«الحـــــرب المـنـســـيّــة»

«الحـــــرب المـنـســـيّــة»

«الحـــــرب المـنـســـيّــة»

 تونس اليوم -

«الحـــــرب المـنـســـيّــة»

عريب الرنتاوي

لا أحد يمتلك تقديرات دقيقة عن خسائر مختلف الأطراف في الحرب الدائرة في اليمن وعليه ... نعرف أن ما بين 5-6 آلاف يمني فقدوا حيواتهم في الأشهر السبعة (+أسبوع) الأخيرة، ونعرف أن ما بين 25 إلى 30 ألفاً قد أصيبوا إصابات بليغة ... لا نعرف كم تبلغ أعداد العسكريين والمسلحين من هؤلاء ... ونعرف أيضاً أن هناك مليون ونصف المليون، نزحوا عن قراهم وبلداتهم جراء الحرب، وأن ربع مليون يمني اتجهوا للخارج في رحلة لجوءعربية جديدة ... نعرف أن البنية التحتية، الفقيرة أصلاً، قد تم الإجهاز عليها، يشتمل ذلك على الطرق والجسور والموانئ والمطارات والمدارس والجامعات والمستشفيات ... نعرف هذا، وتعرفون ما هو أكثر منه.
بيد أننا لا نعرف، وقد لا نعرف أبداً، كلفة هذه الحرب على دول التحالف... كم فقدت من الضحايا البشرية بين قتيل وجريح، مدنيين وعسكريين ... المؤكد أن الخسائر الفعلية، أكثر من تلك المعلنة وفقاً لمصادر عديدة ... لا نعرف كلفة الحرب المالية، وقد لا نعرفها أبداً، والكلفة هنا لا تقتصر على مصاريف العمليات الحربية الباهظة في مطلق الأحوال، وإنما تتعدى ذلك، إلى نقل عشرات ألوف المواطنين من المناطق الحدودية مع اليمن، و”الأعطيات” الهائلة، التي اتخذت شكل المساعدات المباشرة والعقود والتسليفات، التي دفعت إلى دول التحالف ... البعض يقدر الكلفة بما بتراوح ما بين 80 إلى 100 مليار دولار، تشتمل على عقود وأسلحة وتكاليف استدعاء القوات و”المتطوعين” من كولومبيا إلى السودان، تكاليف لم يكن يتعين على أحدٍ أن يتحملها لولا اندلاع الحرب.
ولو أن ربع هذه المبالغ، قد صرف على مشاريع تنمية اليمن والنهوض بمستوه وسويته الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، لكان الحال تغير على غير هذا المنوال، ولما وجد “خطاب المظلومية” الذي بنى عليه “الحوثيون” دعايتهم السياسية، من يشتريه، حتى في أوساط الزيديين أنفسهم ... لو أن جزءاً من هذه التكاليف، قد أنفقت على مشاريع بناء دولة يمنية، قوية وعادلة وممثلة لمختلف الأطراف، لما كنا بحاجة لكل هذه العداوات والانقسامات والتوترات بين المذاهب والجيران وأبناء البلد الواحد وشعوب الإقليم الواحد.
ولا أدري إن كان في اليمن، من يعتقد بأن ما مرحلة ما بعد الحرب ستشهد رخاء، يذكر بما عاشته ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية ... لا أدري إن كان هناك من يراهن على “مشروع مارشال خليجي لليمن”، سيما بعد تآكل أسعار النفط وعائداته، واضطرار عدد من دول الخليج لرفع الدعم عن المحروقات وضبط الإنفاق والحديث عن تنويع مصادر الدخل والثروة، إلى غير ما هناك من سياسات وإجراءات، تشي جميعها باشتداد الضائقة الاقتصادية والمالية، واحتمالات استمرارها بل وتفاقهما في قادمات الأيام.
هي “الحرب المنسية”، لا تذكرنا بها، سوى أنباء القصف الجوي العنيف، والمعارك المتنقلة بين “الإخوة الأعداء” وتصريحات الموفد الأممي إسماعيل ولد الشيخ المتفائلة على الدوام، وغالباً من دون أساس تستند إليه ... هي “الحرب المنسية”، عن سبق الترصد والإصرار، تنتقل من مرحلة إلى أخرى، وتتجاوز حدودها ومهلها الزمنية، المرحلة تلو الأخرى، والمهلة تتبعها ثانية، لكأننا في حرب مفتوحة حتى آخر يمني.
آخر تصريحات الموفد الأممي، تحدثت عن مسعى جدي، محمّل بالتفاؤل، في الوصول إلى “وقف لإطلاق” قبل الخامس عشر من الشهر الجاري، أي في غضون الأيام العشرة القادمة فقط، قبل أن يحل موعد الاستحقاق الأهم، وتلتئم الوفود في “جنيف 2” أو “مسقط 1”.
والواضح تماماً، ان تأجيل “مؤتمر السلام” لأكثر من أسابيع ثلاثة، قد جاء استجابة لطلب التحالف بالحصول على مهلة إضافية، لحسم بعض المعارك الكبرى على الأرض، وتحديداً في مدينة تعز ومحافظتها، مما يقلب موازين القوى، ويمكن من الجلوس بارتياح على مقاعد المفاوضات الوثيرة.
تسقط تعز في أيدي قوات التحالف أو لا تسقط، فإن الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح: وهل ستكون تعز خاتمة أحزان اليمنيين ونهاية درب الجلجلة خاصتهم؟ ... هل ستلتحق تعز بركب المدن الجنوبية المحررة، وهل هي محررة أصلاً، وإن كانت كذلك، فلماذا لم تستطع “الحكومة الشرعية” البقاء فيها لأكثر من عدة أيام؟ ... وما صحة التقارير والمعلومات التي تتحدث عن “فوضى وفلتان” في عدن ومدن الجنوب، وتسلل القاعدة وداعش والسلفية الجهادية إلى مناطق واسعة وأحياء استراتيجية ومدن كاملة في محافظات الجنوب، من حضرموت وحتى إبين مروراً بـ”العاصمة المؤقتة” عدن؟
هي “الحرب المنسية”، وقد دخلت في “النفق المظلم”، وأحالت اليمن إلى مستنقع يصعب الخروج منه، و”بالوعة” تمتص فائض المليارات وصناديق الاحتياط والأجيال القادمة ... هي الحرب التي لن تنتهي حتى وإن “صمتت المدافع”، فثمة صولات وجولات يتعين خوضها ضد المليشيات والعصابات والجماعات الإرهابية، وقد تستمر وتتوسع، لسنوات عديدة قادمة... هي الحرب التي خلّفت جروحاً غائرة في جسد العلاقات بين اليمن وجواره، يصعب شفاؤها ... هي “الحرب المنسية”، التي ستدخل كتاب تاريخ اليمن الحديث، في فصله الثاني، بعد فصل الحرب المصرية – اليمنية زمن الراحل جمال عبد الناصر.
لسنا على بينة من “مصادر تفاؤل” الموفد الأممي، لكننا نأمل أن يكون محقاً في تفاؤله هذه المرة، فالرجل يكاد يفقد صورته وصدقيته، كوسيط دولي نزيه ... وتحت ظلال مهمته المستمرة منذ أشهر، جرى تمديد الحرب شهراً تلو آخر، ومهلة تلو أخرى ... المؤكد أن إنهاء الحرب من دون هزيمة للحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح، وهو أمر تشير كافة التقديرات والمؤشرات إلى صعوبته البالغة، سيكون بمثابة إعلان عن “نصف هزيمة”، وسيتبدد هباءً، ركام المقالات والتصريحات والمواقف التي صوّرت الحرب، كما لو كانت حرب الاستقلال العربية الثانية، ونقطة التحوّل في تاريخ “العروبة الجديدة” مقابل التوسعية الفارسية، والإسلام السنّي في مواجهة “الهلال الشيعي” والجعفرية الاثني عشرية وولاية الفقيه.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الحـــــرب المـنـســـيّــة» «الحـــــرب المـنـســـيّــة»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia