الغموض سيد الموقف

الغموض سيد الموقف

الغموض سيد الموقف

 تونس اليوم -

الغموض سيد الموقف

بقلم : عريب الرنتاوي

أجواء ثقيلة من “الغموض” تطغى على المشهد السوري برمته ... عشرات الأسئلة تبحث من دون جدوى، عن إجابات تروي الظمأ المعرفي للمراقبين والمتابعين ...  هذه المرة، لا يعود السبب إلى تداخل الأجندات وتكاثر اللاعبين المطّرد، بل لغموض التفاهمات والتوافقات الإقليمية والدولية التي جرى التوصل إليها حول خمسة لاعبين كبار على الأقل: واشنطن، موسكو، أنقرة، طهران ودمشق.

صمت المدافع على جبهات حلب ومحاورها، وصمود “الستاتيكو” أمرٌ يحيّر المراقبين، مع أن أنباء الحشود والحشود المقابلة، كانت بعد سقوط محور الكليات –الراموسة، تتصدر الصفحات وعناوين الأخبار ... وبالتهديدات بالحسم و”أم المعارك” و”تحرير حلب” أو “تطهيرها” صدرت عن الطرفين المتقابلين ... لا شيء من هذا يحدث، كل ما في الأمر مناوشات “موقعية” تذكر بحروب المتاريس وخطوط التماس في الحرب الأهلية اللبنانية ... إلى أن خرج علينا الجنرال إسماعيل حقي، عراب اتفاق اضنا، والوسيط التركي الذي يتردد على دمشق وطهران باستمرار، ليخبرنا بأن الجيش السوري سيدخل حلب بأسرع مما تتوقعون ... لا شيء من هذا يحدث أيضاً ... يبدو أن ثمة قرارا إقليميا – دوليا بتجميد عقارب الساعة في حلب وأكنافها، ولكن إلى متى وبانتظار أية تطورات وفي أي إطار، لا أحد يعلم علم اليقين.

أين ستصل الدبابات التركية التي خرقت الحدود السورية في الذكرى 500 لمعركة مرج دابق؟ ... ما حجم المنطقة الآمنة التركية التي انتزعتها أنقرة في لحظة ضعفها بعد أن أخفقت في الحصول عليها وفي ذروة قوتها وقمة صعود دورها الإقليمي ... هل ثمة أهداف غير تلك التي نعرف وتصرح بها تركيا ليل نهار: منع تواصل الكانتونات الكردية جغرافياً، تنظيف الحدود من داعش، توفير مناطق إيواء للمعارضة المحسوبة على المخابرات التركية ومناطق استيعاب للاجئين السوريين؟ ... البعض يقترح أن هذه المنطقة ستأوي إليها كذلك فصائل المعارضة السورية المسلحة المعتدلة، عندما تحين لحظة فك ارتباطها بجبهة النصرة التي صار اسمها جبهة فتح الشام، وبعد أن يضع الكرملين والبيت الأبيض اللمسات الأخيرة، على تفاهماتها التي لم تكتمل بعد حول هذه النقطة.

ما الذي تبقى من نقاط عالقة بين موسكو وواشنطن، غير تلك المتعلقة بمصير الأسد في نهاية المطاف؟ ... هل يقترب الطرفان من الاتفاق على تصنيف الفصائل وفرزها، موسكو تتحدث عن قائمة تسلمتها من واشنطن للمرة الأولى بالفصائل التي أبدت رغبتها بالانخراط بوقف “الأعمال العدائية” وربما الشروع في مفاوضات سلام ... هل يعني ذلك أن عقبة التصنيف والفرز قد ذللت، وما تداعيات ذلك على معركة حلب، وربما على مصير “إمارة النصرة” في محافظة إدلب؟ ... هل نحن بصدد تحولات جدية على هذا الطريق، أم أن الأمر بأسره، ليس سوى كلام في كلام، وتقطيع وقت بانتظار حصول “شيء ما”؟

كيف نفسر صمت المحور الإيراني السوري على الاجتياح التركي للأراضي السورية، سوريا انتقدت ونددت ببيان خجول لم يكن منتظراً ألا يصدر في كل الأحوال ومختلف الظروف ... الدنيا لم تقلب رأساً على عقب جراء القصف الجوي التركي واجتياز الدبابات لحدود السيادة ... إيران تلوذ بصمت القبور، فهل ارتضت أو اختنقت بجائزة الترضية التركية” قطع الطريق على الكيان التركي الناشئ في شمال سوريا؟ ... ما التفاهمات التركية – الإيرانية التي يشف عنها هذا الصمت، وما الذي وعدت به دمشق، لتهبط بسقوف ردود أفعالها إلى هذا المستوى المتواضع.

ثم، ماذا عن موسكو، وكيف تنظر إلى الدور التركي بعد أن عادت مياه العلاقات بين أنقرة وواشنطن إلى مجاريها؟ ... هل أعطت موسكو الضوء الأخضر لأنقرة لاجتياح الأراضي السورية، ومقابل ماذا، ما الذي تعهد به “السلطان” لـ “القيصر” في قمة بطرسبورغ “التاريخية”... “رأس الأكراد” ليس بضاعة يمكن لروسيا أن تشتريها، ورأس داعش سيتدحرج لا محالة، وفي كل الأحوال، فهل الثمن المقبوض روسياً في مكان آخر، وهل سيدفع من كيس المعارضة لصالح حليف موسكو في دمشق؟ ... القليل حتى الآن، يمكن البوح به، وعلى شكل تسريبات وتكهنات، وليس على صورة معلومات موثوقة وحقائق دامغة.

وقبل ذلك وبعده، ماذا عن أثر التفاهمات الإقليمية والدولية المتقاطعة والمتوازية، على “المسألة الكردية”، واشنطن التي خدعت المعارضة السورية كما يقول أحد أبرز رموزها ميشيل كيلو، عادت لتخدع الأكراد كذلك، هذا أمرٌ لا ريب فيه، ولكن إلى أي حد، ستستمر واشنطن في تقديم القرابين الكردية على مذبح العلاقة مع أنقرة، وما مغزى الصيحة الفرنسية التي اتخذت شكل التحذير لتركيا من مغبة التحرش في “المسألة الكردية” وباريس داعمة للأكراد بالسلاح والعتاد والخبراء والعسكر الذين يوفرون لهم الإسناد العسكري واللوجستي ... هل ثمة خطوط حمراء رسمتها واشنطن لأنقرة في تطاولها على المشروع الكردي، هل الفرات هو هذا الخط الأحمر، وما معنى أن يظهر أكثر من مسؤول تركيا مهدداً بملاحقة “الإرهاب الكردي” شرق الفرات وليس غربيه فحسب، هل يعيد الأتراك انتاج ذات الخطيئة التي قارفها الأكراد، عندما اجتازوا الفرات غرباً من دون أن يأبهوا بالخطوط التركية الحمراء، هل يفعلها السلطان رجب طيب أردوغان، الخارج لتوه منتصراً على الانقلاب الفاشل، الرجل الذي يدق المسمار الأخير في نعش الكمالية الأتاتوركية، الخارج للتو من أطواق عزلة إقليمية دولية، تركته وحيدا لردح من الوقت، لم يجد خلاله من يكاتبه؟

وماذا عن الجبهة الجنوبية، التي قيل إنها ستشتعل في أية لحظة، وأن 10 – 15 ألف مقاتل قد احتشدوا لهذا الغرض، حتى أن وزير الدفاع الأمريكي نفسه، كان هدد بإشعال جبهة الجنوب ضد “داعش”، وعدم الاكتفاء بالجبهات المفتوحة عليه من الجهات الثلاث الأخرى، وفي سوريا والعراق على نحو متزامن ومتوازٍ ... لماذا لم تتحرك الجحافل، ومتى ستطلق شارة البدء بالمعركة، وهل ستطلق أصلاً، هل هناك معركة في الأساس؟

غيض من فيض الأسئلة والتساؤلات، التي سيصعب الإجابة على أي منها من دون أن نسبر كنه التفاهمات الروسية الأمريكية (لافروف – كيري)، والروسية التركية (أردوغان – بوتين)، والأمريكية التركية (بايدن– أردوغان)، والتركية الإيرانية (ظريف – أوغلو وقمة طهران لاحقاً)، والتركية السورية (زيارات حقي ولقاءات مملوك – فيدان المزعومة) ... وربما كثير غيرها مما نعرف ولا نعرف، والحبل على الجرار.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغموض سيد الموقف الغموض سيد الموقف



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia