رسائل من«صناديق الأطباء»

رسائل من«صناديق الأطباء»

رسائل من«صناديق الأطباء»

 تونس اليوم -

رسائل من«صناديق الأطباء»

بقلم : عريب الرنتاوي

الفوز الكاسح لقائمة الإسلاميين والمستقلين “قمة” في انتخابات نقابة الأطباء، جاء مُحمّلاً بالرسائل السياسية التي يتعين قراءتها بدقة، بالنظر لجملة من العوامل، منها أنها أول “انتخابات عامّة” تأتي بعد إغلاق مكاتب جماعة الإخوان المسلمين بالشمع الأحمر، ومنها أيضاً أنها قد تكون “بروفة” للانتخابات القادمة، نقابية كانت أم نيابية وبلدية.

الرسالة الأولى، تعيد تظهير الموقف الذي طالما عبّر عنه قادة الجماعة، ومؤدّاه أن الجماعة ليست مكاتب أو مقار، بل تيار جماهيري، لن يضعف، بل قد يتقوى، بإجراءات إدارية وأمنية من النوع الذي شهدنا في الفترة الأخيرة ... الجماعة أرادت أن تبرهن على صحة موقفها هذا، فأعدت لانتخابات الأطباء “ما استطاعت من قوة ورباط الخيل”، وكان لها ولحلفائها، فوزاً غير مسبوق، لتعود قائمتهم إلى الإمساك بكامل مقاعد المجلس، بعد ثلاث دورات من الغياب.

الرسالة الثانية، وتتصل بالقوائم الأخرى المنافسة، والمحسوبة عادة على التيار اليساري – القومي، المدعوم بمن وصفوا بـ “تيار الدولة” داخل النقابة، فقد أظهر القائمون على هذه القوائم، قدراً لا يستهان به، من “اللامسؤولية”، فكانت انقساماتهم وتشرذمهم، أحد أسباب النتائج المُخيبة لآمالهم، وتلكم على أية حال مشكلة تتخطى النقابة والمُجمّع، إلى العمل اليساري والقومي العام في البلاد ... تقول الأرقام أن النقيب الدكتور علي العبوس حصل على ما يزيد عن مجمل الأصوات التي حصل عليها منافسوه الأربعة، وهذه نتيجة ربما تستند إلى شخص النقيب وشخصيته، بيد أنها لا تقلل من أثر التشرذم على نتائج الاقتراع على مقاعد المجلس على أية حال.

الرسالة الثالثة، وتتصل بالتكتيك الانتخابي الذي اتبعته الجماعة في هذه الانتخابات، والذي يقوم أساساً على توسيع دائرة التحالفات مع مستقلين واتجاهات ربما تكون قريبة من الجماعة، ولكنها لا تتماثل معها ولا تتماهى مع طروحاتها ... صحيح أنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الجماعة إلى مثل هذا التكتيك، لكن الصحيح أنه قد يكون مؤشراً على الطريقة التي ستخوض فيها الجماعة الانتخابات النيابية المقبلة، في حال قررت المشاركة، وقد كنت قبل أزمة إغلاق المقرات، قد استمعت لمسؤولين في حزب جبهة العمل الإسلامي، يتحدثون عن احتمال كهذا، وقد شجعتهم عليه، لا من أجل تعظيم حصتهم في المجلس القادم، بل للخروج من شرنقة الحزبية والفئوية المغلقة، المثيرة لقلق الآخرين أساساً.

الرسالة الرابعة، وتتصل بالنقابات ذاتها، وهي ليست مشتقة من وحي هذه الانتخابات وحدها، ولا صلة لها بفوز فريق على فريق آخر، وأعني بها الحاجة لإحداث إصلاح جذري في قوانين العمل النقابي والعام، والاقتراب من قاعدة التمثيل النسبي في كل مؤسسة تخضع للانتخابات العامة، فهذه القاعدة أكثر عدالة في التمثيل، وهي وحدها الكفيلة بتفادي التهميش والإقصاء، وتسمح لكل فريق بأن يتمثل بحجمه الطبيعي في الأطر الديمقراطية المنتخبة، من دون زيادة ولا نقصان ... والمؤسف أن بعض تيارات العمل السياسي والفكري في البلاد، تطالب باعتماد النسبية في انتخابات المجالس النيابية، وتكف عن المطالبة باعتمادها في مجالس النقابات أو الاتحادات الطلابية، في مقاربة تستبطن قدراً هائلاً من”المعايير المزدوجة”، علماً بأن التمثيل النسبي، وحده يمكن أن ينصف الجميع وفي كل الأحوال، فليس ثمة ضمانات “للاكتساح” في كل دورة انتخابية، والعدالة  في التمثيل تقتضي نظاماً انتخابياً مغايراً.

الرسالة الخامسة، وتتصل بالنهج الحكومي في التعامل مع جماعة الإخوان، وهو امرٌ سبق وأن تحدثنا به وكتبنا عنه مراراً وتكراراً، مشددين على ضرورة اعتماد مقاربة تقوم على “الاحتواء” والإدماج” بدلاً عن “الإقصاء” و”الشيطنة”، وتعتمد تكتيك “الاشتباك الإيجابي” الذي يتحدى الجماعة في “مفاصل” خطابها، ويفضي عبر الحوار الوطني العام والشفاف، إلى دفع الحركة لتطوير منهجيات عمل مغايرة، وتأصيل مفاهيم وقيم الحداثة وحقوق الانسان ومبادئ الديمقراطية، من ضمن رؤية أوسع لخطاب إسلامي – مدني ديمقراطي، لدينا من الشواهد، على نجاعته وكفاءته، في كل من تونس والمغرب، وفي تركيا قبل الارتدادات الأخيرة للسيد رجب طيب أردوغان.

بالمعيار الوطني العام، تبدو انتخابات نقابة الأطباء “حدثاً صغيراً”، بيد أنه محمّل بالدروس والرسائل الكبيرة، التي يتعين على صنّاع القرار، في الدولة والمجتمع على حد سواء، تأملها وتفحصها، من أجل خطوات وتدابير وسياسات، أكثر رشداً وعقلانية في المستقبل، وهنيئاً للنقيب ومجلس النقابة الجديد.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل من«صناديق الأطباء» رسائل من«صناديق الأطباء»



GMT 18:13 2021 الإثنين ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالله بن زايد في دمشق: ما الذي حمله في جعبته؟

GMT 14:13 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 14:38 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و"حرب السفن"

GMT 14:41 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

مدرستان في التفكير الإسرائيل حيال الأردن

GMT 15:57 2021 السبت ,03 إبريل / نيسان

الانتخابات الفلسطينية (1-2)

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia