موسكو وواشنطن  «تفاهمات بالتقسيط»

موسكو وواشنطن ... «تفاهمات بالتقسيط»

موسكو وواشنطن ... «تفاهمات بالتقسيط»

 تونس اليوم -

موسكو وواشنطن  «تفاهمات بالتقسيط»

بقلم : عريب الرنتاوي

راهنّا وكثيرون غيرنا، على “توافق روسي أمريكي” قمين بتوفير قاطرة الحل السياسي للأزمة ... يبدو أن كافة الأفرقاء المصطرعين في سوريا، في طريقهم إلى إنجاز توافقاتهم قبل أن يتسنى لموسكو وواشنطن أن تنجزا توافقاتهما أو تفاهماتهما الشاملة... سيما وأن أطراف النزاع كافة، باتت تمتلك “هوامش مناورة”، لم تكن تتمتع بها من قبل.

بعد كل لقاء بين كيري ولافروف، يخرج علينا المسؤولون من كلا الطرفين بتصريحات تفيد بـ “إحراز تقدم”، وتؤكد أن ما تبقى على طريق إنجاز التفاهم الأكبر والأشمل، ليس سوى بعض “اللمسات التقنية الأخيرة”، التي سيتولى الخبراء والفنيون من كلا الجانبين إنجازها ... ما أن تنتهي موجة التصريحات المتفائلة تلك، وحتى قبل أن يجف حبرها، يخرج علينا من العاصمتين، من يقول بأن المسافة ما زالت طويلة، وأن “لا صحة للأنباء عن اتفاق أو تفاهم” ... آخر الأمثلة على هذا الوضع الميؤوس منه، ما صدر في الأيام القليلة الفائتة من أنباء عن اتفاق روسي أمريكي لتوجيه ضربات مشتركة للإرهاب، سرعان ما تنصل منها الجانبان.

الغريب أن إخفاق الدولتين الأعظم، راعيتي عملية جنيف و”الأزمة السورية”، في إنجاز اتفاقهما، يأتي في غمرة الأنباء والتقارير التي تتحدث عن تفاهمات إقليمية يجري التوصل إليها بالجملة والمفرق ... إذ هناك من يؤكد على سبيل المثال، أن العلاقة بين طهران وأنقرة، في أحسن حالاتها، وأن مساحة التفاهم بينهما، تتخطى مصلحتهما المشتركة في الحيلولة دون قيام كيان كردي في شمال سوريا، يتهدد وحدة كل منهما الترابية والوطنية ... وهناك من يذهب به “المخيال السياسي” حد التبشير بـ “صفقة” سورية تركية، تعود بموجبها حلب إلى حضن النظام السوري، مقابل إطلاق يد تركيا في شمال سوريا لضرب “التهديد المشترك” للجانبين: الكيان الكردي العتيد.

التفاهمات الإقليمية المتشكلة أو قيد التشكل، تستدرج تفاهمات بين اللاعبين “اللادولتين”، حزب الله يوجه “رسالة تصالحية” لحركات الإسلام السني المسلحة وغير المسلحة، سلفية وإخوانية، للمراجعة والتقويم، ويمد يده لها لحوار ينتهي إلى مصالحة ... وأنباء الشمال السوري، لا تستبعد حدوث أوسع عملية إعادة اصطفاف للتحالفات الميدانية بين الفصائل المحاربة، على خلفية الانعطافة في الموقف التركي، وكنتيجة للتفاهمات الإقليمية المذكورة.

والحقيقة أن ثمة ما يشي بأن اللاعبين الإقليميين الكبار، وبالأخص تركيا وإيران، في طريقهم للإفلات من قبضة الضغوط والقيود التي يفرضها عليهم اللاعبون الدوليون الأكبر ... العلاقة الأمريكية – التركية تخرج من نفق لتدخل في آخر، ومن أزمة إلى أخرى ... واشنطن لم تحترم خيوط أنقرة الحمراء، وأنقرة قررت الرد بالمثل حين أدخلت دباباتها وطائراتها إلى ميدان الحرب ضد حلفاء واشنطن الأكراد، وصولاً إلى مشارف منبج ... والمتوقع أن تعمد تركيا على توسيع “هامش مناورتها” والإبقاء على مسافة بينها وبين كل من واشنطن و”الناتو”، كما تشير لذلك تطورات الميدان وما يصاحبها ويعقبها ويمهد لها، من مواقف سياسية.

في المقابل، أظهر الخلاف الروسي – الإيراني حول “قاعدة همدان” أن لإيران مخاوفها التي لا يمكن إخفاؤها من “تسويات” و”صفقات” يمكن أن يبرمها حليفها الروسي في سوريا، على حسابها وبالضد من مصالحها ... ولهذا قررت أن تبعث برسائلها المقروءة في ثنايا التصريحات التي صاحبت وقف استخدام سلاح الجو الروسي للقاعدة الإيرانية

طرفا الصراع السوري المحليين، النظام والمعارضة، يقفان بالمرصاد لكل هذه التطورات، التي ستنعكس بصورة مباشرة على “موازين القوى” المتحكمة بلعبة الحرب والسلام في بلادهم ... النظام، يراقب عن كثب “التحولات” في مواقف أنقرة، والمؤكد أن الاستدارة التركية إن حصلت، ستوفر له “طاقة فرج” لم تعرف مثلها منذ اندلاع الأزمة ... الأمر الذي تخشاه المعارضة تماماً وتتحسب له بكل قلق ... والتنافس الإيراني – الروسي سيوفر له هامش مناورة وحرية حركة بين أهم حليفين له إقليمياً ودولياً ... أما الأنباء عن فتور في علاقات الرياض بأنقرة، وتراجع في الدور السعودي على الساحة السورية (البعض يضيف اليمن كذلك) فهي تهبط برداً وسلاماً على صناع القرار السياسي والأمني السوري.

على أية حال، ثمة مروحة من الخلافات و”تباين الأولويات” التي ما زالت تباعد ما بين واشنطن وموسكو  في سوريا وحولها، باتت معروفة للقاصي والداني، منها مصير الأسد في نهاية مطاف الأزمة، وفرز الفصائل المسلحة “المعتدلة” عن الإرهابية ابتداءً ... لكن في ظني أن هذا هو الجزء الظاهر من الخلاف، فثمة أسباب اعمق للتباعد، أهمها أن كلتا العاصمتين تنظران للأزمة السورية من منظار كوني أوسع، يمتد من أوكرانيا إلى توسعة الناتو مروراً بالقرم ونشر الصواريخ إلى غير ما هنالك، أما السبب الثاني، فيتعلق بانعدام التوافق داخل أروقة صنع القرار الأمريكي، فما يأتي به كيري، ليس بالضرورة هو ما يريده البيت الأبيض أو البنتاغون أو بقية مراكز القرار والتأثير في واشنطن، الأمر الذي يفسر قول الشيء ونقيضه في غضون مسافة من الزمن لا تتخطى الساعات الأربع والعشرين ... ولعل آخر وأبرز مثال على هذا التضارب، هو ما حصل بعد التصريح بقرب توجيه ضربات مشتركة للإرهاب، وقبلها كان جو بايدن “يعطي الأتراك من طرف اللسان حلاوة” حول عملية “درع الفرات”، قبل أن تعود الانتقادات الأمريكية لتنهمر على تركيا ورئيسها، الأمر الذي لا يليق بالدولة الأعظم.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسكو وواشنطن  «تفاهمات بالتقسيط» موسكو وواشنطن  «تفاهمات بالتقسيط»



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia