، لذا نراهم يستهجنون أية محاولة من أهل الأرض للتطاول على اختصاصهم.

مع أن أمر الدين، هو شأن كل من يدين أو حتى لا يدين به، طالما أنه المكون الرئيس لتراثنا وثقافتنا وحضارتنا، وطالما أنه النظام العام للعلاقات بين أفراد المجتمع، وطالما أن الدستور حدد في مادته الثانية، أن «الإسلام دين الدولة»، ما يعني أن المسألة تهمنا جميعاً، بمن في ذلك غير المسلمين منّا.

ويخيل للبعض أن تدثره بملبس معين أو بمظهر خاص، (يعتقد أنه وحده المنسجم مع قواعد الإسلام) وتزوده ببعض المعارف المتفاوتة في درجة عمقها وتوسعها، هي المؤهلات التي تعطيه وحده «الوكالة الحصرية» للنطق باسم رسالة السماء، أو اقتراح تجديد الخطاب الديني وتحديثه ... حتى أنه ربما ذهب به الشطط، إلى حد الخلط بين تجديد الخطاب الديني وتجديد خطاب الحركات الإسلامية، مفترضاً بأنها وحدها من يحتكر صفة تمثيل المسلمين والنطق باسم الإسلام ... إقامة مثل هذا التماثل بين الخطاب الديني وخطاب الحركات، لا ينطوي على خطأ بيّن فحسب، بل وينطوي على قدر هائل من الغطرسة والتسلط ومصادرة الرأي الآخر وعرقلة أية محاولة للفهم.

إصباغ القداسة على الموروث الديني، منحى كارثي في تفكيرنا، دفعنا ثمنه باهظاً كشعوب ومجتمعات، وأجيال متعاقبة من أبناء وبنات هذه الأمة.... مع أن أكثر من تسعين بالمائة من هذا الموروث، هو من صنع البشر الخطائين، حتى أن بعض الفقهاء و»الراسخون في العلم» يقولون إن نسبة «المقدس» في النص المتوارث لا تتجاوز الواحد بالمائة، لا أكثر، في حين أن ركام المؤلفات والنصوص والفتاوى، هو من صنع البشر، ويقبل التفسير والنقد والتأويل والتفنيد، مثلما هو مصدر إلهام وينبوع معرفة متجدد كذلك... للمسألة وجهان، بعضنا لا يريد أن يرى سوى وجه واحد.

والمسلمون بعد العهد الراشدي عاشوا في ظل امبراطوريات وراثية، استبد فيها الحكام وتوارثوا الحكم واحتكموا للسيوف فيما بينهم، وعاشوا حياة السلاطين والأباطرة، طوّعوا العلماء واشتروا الذمم، وخلقوا أجيالاً متعاقبة من «فقهاء السلاطين»، الذين طالما لعبوا دورهم كـ «ذراع إيديولوجي» للسلطة القائمة ... هل ندرج هؤلاء في عداد مرجعياتنا ومصادرنا، ونحن الذين لا نكف صبح مساء عن الدعوة للإصلاح والتغيير، ونحمل على كل عالم أو فقيه اقترب من البلاط أو السلطان، حتى أن مؤسسات تاريخية كبرى، لم تسلم من ألسنة هؤلاء كالأزهر الشريف على سبيل المثال.

والحكاية ليست في جوهرها مقتصرة على من يدعو للتجديد والتحديث، وما إذا كان من المدرسة الإسلاموية أم لا؟ ... الحكاية ببساطة، أن بعض أصحاب «الحق الحصري» في النطق باسم الإسلام، كانوا سيُخرِجون أي مطالب بالإصلاح وتجديد الخطاب من المّلة، حتى وإن كان «معمماً» أو «متبحراً في علوم الفقه والشريعة والدين» ... هؤلاء يدافعون عن «الجمود العقائدي»، ويتناولون بسهامهم كل من دعا أو سيدعو للخروج من شرنقة «أفكارهم وتصوراتهم» للدين والعالم والحياة والدولة والمجتمع.

يا سادة يا كرام، أنتم من ترددون بأن الإسلام أنزل للناس كافة، ومن حق كافة الناس، أن تتحدث في أمور الدين، وأن تدعو للتحديث والتجديد ... وأن تبحث عمّا يجلب النفع للأمة ويدرأ الضرر عنها... سيما في هذه المرحلة بالذات، حيث تنتشر، وأحيان تسود، قراءات شاذة للإسلام، تجعل من «داعش» خلافة، ومن زعيمها «أميراً للمؤمنين» ... قراءات تعيد نساءنا إلى زمن الجواري و»المحظيات»، بل وتسومهن سوء العذاب في أسواق النخاسة والرقيق.

يا سادة يا كرام، إن لم تقوموا بأدواركم التي ننتظرها منكم، فلا تعيبوا على من يطرح السؤال، مبادرته، فمن غير اللائق وليس من الإسلام في شيء، أن تكون وظيفة الناطقين باسمه، أو مدّعي النطق باسمه، حتى لا نقول «مختطفيه»، هي التصدي بالتنديد والإدانة للباحثين عن إجابات معاصرة لأسئلة العصر، بعد أن تعذر الحصول عليها من بطون الكتب القديمة.

وليت أن هؤلاء تصدوا للتفريق بين «المقدس» و»البشري» في النصوص والتراث ... ليتهم أرشدونا إلى ما يجوز لنا أن نخوض فيها وما يمتنع علينا تناوله، لقلنا إنهم اجتهدوا، ولكل مجتهد نصيب... أما أن يكتفي القوم، بإطلاق النار بغزارة على من يسأل ويحاول، لا لشيء إلا لأنه لا يشبههم، فتلكم والله، ثالثة الأثافي.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ثالثة الأثافي» «ثالثة الأثافي»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia