عن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا وأولوياته

عن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا وأولوياته

عن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا وأولوياته

 تونس اليوم -

عن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا وأولوياته

بقلم :عريب الرنتاوي

يربط وزير الدفاع الأمريكي الجنرال جيمس ماتيس انسحاب قوات بلاده من سوريا بالوصول إلى حل شامل ونهائي لأزمتها المفتوحة منذ ثماني سنوات، ما يعني رفض الالتزام بجدول زمني لانسحاب وشيك، طالما تحدث عنه دونالد ترامب وبشّر به في «تغريداته» التي لا تتوقف، وربما في سياق التحضير للانتخابات النصفية الوشيكة للكونغرس، كما يرى مراقبون.

والحقيقة أن تصريحات ماتيس تبدو أكثر «انسجاما» مع أولويات الاستراتيجية الأمريكية المعلنة في الشرق الأوسط، أكثر من «تغريدات» ترامب، فمن يضع إيران على رأس لائحة أعدائه في الإقليم، ومن يقرر استئصال نفوذها فيه، لا يبادر إلى سحب قواته من سوريا وعلى امتداد حدودها مع العراق، تاركاً الباب مفتوحاً أمام حلم إيران بتدشين «أوتوستراد» بري سريع يربط طهران ببيروت.

للوجود الأمريكي العسكري في سوريا، جملة أهداف أهمها: (1) محاصرة إيران وتطويق نفوذها الإقليم... (2) ضمان «حصة وازنة» لواشنطن وحلفائها (الحركة الكردية) في أية ترتيبات للحل النهائي في سوريا، وهذا ما عبّر عنه الوزير ماتيس صراحة في تصريحاته الأخيرة... (3) لجم الاندفاعة التركية في شمال سوريا، والتي تأتي دائماً على حساب أكرادها، حلفاء واشنطن، سيما حين يتعلق الأمر بوجودها في مناطق شرق الفرات.

وإذا كانت مقتضيات الحرب على «داعش» حاضرة بقوة في المواقف والتصريحات الأمريكية التي تسعى في تبرير وجود مستدام أو طويل الأمد، للقوات الأمريكية على الأرض السورية، فإن الوقائع الميدانية على الأرض، لا تدعم هذه التبريرات، اللهم إلا إذا كان المقصود بها، منع عودة مقاتلي التنظيم إلى المناطق التي استعادتها القوات الأمريكية بالاستناد إلى حلفائها الأكراد على الأرض.

وفي حين، تلتقي مصادر موثوقة عديدة على الإقرار بوجود ما بين 7-12 ألف مقاتل للتنظيم الإرهابي على امتداد خط الحدود بين سوريا والعراق، وفي مناطق جنوب الفرات في البادية الشرقية ... فإن هؤلاء، ومنذ انتهاء العمليات العسكرية الكبرى ضد التنظيم في العراق وسوريا، لم يتعرضوا لأية عمليات عسكرية جدية من قبل واشنطن وحلفائها على ضفتي الحدود، إذ باستثناء بعض الطلعات والضربات المتفرقة للطيران التحالف، وبالأخص للطيران العراقي، لا يبدو أن التنظيم يتعرض لضغوط جدية، حتى أنه صار بمقدوره، إعادة تنظيم صفوفه، وتمكن مؤخراً من شنّ هجمات مؤلمة ضد الجيش السوري والقوات الرديفة الموالية لدمشق، آخرها ما حصل في «البوكمال» ومحيط «الميادين» في الشرق السوري.

لقد فهم «داعش» كيف «رتبت» واشنطن أولوياتها في تلك المنطقة، فتحاشى اجتياز خطوطها الحمراء، وأولى جُل اهتمامه لاستهداف الوجود العسكري السوري، النظامي والرديف في تلك المنطقة، وأمكن له، إيقاع خسائر كبيرة في صفوف هذه القوات، ونغّص على النظام وحلفائه، احتفاليتهم بالانتصارات الأخيرة المتحققة في تلك المناطق وغيرها، وربما هذا ما تريده واشنطن على وجه التحديد.

إن الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها المراقب عن كثب للوضع في تلك المنطقة الحدودية الصحراوية، تقول إن واشنطن تركت «عبء» محاربة داعش فيها لموسكو وطهران ودمشق، وحلفاء العواصم الثلاث من المليشيات والوحدات «شبه العسكرية»، فمثل هذا التكتيك، يوفر لواشنطن فرصة مجانية نادرة لاستنزاف «جبهة الخصوم العريضة» هذه، من دون أن تتكبد أي خسائر من أي نوع، لا هي ولا حلفائها على الأرض... وطالما أن خطر التنظيم الإرهابي، محصور في بقعة جغرافية محددة، وغير ممتد لمناطق نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها، ومن غير المتوقع أن ينتشر خارج هذه الرقعة إلى أوروبا والولايات المتحدة، فلا بأس من الإبقاء على الوضع كما هو من دون تعديل أو تغيير.

وما ينطبق على المنطقة الشرقية لسوريا، ينطبق كذلك على المنطقة الجنوبية المحاذية للأردن وإسرائيل، وإن بدرجة أقل بالنظر لاختلاف الظروف واللاعبين على حد سواء ... ففي الجنوب، لا يبدو أن ثمة استعجالاً أمريكياً لطي صفحة التصعيد في هذه المنطقة، وتسهيل إتمام المصالحات والتسويات، وعودة الجيش السوري للانتشار على طول حدوده الجنوبية، نظير انسحاب إيران والميليشيات الموالية لها، إلى مسافة «آمنة» شمالاً، وربما تفكيك قاعدة «التنف» في مرحلة لاحقة ... وهذه المراوحة في المشهد الجنوبي لسوريا، مرشحة للاستمرار، ما لم «تحزم إسرائيل أمرها» وتقرر ترجمة «تفاهماتها» مع روسيا في هذه المنطقة وحولها، وهو توجه بدأ يكتسب كثيرا من المؤيدين في دوائر صنع القرار السياسي والأمني الإسرائيلي ... إن تحركت إسرائيل لترجمة هذه «التفاهمات» لن يكون أمام واشنطن من خيار سوى منحها الدعم والتأييد، فالإدارة الأمريكية، سيما في عهدة دونالد ترامب، تبدو منقادة في كل ما يخص حسابات إسرائيل وأولوياتها في المنطقة، ومن يجلس في مقعد القيادة في هذه المنطقة، ليس ترامب أو ماتيس، بل نتنياهو وليبرمان.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا وأولوياته عن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا وأولوياته



GMT 12:13 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

ماذا سيفعل العراقيون بعد اقتحام السفارة؟

GMT 12:10 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

أردوغان يعاني في بلاده

GMT 11:56 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

دبلوماسيّون: حراك مكثف على ساحة متأرجحة!

GMT 11:38 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الباجي وخطيئتا بورقيبة وبن علي

GMT 11:29 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

الإمارات ملتقى الأمم

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia